رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"العارف".. أسامة الأزهرى يتحدث عن والده ووالدته و"الأبلة سفينة"

جريدة الدستور

بوجه رائق وسمت أزهرى يليق به، أصبح واحدًا من الوجوه التى يعول عليها كثيرون لتجديد دماء المشيخة العتيقة، فرغم صغر سنه استطاع أن يظهر على الساحة كواحد من علماء الدين النابغين.

الدكتور أسامة الأزهرى، أحد المفكرين الواعدين فى العالم الإسلامى، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، الذى يجمع فى تكوينه ما تلقاه خلال دراسته الرسمية الأزهرية وما طلبه من العلوم الشرعية، وما سعى إليه من ملازمة ومرافقة أهل العلم من المتخصصين فى مصر والشام والمغرب واليمن.

وخلف هذا المحصول الفكرى الوافر لـ«الأزهرى» هناك تفاصيل حياتية كثيرة من الطفولة إلى الشباب إلى النضج، ترصدها «الدستور» عن العلامة الإسكندرانى الصعيدى.

سكندرى المولد صعيدى المنشأ.. حفظ القرآن بناء على رغبة أبيه.. وأمه رأته فى المنام نورًا ساطعًا
فى ١٦ يوليو ١٩٧٦، وُلد أسامة السيد محمود محمد الأزهرى، بمدينة الإسكندرية ثم انتقل مع أسرته إلى بلدة أبيه فى قرية «باصونة» مركز المراغة بمحافظة سوهاج.
يقول عن والده: «هو من أسرة صعيدية، وأهله أهل دين وأهل صلاح وتقوى، وهكذا كان هو ووالده وجده، نشأ فى سوهاج ورحل إلى الإسكندرية ليعمل ناظرًا فى التربية والتعليم، ودائمًا ما كان يدعو لى بالعلم، وهو الذى تمنى لى هذا المسار فى حياتى».
بعد عودته للصعيد، وبناءً على رغبة والده، حفظ الطفل «أسامة» القرآن الكريم، فى أحد الكتاتيب التى كانت منتشرة فى بداية الثمانينات بالقرية، وذلك على يد الشيخ محمد موسى، الذى كان كفيفًا، وأخيه الشيخ محمود موسى: «كان أبى يستخدم معى أسلوب الترهيب والترغيب، أما شيخى فكان يضربنى كثيرًا فى الكُتاب، خاصة عندما وصلت لسورة المنافقون، لأننى أخطأت فيها».
يحتفظ «أسامة» بذكريات كثيرة مع والده، لكنه لا ينسى الموقف الذى جمعهما قُبيل وفاته، عندما كان يحتضنه ويُقبِّل يديه. وطوال حياته كان أبوه يستقبله دائمًا قائلًا: «أهلًا بعالمنا الجليل»، فيرد عليه: «كله برضاك»، ويدعو له قائلًا: «ولسوف يُعطيك ربك فترضى»، كما كان يقول له، مثنيا على حسن معاملته: «أسأل الله أن يبرّك ابنك كما بريتنى».
منذ وقت مبكر من حياته، تولّد لدى «الأزهرى» شغف وولع بالقراءة والكتب، فصارت حجرته الخاصة مليئة بالكتب، وكان هذا الأمر مسار تندر أمه، التى يقول عنها إنها «أكمل مظهر للرحمة فى الوجود»، مشيرًا إلى أنها وُلدت وتربت فى سوهاج، وتنتمى لأسرة كبيرة بمركز المراغة.
يحكى بامتنان وحب عن البطن الذى حمله جنينًا ووضعه مولودًا فى هذه الدنيا: «أمى شىء فوق الكلام والألفاظ، تحمل عندى معانى كثيرة، كالصبر والرحمة والحنان والدفع والهمة، والحقيقة أنه لولا ما أحتسبه عند الله، وما أقدمه فيما أقوم به من عمل فى خدمة الأزهر الشريف وخدمة العلم والوطن، لتركت كل هذا، وأصبحت خادمًا لها أجلس عند قدميها، وإن طال العمر إلى أن يدركنى الأجل»، لافتا إلى أن الصعيد ترك فيها خصال الكرم ورفعة الشخصية والاعتماد على النفس وحب الحياة والعمل.

ويكمل: «هى نور عينى، كانت إنسانة عظيمة وصبورة ومتدينة، ربتنا على الأدب والطاعة والاحترام، وكانت تخاف بشكل دائم علىّ فى كل مراحل حياتى، وكنت أشعر تجاهها بأنها أمى وبنتى».
لا يبالغ أسامة الأزهرى عندما يقول إنه يدين لوالدته بحياته وبما هو عليه حاليا: «فى أيام كثيرة أقول فى خاطرى لعل ما أقوم به يكون هناك ثمرة تدخل السرور والفرح على والدتى. دعواتها لى لا تفارق مخيلتى، وكلما خطرت على البال أقول فى نفسى يا رب هذه السيدة الكريمة أمتك بأن شرفتنى بأن جعلتنى جزءا منها».
يعيش «أسامة» على دعوات والدته له، هى زاده فى هذه الدنيا، يحكى: «فى مرة قالت لى إنها رأت فى المنام نورا ساطعا وقالت يا ابنى كل هذا ليك إنت، فقلت لها، كل هذا من فضلك يا أمى».
ويتذكر: «فى صغرى كُنت دائمًا مُصابًا بنزيف فى فمى، وهذا كان يزيدنى قُربًا من أمى، وأحيانًا كنت أنكأ الأنف حتى أجرى لحضنها وأشعر بلذة لهفتها على».

ظل يتناول وجبة واحدة طوال 5 سنوات بسبب كرة القدم.. وزوجته من الصوفيات
الدكتور أسامة الأزهرى من أتباع الطريقة «الصديقية الشاذلية»، وأخذ العهد على يد الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، فور تأسيسه الطريقة الجديدة، كما أن زوجته هى ابنة الدكتور يسرى جبر، أحد علماء الأزهر، مقدم الطريقة فى المقطم، وهى من الداعيات الصوفيات ذوات الشأن الكبير بها.
يبذل «الأزهرى» دورًا كبيرًا لنشر فكر «الصديقية الشاذلية»، خاصة فى الأوساط الدينية والسياسية، ونجح فى دعوة الكثير من الرموز والشخصيات للانضمام للطريقة والتعرف عليها من خلال محاضراته فى مسجدى «الأشرف» بالمقطم و«فاضل» بالسادس من أكتوبر.
لكن فى بداية حياته، لم يكن لـ«الأزهرى» علاقة بالصوفية، إلا أن اختلاطه بعلماء وأتباع الطريقة العزمية الصوفية فى قريته بسوهاج، جعلته يذهب للطريقة العزمية الصوفية بالقاهرة، ويحضر محاضرات الدعاة فى التسعينيات، إذ تقابل مع الشيخ علاء أبوالعزائم، وجلس مع دعاة الطريقة وأخذ وقتها فكرة عن التصوف والصوفية، وبعد ذلك لازم الدكتور على جمعة، وأصبح ظله منذ تخرجه وحتى يومنا هذا.
على مستوى الرياضة، كان «الأزهرى» يمارس كرة القدم فى فترة ما من حياته، حتى أنه ظل لخمس سنوات كاملة لا يتناول وجبتى الغداء والعشاء فى شبابه، ليحافظ على نشاطه، خاصة فى فترة الدراسة الثانوية.
فى تلك الفترة، كان منشغلًا بالبحث عن العلماء والشيوخ بالصعيد، وكان يرى أن الاهتمام بالأكل والشرب يمنعه من التحصيل الجيد، حتى إن والدته فى بعض الوقت ظنت أنه سيمرض ويتعب ويموت منها بسبب عدم انتظامه فى الطعام.

يقول عن تلك الأيام: «لما بدأت أقرأ لعلماء، وهذا الأمر كان مبكرًا فى حياتى، فوجئت بأن الإمام النووى، رحمه الله، كان يأكل فى اليوم ويشرب مرة واحدة، وحاولت أن أقلده بأن قللت من المأكل والمشرب حتى يكون ذهنى أكثر صفاءً، فبدأت ممارسة هذه الرياضة مع نفسى، وأمى كانت قلقة جدًا، ودائما تحاول أن تصطحبنى للدكتور وأنا أرفض». ويكمل: «ظللت أضحك لشهور طويلة على القلق الذى سيطر على أمى، ولا أستطيع أن أقول لها إنه (النووى)، وأرقبها وهى تشكو لأبى من ورائى. وكان لتلك التجربة أثر ذهنى ونفسى هائل».

أستاذه فى أولى جامعة لقبه بـ«علامة الصعيد»
ثمة مواقف وذكريات طريفة من حياة الطفل أسامة الأزهرى، منها مثلا علاقته بالمُدرِّسة التى كانت ترعاه فى الحضانة: «كانت اسمها سكينة لكنى كنت أخطئ فى اسمها وأقول لوالدتى الأبلة سفينة تعاملنى بشكل لطيف، فتضحك وتقول لى اسمها سكينة مش سفينة، وأنا كنت أتحدى والدتى وأقول لها لا هى اسمها سفينة».
أيضا عندما كان والده يأخذه معه للمسجد وعندما يؤذّن للصلاة فيطلب منه أن يجلس بجوار أحد الأعمدة: «كنت أنظر إلى العمود على أنه غسالة ملابس، وكنت أعود لوالدتى أقول لها أنا ذهبت للمسجد وجلست بجوار الغسالة، فتُبادرنى إشراقة ابتسامتها مصحوبة بضمى إلى صدرها، وبعد فترة كبيرة استوعبت أن هذا عمود وليس غسالة».

أما عن حياته فى الجامعة فيتذكر: فى أولى كلية كان لنا أستاذ اسمه فؤاد يدرس لنا «المُجزأ فى نحو العربية»، وفى مرة دخل المدرج وسألنا فى أحد الأمور الفقهية وأجبت عليه بشكل جيد، فقال لى من أين أنت قلت له من الصعيد فقال لى أنت علامة الصعيد. ويضيف: «أحد أساتذتى فى أولى كلية سأل عن إعراب بيت الشعر: أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته.. ومدمنِ القرع للأبواب أن يلجا، ولم يُجبه أحد وطلبت أن أُجيب ووفقت فصفق المدرج بأكلمه وأخرج جنيهًا من جيبه وأعطاه لى».