رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية.. الدكتور عبدالرحيم شحاتة


قبل عامين؛ تشرفت بزيارة لمحافظة الفيوم، وبطبيعة عملي سألت عن أبرز المحافظين الذين تركوا بصمة واضحة على المحافظة، وأجمع الحاضرون من أهل الفيوم، بتنوع أعمارهم وثقافتهم على أنه الدكتور عبدالرحيم شحاتة، رغم مرور قرابة 23 عاما على رحيله عن محافظة الفيوم، التى عين محافظا لها عام 1987 وتركها فى عام 1993 ليتولى مسؤولية محافظة الجيزة.

نفس الأمر؛ لو سألت أهالى الجيزة القدامى الذين عاصروا عدة محافظين فلن تجد فى ذاكرتهم شيء يذكر إلا ما قدمه الدكتور عبدالرحيم شحاتة، خاصة من تطوير شارع الهرم وتشجير شارع فيصل، وغيرها من البصمات التى وضعها بنفسه، وما زالت شاهدة على أعماله حتى الآن، وكأن الجيزة لم يتول أمرها محافظا بعده.

أما محافظة القاهرة، فقد كنت شاهدا على أعمال الدكتور عبدالرحيم شحاتة فيها، لأنى كنت صحافيا متخصصا في تغطية شؤون العاصمة منذ توليه المسؤولية عام 2000، وحتى رحيله عنها لتولى وزارة التنمية المحلية فى 2004.

وهنا أقول شهادة حق في شخص رحل عن دنيانا، ويشهد الأرشيف الصحفي أنني أكثر من هاجم الدكتور شحاتة فى حياته، وفى عز قوتة كمحافظ، يلقى دعما كبيرا من الدولة التى وثقت به لتولي مسؤولية أهم محافظات مصر.

غير أن هجومى على بعض أعمال الدكتور عبد الرحيم شحاتة، والتي دعته للشكوى مني ومن جريدتى آنذاك (الأسبوع) في أكثر من مناسبة، لم يكن لفساد وقع به أو إهمال أو ضعف في شخصيته، لكنها متابعات لأهم وأبرز القرارات وقت أن كان لدينا مجالس محلية قوية رغم سيطرة الحزب الوطنى عليها.

لم ألقى من الدكتور شحاتة بعد كل خبر يقلقه إلا الابتسامة، وأحيانا الامتعاض، لكن لم يطلب أبدا منعى من التعامل كما فعل غيره مع زملاء آخرين، ولم يرفض طلبا بتصريح منه أو توضيح أو خبر أو حوار.

كانت ملاحظات المحافظ، التى اعتاد الدكتور عبد الرحيم شحاتة البدء بها في كل الجلسات الأسبوعية التي يرأسها، هي متعتى فى تغطية جلسات المجلس التنفيذي للعاصمة. وكانت عادة الدكتور شحاتة أنه يقوم بجولة حرة مفاجأة صباح كل جمعة لأحد أحياء القاهرة، وقد كان لي الحظ أن أشاركه بعض هذه الجولات، حيث يركب إحدى سيارات الميكروباص التابعة للمحافظة، ومعه مستشار المحافظة للمتابعة والمستشار الإعلامى فقط، ويمسك بيده أجندة وقلم ليدون كل ملاحظاته، وهى تلك الملاحظات التي يبدأ بها اجتماعه الأسبوعي.

كانت المتعة في قوة ملاحظة المحافظ واهتمامه بكل كبيرة وصغيرة فى الشوارع، كان يقود اجتماع يضم 25 رئيس حي، وهم من هم من مناصب وخبرات سابقة، وكان يضم اجتماعه أيضا وكلاء جميع الوزارات والهيئات ومساعدين ومستشارين، ورغم كل ذلك كانت ملاحظاته هي الأدق والأقوى والأصدق، وكانت آراؤه دائما هي الأصوب، حيث تحمل خبرات سنين عاشها الدكتور شحاتة بمجال الزراعة وتربية النباتات، وتدرجه فى المناصب من باحث بمركز البحوث الزراعية حتى رئاسته للمركز، وتعكس ثقافته أيضا، ودراساته العلمية التي بدأها في جامعة القاهرة، وأنهاها بالدكتوراه من جامعة بالولايات المتحدة الأمريكية.

عاصرت الدكتور عبدالرحيم شحاتة وهو يقرر منع الستائر من سيارات رؤساء الأحياء مؤكدا أن مهمتهم نظافة الشوارع ومنع المخالفات بها، فلماذا يحجبونها عنهم بالستائر. عاصرته حين قرر نقل عدد من المقابر من طريق محور الجمالية وتعرضة لهجوم بشع ومتخلف اتهموه بالتعدى على حرمة المقابر، وأصر هو على فتح المحور للصالح العام، والحفاظ على حرمة الموتى في الوقت نفسه. عاصرتع في قرارات مهمة كالحفاظ على مبنى مشيخة الأزهر القديم رغم أنه ليس أثرا، ولكنع شهد وعاصر كبار مشايخ الازهر كالشيخ المراغى وشلتوت وغيرهم.

عاصرته فى اتخاذ قرار إنشاء نفق الأزهر رغم أنه قرار مركزي تشرف عليه وزارة النقل، إلا أن المحافظة هي التي توفر كل عوامل نجاح المشروع، وإنجازه في وقته. عاصرته وهو يتغلب على فشل شركات النظافة الأجنبية وفرض سطوة الدولة عليها. عاصرته وهو يقرر اقتحام منطقة اسطبل عنتر ليستكمل أعمال الطريق الدائري، قائلا إنها هيبة الدولة التي يجب أن تستطيع دخول أي منطقة لتنفيذ مشروع قومي، وقد كان. استكمل المشروع ولم يتجنّ على سكان المنطقة، وقدم لهم كل التعويضات اللازمة.

غيرها وغيرها من القرارات المهمة، ولكن أكثر ما بقي في نفسي هو لقاء خاص، أقسم فيه أنه باع جزء من أرضه الزراعية التي ورثها عن أسرته، كى يستطيع تزويج بناته. ورأيته كثيرا خلال جولاته الميدانية يلتف حوله الغلابة، فيخرج من جيبه ويعطيهم دون أن يطلبوا، ويوصي بقضاء حوائجهم.

أردت فقط في هذه المساحة الضيقة أن أوفي رجل شريف قدم لبلدنا الكثير ونعتبره نموذجا، ونتمنى أن نرى مثله في كل محافظة وكل حى. رحم الله الدكتور عبدالرحيم شحاتة.