رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إدلب.. المحطة الأخيرة لقطار الربيع الأسود


إدلب.. المحطة الأخيرة والرقم الأهم فى معركة عودة الدولة فى سوريا وهى المحطة الأخيرة لعصابات الربيع العربى وتنظيماته الإرهابية.. وتعد إدلب آخر معقل للجماعات المسلحة التى نزحت من دير الزور والرقة وحلب ‏وغوطة دمشق وأخيرا من السويداء ودرعا، حيث يتجمع بها نحو عشرات الآلاف من المسلحين وعائلاتهم، وهو ما يجعل من المعركة أهمية كبرى على المستويين السياسى والعسكرى.. إدلب بالنسبة للنظام هى نهاية الحرب ‏وترى دمشق فى عودة الجيش إلى إدلب كسر شوكة تركيا المجاورة التى دعمت المعارضة والتنظيمات الإرهابية.. وتصف الحكومة السورية الانتصار فى إدلب بأنه الانتصار على المؤامرة العالمية ضد سوريا. ‏
إدلب تضم مجموعة من التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة أهمها حركة «أحرار الشام» التى تضم أربع فصائل سورية وهى «١» كتائب أحرار الشام «وحركة الفجر الإسلامية» و«جماعة الطليعة الإسلامية» و«كتائب ‏الإيمان المقاتلة «٢» تنظيم فتح الشام (النصرة سابقا) ويبلغ تعداد مقاتليه ٦ آلاف مقاتل بعضهم أجانب من جنسيات غربية وعربية.. «٣» جيش المجاهدين وهو أحد الفصائل التى تحمل راية الجيش الحر إلى جانب رايته «٤» فيلق ‏الشام ويتبع بشكل جزئى الجيش الحر ويحمل أيضا رايته إلى جانب رايته «٥» فرسان الحق وهو تنظيم تشكل فى ٢٠١٢ ويتبع الجيش الحر «٦» جيش السنة ويتواجد بريف إدلب.. «٧» فصيل جند الأقصى وهو قريب من داعش ‏وانضم مؤخرًا لتنظيم فتح الشام، وهناك حاليا تيار متشدد يقوده أبواليقظان المصرى وأبوالفتح الفرغلى يواجهه انقسام فى البيت الداخلى لتحرير الشام يريد إنهاء العزلة الدولية. ‏
قيادات الجيش السورى تؤكد أن معركة إدلب لن تكون سهلة والفصائل سوف ترد بكل عنف على الدولة إذا لم تكن قوة الجيش قاهرة ولا يمكن الوقوف أمامها، وبالتالى كان التلويح بالمخاوف بشأن معركة إدلب تلويحًا الغرض ‏منه خلق أزمة فقط لأن الإرهاب لا يمكن التعامل معه بنعومة والأوطان لا تتحرر بالمحايلة والمداهنة.. ولذا تستمر قوات الجيش السورى فى استقدام التعزيزات العسكرية إلى محيط المحافظة لبدء عملية عسكرية فى الأيام المقبلة، ‏وربما تكون قريبة مع تزايد الضربات الجوية العسكرية والسورية والروسية، وهو أسلوب اعتمد عليه الجيش السورى فى تحرير حلب والغوطة وجنوب سوريا، حيث تمهد الضربات الجوية لقصف مدفعى عنيف تعقبه اقتحامات ‏لقوات المشاة لتقسيم المناطق ثم فرض السيطرة عليها جزءًا جزءًا، وقد نجح ذلك فى كل المعارك السابقة، وإن كان الاختلاف هذه المرة يأتى من تجمع كل فصائل المعارضة فى منطقة واحدة، وإن كانت بعض الخلافات على ‏القيادة بينهم ستسهل شيئًا ما من التحرك الذى يقوم به الجيش السورى.‏
المعركة فى إدلب لها خصوصية، فهى المحطة الأخيرة والفائز فيها سيحسم الموقف لو استطاع الجيش السورى بالمساندة الروسية والحلفاء حسمها لصالحه وتحريرها من قبضة التنظيمات، وهذا يعنى عودة لسيطرة الدولة على ‏أغلب الأرض، ومن ثم إعادة البناء، سواء كان عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا، وهو يعنى أيضا انتصارا للموقف الروسى وتأكيدا على أن روسيا حسمت المعركة فى سوريا لصالحها وعلى التوافق المصرى- الروسى وظهور ‏العملاق الصينى، ومن ثم يؤدى كل ذلك إلى تقليل الدور الأمريكى وضغطه فى منطقة تأمين إسرائيل.. ولذا فإن تغريدة ترامب الأخيرة عن الموقف الأمريكى، وتصريحات جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى، عن ‏الاستعداد لشن ضربة جديدة على سوريا لو حدث هجوم على إدلب أقوى مما حدث أثناء حادث مدينة دوما.. والترويج لهجوم كيميائى يحضر له الجيش السورى على إدلب لخلق مبرر للتدخل الأمريكى والحديث عن مدمرة ‏أمريكية تصل للخليج وتحمل قنابل ١- بى، وسوف تتحرك من قاعدة قطر ولوجود المدمرة «يو إس إس سوليفان» المزودة بـ٥٦ صاروخ كروز، وكذا قاذفة القنابل الاستراتيجية المحملة بـ٢٤ صاروخ جو- أرض.. المخطط ‏المرصود من خلال أجهزة استخباراتية روسية أنه تم إرسال ٨ عبوات من الكلور ونقلت إلى قرية تبعد بضعة كيلومترات عن جسر الشغور بعد أن سلمت لجماعة «حزب التركستان الإسلامى» من أجل تنفيذ الهجوم الكيميائى فى ‏مدينة الشغور فى محافظة إدلب من قبل هيئة تحرير الشام، وهناك مخطط لمشاركة مسلحين مدربين من قبل شركة خاصة بريطانية «أوليف» لتمثيل دور إنقاذ الضحايا من الهجوم الكيميائى الذى يعدونه فى إدلب لخلق مبرر ‏لضربة أمريكية تعوق تقدم الجيش السورى، وأكد الجنرال كونا شينسكوف، الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، أنه تم رصد وصول مسلحين مدربين إلى منطقة الشغور.. وهذا السيناريو يعيد إلى الأذهان سيناريو أصحاب الخوذ ‏البيضاء فى خان شيخون والذى كان مبررًا لضربة أمريكية ضد سوريا أعاقت تقدم الجيش السورى فى الغوطة لمدة.‏
الموقف فى إدلب ليس معركة بين الجيش السورى والتنظيمات الإرهابية فقط، ولكنه مسرح لعمليات سياسية وعسكرية تشارك فيها روسيا وأمريكا وتركيا وفرنسا وإيران ودول أخرى تتستر وراء تنظيمات موجودة على الأرض.. ‏فحسم المعركة فى إدلب يعنى حسمًا لصالح إيران وتواجدًا قويًا لروسيا ونهاية لمعركة الغاز مع أمريكا وأوروبا وخسارة فادحة لتركيا التى ظنت أنها تمتلك مفاتيح المنطقة. ‏
فرنسا تحذر وتناور وتشير إلى كارثة إنسانية تنتظر الشمال السورى وتركيا تطلب مهلة من روسيا لحل «هيئة تحرير الشام» فى محافظة إدلب التى ترفض الفكرة المطروحة عليها وتتمسك بعقيدتها وحسمها العسكرى الخاص ‏بها.‏
وطلبت تركيا مهلة عشرة أيام ريثما تقنع «تحرير الشام» بالحل والاندماج مع باقى الفصائل، وبالتالى تجنب إدلب عملا عسكريا مع طرح تجارة تركيا للمنطقة.‏
فرنسا تتحاور مع ستيفان دى ميستورا، الموفد الأممى، وتحاول تقريب المسارات بين أستانة والمجموعة المصغرة للوصول إلى سلام شامل، حسب تعبير ماكرون الذى يرى بقاء الأسد سيناريو تشاؤميا، وأن بقاءه خطأ فادح.‏
أمريكا تهدد وفرنسا تناور وتركيا تعرض وتحلم وإيران تساند وروسيا تنفذ والتنظيمات تستعد للمواجهة بعشرات الآلاف من المدنيين فى حالة رعب من السيناريو القادم والجيش العربى السورى يتقدم لتحرير أرضه وبسط ‏سيطرته ورفع علمه. ‏
إدلب تستعد لكى تكون المحطة الأخيرة فى صراع دام ثمانى سنوات دفع ثمنه الشعب السورى من آلاف الشهداء وملايين الجرحى واللاجئين وتدمير لبنية تحتية وشبه دمار لجيش عربى قوى.. كل ذلك من أجل ديمقراطية ‏مزعومة وحرية زائفة من أجل السيطرة على سوريا وتقسيمها ضمن مخطط للسيطرة على موارد الشرق الأوسط وإعادة تقسيمها لصالح إسرائيل، وكما كانت المحطة الأولى التى أوقفت قطار التدمير هى مصر واستطاعت وقف ‏مساره فاليوم تساند لإنهاء خط سيره والقضاء على كل آثاره.. تستعد إدلب أيضًا لرسم ملامح نهاية الربيع الأسود. ‏