رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخارجون من الإخوان .. كلهم كفاءات


لأول مرة منذ تأسيسها تشهد جماعة الإخوان أفواجاً من الخارجين هرباً من قيود التنظيم وسطوة القيادات واعتراضاً على كثير من الأفكار التكفيرية المتطرفة التى تُبعد الإخوان عن الوسطية والاعتدال، كانت رحلة خروج الكثيرين من الجماعة تستند إلى أسباب متفرقة،

فكان هناك من خرج اعتراضاً على أخطاء إدارية وسياسية ودعوية، وكان هناك من خرج رفضاً للخطاب الدينى الذى تتبناه الجماعة، وكان هناك من خرج لأنه راجع أفكار الجماعة التى تبناها فوجدها أفكاراً متخلفة، فليس كل خروج مثل الآخر ، وقد اعتبرت فى كثير من كتاباتى أن الخروج من الجماعة هو بمثابة تطهير يجب أن يمارسه الجميع، وأن من سيبقى فى هذا السجن التكفيرى فقد خسر عقله وقلبه.

وقد رصد المراقبون والباحثون مسلسل الهروب الكبير وظهر للكل أن معظم الخارجين من الإخوان هم من أصحاب الكفاءات، وقد وصل عدد من ترك الجماعة فى الأعوام الأخيرة إلى عدة آلاف، وهذا الأمر لم يحدث من قبل قط ، ويبدو أن نبوءة شيخ الجماعة يوسف القرضاوى قد تحققت، فقد سبق وأن كتب فى كتابه « الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد» إن أكثر ما يخشاه على الإخوان المسلمين هى أن «تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها وأن تغلق المنافذ فى وجه التجديد والاجتهاد وأن تقف عند لون واحد من التفكير وعندئذ تتسرب الكفاءات العقلية من بين صفوف الحركة ولا يبقى إلا المحافظون المقلدون». والذى يقصده القرضاوى يمكن ترجمته للمثل البلدى القائل «ما يقعد على المداود إلا شر الـ ... »، والغريب أن الشيخ القرضاوى كان فيما قاله وكأنه يقرأ طالع الإخوان فى بلورته السحرية، فالذى تنبأ به هو الذى حدث بالفعل ولو كان هناك مخرج سينمائى جالس عند مغارة الإخوان لاستطاع حتماً تصوير مجموعات الإخوان وهى تخرج فرداً فرداً من مغارة التنظيم السرية، وكل واحد منهم قد فر هارباً وأناب .. يحمل بؤجته على كتفه وأفكاره فى رأسه.. ينجو بجلده وهو يقول «نار الحرية ولا جنة الإخوان » والحق أنه لم يكن من المستغرب أبداً تفشى ظاهرة الهروب الكبير من سجن التنظيم، فمعظم جيل الشباب من الإخوان ومن قبلهم جيل الوسط لم يتحمل ممارسات قيادات الجماعة التى تتسم بالديكتاتورية فبدأ بعضهم يصاب بإحباط مميت يجعله قابعاً فى مكانه مصاباً بالجمود والتيبس والشلل الفكرى، ولكن من الغريب أن معظم الجالسين فى ثلاجة الإخوان ليست عندهم شجاعة الإعلان عن مغادرة الجماعة عملاً بسياسة «لا بحبك ولا قادر على بعدك.

مجموعة المجمدين يجلسون حاليا على قهوة المعاشات بلا حول ولا قوة تنظيمية، يتحسرون على أيام مضت كانوا فيها ملء السمع والبصر .

وإذا أردنا أن نتحدث عن الخارجين من الإخوان فحدث ولا حرج، وإذا غض كل واحد منا طرفه وأغمض عينه عن الكبار الذين خرجوا من التنظيم فلن يستطيع الحصر والعد، وعلى سبيل المثال لا الحصر كان من الخارجين من الكبار كل من الدكتور كمال الهلباوى والدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق، والأستاذ مختار نوح، والدكتور إبراهيم الزعفرانى، والمهندس خالد داود، والمهندس حاتم الدفراوى، والمهندس هيثم خليل والأستاذ أحمد الحمراوى والأستاذ أحمد ربيع غزالى والدكتور سيد عبد الستار المليجى .

كان كل واحد من هؤلاء الخارجين أمة فى حد ذاته، وكان للجميع أفضال كثيرة على الجماعة، إذ رفعوها وقدموها للرأى العام بعد أن كانت جماعة لا تضم إلا بضع مئات الذين خرجوا من سجون الستينيات، فكانوا مثل أهل الكهف لا يعرفون شيئا عن الواقع الجديد، ولا يدركون التغييرات المجتمعية والثقافية التى حدثت فى البلاد، لذلك كان للشباب الذين دخلوا للجماعة فى السبعينيات أكبر الفضل فى الانتشار الذى حدث للإخوان فيما بعد، وإذا أردنا أن نضرب مثلا بمن هم الذين قدموا الجماعة للأمة فى ثوب جديد فأشهرهم هو المهندس خالد داود الذى كان السبب فى إنشاء تنظيم الإخوان بالإسكندرية وكان أول مسئول فى السبعينيات عن الإخوان فى محافظة الإسكندرية، وهو الذى أدخل الجماعة الإسلامية فى الإسكندرية إلى جماعة الإخوان، وقد تحدث عنه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى مذكراته حيث قال عنه «كان الأخ خالد داوود – أحد قادة الجماعة الإسلامية البارزين فى الإسكندرية- يجلس ذات مرة مع الأخ أسامة عبد العظيم وتطرق الحديث إلى الجماعة والإخوان فزل لسانه وأخبره أن قيادات الجماعة الإسلامية قد أنهت القضية وبايعت قادة الإخوان!. فوجئ أسامة بهذا الكلام، وخرج الأمر منه إلى الآخرين، فاندلعت ثورة من التساؤلات والاستنكارات، خاصة من الجناح السلفى والجناح الجهادى» وبعد عمر طويل مع الإخوان تم إبعاد هذا الرجل من كل الملفات فآثر أن يبتعد فى صمت وأعلن لقيادات الإخوان فى مكتب الإرشاد أنه الآن خارج الجماعة وأنه لن يعود للتنظيم.

وقبل خالد داود جاء دور مختار نوح المحامى الذى أدخل الإخوان إلى نقابة المحامين كآخر من خرجوا من الجماعة بشكل رسمى وكان فى بادئ الأمر قد أعلن تجميد نفسه بعد أن أبعدته الجماعة مع سبق الإصرار والترصد عن قيادة المحامين وبعد إبعاده تقدم بأكثر من تظلم ولكن لا حياة لمن تنادى وكأنه كان يؤذن فى مالطة وعندما أيقن أن إخوته ألقوه فى غيابة الجب الإخوانى أعلن تجميد عضويته وكأنه يقول بيدى لا بيد عزت أو الشاطر، ثم بعد برهة يسيرة عندما أدرك أن الشيخوخة دبت فى مفاصل الجماعة أعلن خروجه من التنظيم رسمياً ولسان حاله يقول «أنا من ضيع فى الإخوان عمره».

بعض الخارجين من الإخوان كتب تجربته وأسباب خروجه وكان من ضمن الذين كتبوا تجاربهم الدكتور السيد عبد الستار المليجى أمين عام نقابة العلميين وأحد المفكرين الكبار بالجماعة وقد كان أحد القيادات الكبيرة فى الإخوان حيث ساهم فى يوم من الأيام مع لجنة فى إدارة شئون الجماعة وقت أن كانت بعض القيادات قد هربت خارج البلاد قبل أحداث سبتمبر، وكان الدكتور المليجى هو أول من أماط اللثام عن التنظيم السرى الذى يقود الجماعة.

ومن الذين كتبوا تجربتهم الدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق والذى يجلس على بئر من أسرار الجماعة، وكذلك كتب المهندس هيثم خليل، والشاب النابه سامح فايز، وما زلنا ننتظر قراءة تجارب كثير من الخارجين، إذ لا شك أنها ستساهم بفاعلية فى معرفة حقيقة هذا التنظيم الذى أصبح هو التنظيم الحاكم فى البلاد، فباتت معرفة أفكاره وطريقته وسياساته فرض عين على كل مصرى، وباتت إماطة اللثام عن خفاياه وخباياه فرض عين على كل من خرج من الجماعة .

أما قائمة الخارجين فتطول وتتسع وتستمر، وإن تعدوا الخارجين من الإخوان فلن تحصوهم.. فها هو الدكتور حامد عبد الماجد أستاذ العلوم السياسية وعضو اللجنة السياسية بالإخوان يتركهم كاسف البال، وهشام جعفر الإعلامى البارز، والشيخ يحيى حبلوش أستاذ علوم الحديث.

هذه أسماء بعض المشاهير أصحاب الفكر والرأى أو أصحاب الكفاءة على رأى الشيخ القرضاوى، أما من لم نستطع الحديث عنهم فهم أكثر من أن تستوعبهم عدة صفحات