رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النيــل.. من أنهار الجنــة


أنعم الله تبارك وتعالي علي جميـــع خلقه بنعمة الماء , فهي من أجل النعم وأعظمها قدراً , فالماء أصل الحياة , وأساس الحضارة والرقي , ومن أهم مصادر الرخاء وأصل النماء كما ذكر سبحانه وتعالي :

( وجعلنــا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون ) .

وأكد سبحانه أن الماء صاحب الأصل لبقاء الحياة .. فقال عز وجل :

( والله خلق كل دابةٍ من ماء ) .

فالماء أغلي ما تمتلكه الإنسانية , به تحيا الأرواح , وتطهر الأبدان قال تعالي :

( وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً ) .

فالماء رزق يسوقه الله عز وجل لخلقه , ينزله علي من يشاء , ويصرفه عمن يشاء بقدرته ولحكمته , قال تبارك وتعالي :

( أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أُجاجاً فلولا تشكرون ) . وعن نعمة الماء ذكرنا تبارك وتعالي قائلاً :

( هو الذي يُريكم آياته ويُنزل لكم من السماء رزقاً وما يتذكر إلا من يُنيب ) .

وقال تعالي :

( وتري الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج ) .

ونعمتي الماء والطعام شأنهما واحد جمع الله بينهما قائلاً :

( فلينظر الإنسان إلي طعامه * أنا صببنا الماء صباً * ثم شققنا الأرض شقاً ) .

ويزداد اهتمامنا بالماء حيث أعطاها القرآن الكريم قدراً فلقد تحدث القرآن علي لسان فرعون وهو يتفاخر باتساع ملكه قائلاً :

( أليس لي مُلك مصــر وهذه الأنهار تجري من تحتــي أفلا تُبصــرون ) .

وأخبر النبي صل الله عليه وسلم بقيمــة نهر النيل ويبشرنا بخلوده .. فقال النبي :

( سيحان وجيحان , والفرات والنيل كلٌ من أنهار الجنة ) .

اهتمام القرآن والسُنــة النبويــة بالماء يفرض علينا جميعاً ألا نفسد نهراً من أنهار الجنــة بتلويثه أو إهماله . 

ولقد اعتني الإسلام بنعمة الماء عناية بالغة , وأمرنا بحسن استعماله , والمحافظة عليه , وعدَ ذلك واجباً شرعياً . لذا حذر الإسلام من الإسراف في استخدامه , أو تلويثه بإلقاء القاذورات فيه , أو تصريف مياه الصرف الصحي , أو مخلفات المصانع والشركات فيه , فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد , وقارعة الطريق , والظل ) , وقال النبي صل الله عليه وسلم ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه ) .

وتتجلي صور المحافظة علي الماء بوسائل شتي :

-         ترشيد استهلاكه , وعدم الإسراف , حتي وإن كان في ممارسة العبادات والطاعات :

قال تعالي ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفيــن ) . فكان وضوء النبي عبارة عن حفنة من الماء كما شدد النبي في النهي عن الإسراف في استخدام الماء واعتبره تعدياً وظلماً , فقد جاء صحابي إلي النبي صل الله عليه وسلم ليتعلم منه الوضوء فأراه ثلاثاً ثلاثاً , ثم قال ( هذا الوضوء , فمن زاد علي هذا , فقد أساء , أو تعدي , أو ظلم ) سنن ابن ماجه .

وقال النبي صل الله عليه وسلم ( إنه سيكون في هذه الأمة قومٌ يعتدون في الطهور والدعاء ) . وفي هذا إشارة من النبي أن الإسراف في استخدام الماء تعد علي حق الغير .

                                    كما جعل سبحانه وتعالي الإسراف في الماء صورة من صور الفساد وإهلاك الحرث والنسل , قال تعالي :

( وإذا تولي سعي في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) .

-        ومن صور المحافظة علي الماء الحرص علي الاستفادة منه مهما كان قليلاً فقد كان النبي يتوضأ أو يغتسل مع نسائه في إناء واحد , وفي ذلك إشارة من النبي بالحفاظ علي كل قطرة ماء فما نهدره من الماء سنُحاسب عليه أمام الله .

-        وسُنة النبي في الوضوء والغُسل .. حيث كان النبي يتوضأ بالمُد ( والمُد ملء كفي الرجل المتوسط ) , ويغتسل بالصاع ( أربعة أمداد ) الصاع خمسة أمداد . فقد كان النبي حريصاً علي الماء ولهذا كان يكفيه ذلك القدر للوضوء أو الغُسل .

-        وذات يوم يمر النبي بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو يتوضأ , فقال ( ما هذا السرف يا سعد ) , فقال : أفي الوضوء سرف ؟ قال :(نعم وإن كنت علي نهر جار ) .

-        ولقد بلغ النبي من عنايته بالماء أنه وجه رسالة إلي المسلمين بتغطية أواني الماء لحماية الماء من التلوث , فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :

( غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحُلُ سقاء ولا يفتح باباً ولا يكشف إناءٍ فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض علي إنائه عُوداً ويذكر اسم الله فليفعل فإن الفويسقة تُضرم علي أهل البيت بيتهم ). 

أوكوا السقاء أي : اربطوا فوهات أواني الماء لحمايتها من التلوث والأوبئة .

وقد اعتبر ديننا الحنيف الماء ثروة يمكن أن نتصدق بها كالمال , وأوجب علي كل الناس المحافظة عليه , فحينما أراد اليهود أن يحتكروا ماء المدينة بشراء بئر رومة قال النبي صل الله عليه وسلم : ( من يشتري بئر رومة , فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين ) . وفي رواية من يبتاع بئر رومة ؟ فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنهقال : فأتيت رسول الله فقلت : إني قد ابتعتها , يعني بئر رومة , فقال النبي : ( اجعلها سقايةً للمسلمين وأجرها لك ) . وهذا درس من النبي للموسرين في كل مصر وعصر أن يقفوا بجوار أوطانهم , وأن يتحملوا مسئولياتهم تجاه أوطانهم وأهليهم .

-        وعن فضل الماء قال رسول الله صل الله عليه وسلم :

( من حفر ماءً لم يشرب منه كبدٌ حريً من جن ولا انس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ) بل جعل الله تعالي حفر الآبار من الصدقات الجارية التي لا ينقطع ثوابها .. كما قال النبي صل الله عليه وسلم :

( سَبعٌ يجري للعبد أجرهن من بعد موته , وهو في قبره : من علم علماً , أو كري نهراً , أو حفر بئراً , أو غرس نخلاً , أو بني مسجداً , أو ورث مصحفاً , أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته) .

علينا أن ندرك أن الماء نعمة جليلة فلنرعاها , ولا نهدرها أو نلوثها بأي صورة من صور الفساد التي نهي الله عنها , قال تعالي :

( ولا تُفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) . فمن الواجب علينا جميعـــاً أن نحافظ علي نعمة الماء التي وهبها الله لمصرنا الغالية , ولنعلم أن شكر النعمة يُديمها ويزيدها ويحقق البركة فيها , كما قال تعالي :

( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ) .. فشكر النعم ليس كلاماً يُسرد ولا شعارات تُكتب وإنما أفعالٌ تٌري ويكون الشكر بالاستخدام الأمثل للنعم مع الوفاء بحقها .