رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تتحدوا ذكاء المصريين


تكثيف الجولات الميدانية هو السبيل لمواجهة تراكم القمامة وسوء الإنارة العامة

لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين، ولا المصريون أيضًا.. لأنهم شعب مؤمن بربه وبقدره وببلده، وهذا الشعب يعلّم أعداءه وأصدقاءه- على السواء- درسًا جديدًا فى كل يوم، وآخر هذه الدروس قدمه المصريون بكل هدوء خلال الأسبوع الماضى.
فى غضون ٢٤ ساعة، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعى بدعوتين موجهتين لعموم المصريين، الأولى كانت دعوة للتظاهر والثورة يوم ٣١ أغسطس الماضى، وهى- كما نعلم جميعًا- دعوة انتهت بفشل ذريع وبعاصفة من التهكم والسخرية والنكات اللاذعة التى ألهبت أعصاب من أطلقها.
وبعد ٢٤ ساعة فقط، وجهت للمصريين دعوة أخرى لاقت قبولًا وتجاوبًا منقطع النظير، وكانت بمقاطعة الفواكه والخضروات من ١ إلى ٩ سبتمبر للحد من جشع التجار الذى رفع الأسعار بصورة مبالغ فيها، وأزعم أن أغلب الذين تجاوبوا مع دعوات المقاطعة هم من جيل الأمهات والآباء الذين ليست لهم علاقة بالسوشيال ميديا، ولا يمتلكون حسابات فى الـ«فيسبوك» أو «تويتر»، ولكنهم سمعوا عنها من أبنائهم وجيرانهم، فاستجابوا استجابة نالت الاحترام وفاقت التوقعات، وجعلت التجار يراجعون حساباتهم ويدركون أن «للصبر حدود» على جشعهم ومغالاتهم التى رفعت الأسعار إلى درجة غير مسبوقة.
فى ٢٤ ساعة فقط قالت الناس كلمتها فى هدوء، مرة بالتجاهل التام، لدعوة نعلم جميعًا أنها مغرضة وتهدف إلى تخريب وتدمير بلدنا، ومرة أخرى بالتجاوب الكبير لدعوة أدرك الجميع أن هدفها هو الخير لهم، ورد الفعل فى الحالتين يقطع بذكاء الناس وبفهمها العميق لما يحدث على الساحة، وأن الناس فى مصر الآن لا تلتف إلا حول ما يحقق مصالحها، وتنفر من كل من يهدد بلدها.
وهذا الدرس الذى قدمه المصريون والذى يؤكد ذكاءهم وإيمانهم بأنفسهم، لم يكن الأول ولن يكون الأخير، والمهم أن ردة الفعل فى كل مرة تكون قوية وحاسمة، ومخالفة لكل الحسابات التى تُبنى على المؤامرات والخيانات التى تكلف أصحابها مئات الملايين وربما المليارات أيضًا.
ونحن لا نحتاج لأن نذهب بعيدًا، ففى نفس الأسبوع وقع حادث آخر، بعث برسائل شديدة الأهمية لكل من يعتقد أنه أذكى من هذه الملايين الهادرة، أو أنه قادر على أن يقودها إلى مسلسل الفوضى والدمار، الذى وقع فيه- مع شديد الأسف- أشقاء وجيران لنا.
لقد توقفت كثيرًا أمام حادث هذا الإرهابى الذى انفجرت عبوته التدميرية فى «قفاه»، فى ميدان سيمون بوليفار. لقد أثارت هذه الزجاجة التى اشتعلت فى حقيبة هذا المعتوه، هلع السفارة الأمريكية التى تبعد عن الموقع بأمتار قليلة، فأطلقت تحذيراتها المبالغ فيها لمواطنيها، من عدم الاقتراب من المنطقة وطالبتهم بتوخى الحذر وتوخى «الهبل» أيضًا، مع أن هناك عشرات من حوادث إطلاق القنابل والرصاص داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وكلها تقابل بدعوات للهدوء وليس للذعر.. لقد استوقفنى فى هذا الحادث تعامل المواطنين الموجودين فى الموقع معه، بعضهم جرى نحو الإرهابى وخلصه من الحقيبة المشتعلة، ثم قبض عليه تمهيدًا لتسليمه للشرطة التى وصلت فى غضون ثوانٍ وليس دقائق، وأحد هؤلاء المواطنين أخذ يصرخ فى وجهه «لماذا تفعلون هذا مع البلد؟!» وسمعت سيدة تتمنى لو تم قتله، وهى رغبة تعكس مدى الكراهية الشديدة لكل إرهابى يتربص بهذا البلد، لأنه فى النهاية يتربص بمقدرات الناس وبأرزاقهم، ولقد رأينا جميعًا أن الشرطة هى التى حمت هذا الإرهابى من حالة الغضب والغليان التى كان من الممكن أن تفتك به، حمته الشرطة كى يخضع للتحقيق، لمعرفة مَنْ وراءه ومَنْ يموله ويمده بأدوات الشر.
فى كل هذه الحوادث التى وقعت فى غضون أيام قليلة، كان الأمر الوحيد للناس هو وعيهم وقيمهم وحبهم لبلدهم، وهى فيما أعتقد نفس الأسباب التى حمت هذا البلد على مدى عشرات القرون، فقد اختفت دول كثيرة واندثرت أخرى على مدى هذه القرون، وبقيت مصر بحكمة شعبها وذكائه الفطرى الذى يحدد له الخطوة المناسبة فى كل موقف من مواقف الحياة.
ويل لمن يراهن على ذكائنا نحن المصريين، وخيبة كبرى لمن يعتقد أنه قادر على أن يقود المصريين إلى ما يهدم بلدهم أو يصيب «المحروسة بإذن الله» بأى سوء.