رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لن تحتاج إلى أن «تفك» الألف جنيه!


واحدة من أكثر الشائعات التي يُعاد تدويرها وتداولها ويتكرر نفيها، طوال السنوات العشرة الماضية. وعليه، يكون من حقك أن تضرب كفًا بكف حين تجد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء يؤكد، للمرة الـ«مش عارف كام»، عدم صحة الصور المتداولة لورقتين ‏نقديتين فئة ٥٠٠ و١٠٠٠ جنيه، قيل إنهما صادرتان عن البنك ‏المركزي المصري تمهيدًا لبدء التعامل بهما في الأسواق!.

مركز المعلومات قال، في بيان، إنه تواصل مع البنك المركزي الذي نفى صحة تلك الأنباء تمامًا، وأكد أنه لم يصدر أي ‏ورقة ‏نقدية فئة ٥٠٠ جنيه أو ١٠٠٠ جنيه ولم يتم حتى مناقشة طرح ورقة مالية جديدة من هذه الفئات، مشددًا على أن صور تلك العملات ‏المتداولة على مواقع التواصل ‏الاجتماعي‏ غير صحيحة على ‏الإطلاق وليس للبنك المركزي أي علاقة بها. وأوضح أن عملية ‏إصدار أوراق النقد الجديدة تخضع لمعادلات ‏اقتصادية معقدة، ‏ومعايير أمنية دولية صارمة. ولا يعنينا تأكيد البنك المركزي على أنه لا نية على الإطلاق لإصدار ورقة ‏نقدية من فئة الـ١٠٠٠ جنيه أو الـ٥٠٠ جنيه، بقدر ما يعنينا إشارته إلى أن الدولة تدعم حاليًا التوسع في مجال التكنولوجيا المالية والمدفوعات الإلكترونية.‏

هذا فقط هو ما يعنينا من إعادة تدوير الشائعة وتكرار نفيها، ونراها فرصة أو مناسبة للتوقف عند خطط التحول إلى مجتمع أقل اعتمادًا على أوراق النقد، التي بدأ تنفيذها بالفعل، ويجري العمل منذ سنة تقريبًا للتغلب على التحديات القائمة في سبيل تحقيق هذا الهدف، الذي هو أحد أولويات استراتيجية التنمية المستدامة ٢٠٣٠. كما نراها فرصة ومناسبة أيضًا للإشارة إلى الجهود المبذولة، والأخرى المستمرة، لإنشاء منظومة متطورة للخدمات والمعاملات الرقمية والتحول إلى الاقتصاد الرقمي وفقًا للمعايير العالمية، نتوقع أن تساهم في الارتقاء بمستوى وكفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين، إضافة إلى ضمان وصول الدعم لمستحقيه والقضاء على الاقتصاد الموازي ومنع عمليات التلاعب والفساد.

الثابت هو أن قطاع الدفع الإلكتروني في مصر شهد نموًا كبيرًا، مع زيادة انتشار التليفونات المحمولة الذكيّة. كما تقول الأرقام إن المبالغ المدفوعة إلكترونيًّا عن طريق بطاقات السحب والائتمان وصلت إلى ملياري جنيه سنة ٢٠١٧، مقارنة بـ٥٠٠ مليون جنيه سنة ٢٠١٢. وقطعًا، سيختلف الوضع بوجود أدوات ووسائل أكثر مرونة وتنمية وعي المواطنين بكيفية الاستفادة من خدمات الدفع الإلكتروني بالطريقة المناسبة. وهو ما بدأ يتحقق، بشكل جدي ومطرّد، منذ فبراير ٢٠١٧، أي منذ صدور القرار الجمهوري رقم ٨٩ لسنة ٢٠١٧ بإنشاء «المجلس القومي للمدفوعات»، الذي يرأسه رئيس الجمهورية ويضم في عضويته رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، وزراء الدفاع، والتخطيط، والداخلية، والاتصالات، والعدل، والمالية، بالإضافة إلى رؤساء المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والهيئة العامة للرقابة المالية، ونائب رئيس البنك المركزي للاستقرار النقدي، ورئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري.

بين الاختصاصات والأهداف التي يسعى هذا المجلس إلى تحقيقها، خفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفي وتشجيع استخدام القنوات الالكترونية في الدفع. وتطوير نظم الدفع القومية، للحد من المخاطر المرتبطة بها، من أجل خلق نظم آمنة وذات كفاءة وفاعلية. وتحقيق الشمول المالي بهدف دمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المصرفي، وضم القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، وتخفيض تكلفة انتقال الأموال وزيادة المتحصلات الضريبية، وحماية حقوق مستخدمي نظم وخدمات الدفع، وتحقيق تنافسية سوق خدمات الدفع وتنظيم عمل الكيانات القائمة ورقابتها.

الاجتماع الأول للمجلس، المجلس القومي للمدفوعات، انعقد في ٣ يونيو ٢٠١٧، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومنذ ذلك اليوم، تم اتخاذ عدة خطوات مهمة في طريق تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد غير نقدي، بينها قرار وزير المالية بإيقاف الشيكات الورقية الحكومية، وارتفاع عدد البطاقات الصادرة عن البنوك بأنواعها المختلفة. وفي أكتوبر الماضي انعقد الاجتماع الثاني للمجلس، وفيه استعرض محافظ البنك المركزي، أمام الرئيس وأعضاء المجلس، هيكل المجلس واللجان المنبثقة عن أمانته الفنية: لجنة لتطوير المعاملات المالية غير النقدية، ولجنة للتحول الرقمي للمدفوعات والمتحصلات الحكومية، ولجنة لتطوير منظومة صرف الدعم الإلكتروني، ولجنة أمنية فنية لنظم الدفع الحكومية، ولجنة للتعديلات التشريعية.

في الاجتماع نفسه، الاجتماع الثاني للمجلس القومي للمدفوعات، قدمت وزيرة التخطيط عرضًا للتصور الذي تم إعداده لميكنة الخدمات وتبادل البيانات، موضحةً أنه روعي في جميع مراحل التصميم وتنفيذ الخدمات الحكومية التيسير على المواطنين في الحصول على الخدمات الحكومية إلكترونيًا حتى يتمكنوا من السداد والحصول على الخدمة دون التردد على الجهة الحكومية، والتوسع في عدد الخدمات الحكومية المقدمة إلكترونيًا وإلزام كافة الجهات التي تم ميكنتها بتقديم خدماتها إلكترونيًا، وإيجاد آلية وإطار قانوني للتوسع في تقديم الخدمات الحكومية، وتقليل حجم المستندات المتبادلة بين الجهات الحكومية من خلال الاعتماد على التبادل الإلكتروني للبيانات، ودراسة إلزام الجهات بوقف التعامل النقدي.

هناك بالفعل، كما أوضحنا، جهود مبذولة، وأخرى مستمرة، نتوقع أن تسهم في الارتقاء بمستوى وكفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين. وغير مبادرة البنك المركزي بإنشاء نظم بطاقات دفع ذات علامة تجارية وطنية وتمكين حامليها من استخدامها في الحصول على الخدمات المالية المختلفة لإدماجهم في النظام المالي، أصدر البنك في ٢٤ يناير الماضي، معايير موحدة لقبول المدفوعات إلكترونيًا باستخدام التليفون المحمول. وأوضح، في بيان، إن القبول الإلكتروني للمدفوعات سيكون عن طريق تقنية الـQR Code، التي تسمح للتاجر والمستهلك بتنفيذ عمليات الدفع والتحصيل الإلكتروني مقابل السلع والخدمات عن طريق مسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) الذي يعرضه التاجر بشكل ظاهر أمام عملائه، فتظهر بيانات التاجر ويقوم العميل بإدخال المبلغ المراد سداده على التليفون المحمول، ليتم الدفع مباشرة إلى حساب التاجر مع إرسال إشعار فوري لكلا الطرفين بإتمام العملية.

ما سبق كله، مجرد خطوات من أخرى كثيرة في الطريق إلى مستقبل قريب، قريب جدًا، يخلو من التعاملات النقدية. وبالتالي، لن تكون مضطرًا إلى أن تحمل أوراقًا نقدية، ولن تكون هناك أي ضرورة إلى إصدار أوراق من فئة الـ١٠٠٠ أو الـ ٥٠٠ جنيه، التي قد تكون فرحت بشكلها، حين رأيت هواة «الهبد» على الـ«كيبورد» يقومون بتداولها، مضافًا إليها تحليلاتهم اللوذعية، واستنتاجاتهم العبثية، التي لا تخلو من غرض أو من مرض!.