رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بإيدك تعمرها.. وبودنك تخربها


فى منتصف الثمانينيات عندما أرادت مافيا المخدرات فى مصر أن تخلع وزير الداخلية الأسبق اللواء أحمد رشدى، بعد أن سد أمامها كل الطرق وعطل مكاسبها الهائلة، لم تجد سلاحًا أقوى من الشائعات، فأطلقت فى العام ١٩٨٦ هذه الشائعة الشهيرة التى زعموا فيها زيادة فترة تجنيد جنود الأمن المركزى لمدة سنة إضافية، فانطلقت أحداث الأمن المركزى الشهيرة التى كانت تمردًا غير مسبوق فى تاريخ مصر.
قفزت هذه الواقعة التاريخية إلى ذهنى وأنا أتابع خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الكلية الحربية الذى صدمنا فيه بهذا الرقم المهول من الشائعات التى أطلقت لزعزعة مصر، وهز ثقة شعبها فى قيادته السياسية، واكتشفت أنا وكثيرون غيرى، أننا ما زلنا طيبين أكثر من اللازم، فمن كان يصدق إطلاق ٢١ ألف شائعة فى ثلاثة أشهر، وهو ما يعنى، بحسبة بسيطة، إطلاق ٢٣٣ شائعة فى اليوم، بمعدل ١٠ شائعات كل ساعة.
الحقائق التى نعيشها يوميا تؤكد أن هناك جهات معلومة هى التى تتولى صناعة وصياغة هذه الأكاذيب، وتحويلها إلى شائعات يتم إطلاقها فى كثير من الأحيان عن طريق السوشيال ميديا، وفى أحيان أخرى عن طريق بعض من يوصفون بالإعلاميين، لكنهم من فصيلة اللاهثين وراء الـ«ترافيك»، وهو مرض الحصول على أعلى نسبة من القراءة واللايكات والشير، وهو فخ وقعت فيه حتى مواقع «بعض» الصحف القومية مع شديد الأسف. وهذا ليس رأيى وحدى، فهناك دراسة أعدها البرلمانى أحمد بدوى، عضو لجنة الاتصالات بمجلس النواب، لرصد نسبة الشائعات، خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر ٢٠١٧ وقد أشرفت على الدراسة لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، وكان من بين الحقائق المذهلة التى كشفتها أن بعض وسائل الإعلام نقلت نسبة تصل إلى ٣٠٪ من هذه الشائعات على أنها أخبار حقيقية، دون التأكد من صحتها، مثل شائعة بيع أراضى حديقة الحيوان بالجيزة إلى عدد من المستثمرين، وكذلك حديقة حيوان المنصورة، ومثل شائعات الأرز والبيض البلاستيك.
وإذا جاءت الشائعة من موقع إخوانى أو من قناة الجزيرة أو من قنوات الخونة فى تركيا، فهذا أمر قد يبدو عاديًا، لأنه صادر عن أعداء واضحين لنا، لكن أن تسعى بعض وسائل الإعلام لترويج هذه الشائعات من باب مناقشة ما تروجه السوشيال ميديا، فهذا نوع من المشاركة فى الجريمة، سواء كان الأمر بجهالة أو بحماقة أعيت من يداويها، خاصة عندما تستدعى وسائل الإعلام أشخاصًا غير فاهمين أو ليسوا أصحاب اختصاص، فإن الأمر يتحول إلى عزف على لحن الشائعة أو إعادة توزيعه ونشره بين من لم يسمعها من مصادرها الأصلية.
كلنا يعرف من هم أعداء مصر الذين يحاربونها بالشائعات؟ وكلنا أيضًا يعرف من هم الذين يخدمونهم ويشاركونهم فى جرمهم إما بحسن أو بسوء نية، والأمر سواء فهل تقبل أسرتك عذرك إذا شاركت فى إحراق بيتك وقلت لهم إن هذا كان بحسن نية؟ وجميع هؤلاء لن يتوقفوا عن جرمهم، إلا إذا شعروا بأننا سنخوض الحرب بكل حسم تجاه مروجى الشائعات التى تستهدف ضرب استقرار مصر، وهزيمة شعبها نفسيًا ومعنويًا تنفيذًا لمخططات شيطانية نعلم جميعًا أطرافها الأصلية.
الحرب تقتضى إجراءات واستعدادات وأسلحة تردع -أو تسحق- من يقاتلوننا من دون أى رحمة، قد يكون أحد هذه الأسلحة سن قانون أو تشريع لمحاكمة مروجى الشائعات فى وسائل التعبير المختلفة، ومن أمثلتها مواقع التواصل الاجتماعى، كالذى تحدث عنه اللواء يحيى الكدوانى، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، وإن كنت -ومعى كثيرون- لن نقبل إلا بعقوبات مشددة إلى أقصى درجة، وتصنيف هذه الجريمة باعتبارها جريمة ضد الوطن، تصدر فيها أحكام مشددة دون تأخير أو إطالة لزمن الدعوى.
وقد يكون أكثر حسما إنشاء محاكم خاصة لمروجى هذه النوعية من الشائعات، سواء فى وسائل الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعى، وبما أننا أصبحنا من عشاق عبارة «صنع فى الصين» فقد سبقتنا الصين فى هذا الأمر، حيث شكلت أول محكمة لجرائم الإنترنت فى أغسطس الماضى بمدينة هانجتشو، استجابة لتزايد معدل الانتهاكات على الإنترنت، وهى الآن تخطط لتشكيل «محكمة إنترنت» فى العاصمة بكين، وهو ما جاء فى بيان صادر عن محكمة الشعب العليا، التى أكدت أنها تتجه إلى تشديد موقفها من ترويج الشائعات على الإنترنت وعمليات الغش والاحتيال التجارى، وتسريب البيانات الشخصية للمستخدمين وجرائم أخرى.
هذه الإجراءات قد تكون مجرد بداية تعقبها إجراءات أشد صرامة تجاه من يحاربون مصر بسيل من الشائعات والأكاذيب.. والمهم أن نبدأ المواجهة أو أن نبدأ صد هذه الحرب القذرة فورًا.