رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"المضحكاتى".. من مسرح الكسار إلى إفيهات "السوشيال ميديا"

اسماعيل ياسين
اسماعيل ياسين

عندما قابل ألبرت آينشتاين، تشارلى شابلن، قال آينشتاين: «إن أكثر شىء أحبه فى فنك أنه فن عالمى، يمكن لكل العالم أن يفهمك دون أن تقول كلمة واحدة»، فردّ شابلن: ‏‏«هذا صحيح.. لكن شهرتك أعظم، فكل العالم يحبك رغم أنه لا أحد يفهمك».‏

تعتمد مصداقية الحوار الذى دار بين عالم جليل وممثل نابغة على قدرة كل منهما على الوصول إلى عقلية الرجل العادى، عن طريق تمهيد دروب المعرفة وإتقان تقديم دورهما ‏بإقناع كبير بغض النظر عن طبيعة الدور أو غايته.‏

نتفق أو نختلف عن المميزات التى يجب أن يتحلى بها كل من صناع الأعمال الكوميدية ونظيرتها التراجيدية أو الأكشن والغموض، لأن من الواضح أنه ليس كل من يملك موهبة ‏الكتابة يستطيع أن يكتب نصًا كوميديًا محكم الجوانب، يتجنب فيه الإسفاف والإفيهات المكررة وخلق أجواء فكاهية، لا تعتمد على الموقف الذى يثير الضحك ولكن فقط الحوار ‏الذى يتضمن نكتة تحمل إيحاءات بذيئة.‏

من السهل أن يروى لك أحدهم حكاية حزينة تتضمن عدة مآسٍ، ولكن من الصعب أن يجعلك شخص آخر تضحك. فى الواقع، يتوقف رد فعل المتلقى طبقًا لحبكة الحكاية ‏الكوميدية وقدرة الممثل الذى يؤدى دور البطل.‏


هذه الفكرة تدفعنا إلى تذكر عدة أفلام كوميدية علِقت أحداثها بأذهاننا والتصقت النكات والإفيهات فيها بذاكرتنا، حتى إننا نرددها إلى وقتنا هذا، ونقارنها بأفلام أخرى مرّت على الشاشة مرور الكرام، حتى ‏إننا لا نتذكر تحديدًا القصة الرئيسية التى يدور حولها الفيلم.‏
فى البدء كانت الكوميديا.. ويبدو ذلك واضحًا من خلال العروض السينمائية الأولى فى أوائل القرن العشرين، إذ كانت السينما صامتة ومضحكة فى ذات الوقت. ومع تطور تقنيات الصناعة ظهرت ‏موهبة نبغاء الكوميديا على شريط الصوت السينمائى وانقسموا إلى عدة مدارس كوميدية، تلك التى تتميز بخصائص تفرقها عن نظائرها.‏
وفّرت ثلاثينيات القرن الماضى مجالًا خصبًا وواسعًا لإقحام الكوميديا فى الأعمال السينمائية، وانتقال بعض ممثلى المسرح وأصحاب الفرق المسرحية لتقديم أعمال سينمائية، فكان على الكسار من هؤلاء ‏الذين دخلوا عالم الشاشة الساحرة عن طريق فيلم «بواب العمارة» عام ١٩٣٥.‏
تُصنَّف مدرسة كوميديا الكسار حرفيًا بكوميديا الموقف ذى البناء الدرامى الكوميدى الذى يثير الضحك دون الشعور أنه مشهد كوميدى مفتعل، والذى تم الترتيب له كى يصل إلى نقطة أرادها الصناع ‏لإضحاك المتلقى.‏
بالمثل كانت مدرسة نجيب الريحانى، الكوميديا السوداء التى تثير الضحك من خلال متابعة موقف بائس يحدث لشخص سيئ الحظ يعلن عن هذا البؤس بضحكة ساخرة اشتهر بها فى جميع أعماله، من ‏أفلام «سلامة فى خير» ١٩٣٧ إلى «سى عمر» ١٩٤١، و«لعبة الست» و«غزل البنات».‏
اختلفت مدرستا الكوميديا بظهور إسماعيل ياسين، الذى من الممكن أن يلَّقب تشارلى شابلن المصرى، إذ يتشابه العبقريان فى ظروف نشأتهما وطفولتهما غير المستقرة التى أسفرت عن نجاح تاريخى.‏
ياسين الذى بدأ حياته الفنية مطربًا عاطفيًا! ثم مؤدى مونولوجات ضاحكة، ومن ثم انطلق إلى عالم السينما الكوميدية، إذ جذب جمهوره بأدائه الحركى، ملوحًا بذراعيه فى الهواء مع مط شفتيه الكبيرتين ‏اللتين تعدان أحد الأسباب المهمة لتميزه.‏
استخدم ياسين كوميديا البطل الأحمق الذى يواجه المصاعب التى يجلبها سوء فهمه وقلة إدراكه، وصنع مجدًا لا يُضاهَى، بعد أن قدم أفلامًا تحمل اسمه كأول ممثل يطلق عناوين أفلامه باسمه مثل ‏‏«إسماعيل ياسين فى الجيش» أو «.. فى مستشفى المجانين»، إلى آخر سلسلة أفلامه المهمة.‏
وفى مرحلة جديدة بأفكار حداثية، نواجه واحدة من أهم وأشهر مدارس الكوميديا وهى مدرسة «الأستاذ» فؤاد المهندس، الذى قدم كوميديا جديدة على جمهور السينما المصرية والعربية، وهى «المحاكاة ‏الساخرة ‏Parody‏»، حيث سخر من هوليوود، ومن أفلام الغرب الأمريكى ورُعاة البقر والجاسوسية وجيمس بوند، فى فيلمى «أخطر رجل فى العالم» ١٩٦٧، و«فيفا ظلاطا» ١٩٧٦.‏
ويعد فيلم «مطاردة غرامية» من أشهر أفلام المهندس وأقربها إلى قلوب وذاكرة الجماهير العربية، يرجع ذلك إلى التقاء اثنتين من أهم المدارس الكوميدية فى ذلك الوقت، هما مدرستا «الأستاذ» ‏و«المادبوليزم»، نسبة إلى عبدالمنعم مدبولى، مؤسس الأداء الارتجالى والهادف فى الكوميديا، أو قل الضحك الراقى، الذى تربى على يده يونس شلبى وسعيد صالح وأحمد زكى وعادل إمام قبل أن يتفرق ‏التلامذة ويصنعون مدارسهم الخاصة التى اختلفت كثيرًا عن أساتذتهم الذين نشأوا بدورهم فى مسرح جورج أبيض ونجيب الريحانى وعلى الكسار.‏
قدم عادل إمام فى نفس جيل سمير غانم مجموعة من الأفلام تصنَّف تحت اسم الأفلام الهزلية «‏Farce‏»، مثل أفلام «ممنوع فى ليلة الدخلة» ١٩٧٥، «٢٤ ساعة حب» ١٩٧٤، «البعض يذهب إلى ‏المأذون مرتين» و«مغامرون حول العالم» ١٩٧٨، وغيرها من أفلام اتسمت بالهزل وافتقاد المنطق وعدم الجدية فى الحدث، ولكنها فقط كانت للضحك من أجل الضحك.‏
افترقا الشريكان، «عادل وسمير» واتخذ كل منهما طريقه، فاتجه عادل إمام إلى نظرية التنوع وعدم انتهاج شخصية واحدة بعينها، إذ تبدو كوميديا أعماله بسيطة وقريبة من قلب المتلقى وذلك لواقعيتها ‏ونبشها فى الآراء السياسية دون إعلان صريح، كما فى أفلام «المنسى» ١٩٩٣، «طيور الظلام» ١٩٩٥.‏
ولم يتخل إمام عن اعتماده على الكوميديا المرتبة مسبقًا لإطلاق الضحكات فى نهاية المشهد أو عن الإفيهات المستندة على الإيحاءات الجنسية، كما فى معظم أفلامه.‏
تواجه السينما المصرية منذ سنوات أزمة فى جودة الكوميديا المقدمة، بعد أن انتعشت بأفلام أحمد حلمى منذ فيلم «الناظر صلاح الدين» عام ٢٠٠٠ للراحل الرائع علاء ولى الدين، والذى شاركه فيها ‏محمد سعد فى أول ظهور لشخصية «اللمبى»، ثم التقيا - حلمى وسعد- فى فيلم «٥٥ إسعاف» عام ٢٠٠١، ومن بعده كالعادة اتجه كل من الشريكين إلى تكوين مدرسة منفصلة، فكان لحلمى كوميديا نفسية ‏فى أفلام «آسف على الإزعاج» ٢٠٠٨ و«ألف مبروك» ٢٠٠٩، فى حين بقى محمد سعد فى تقمص شخصياته الهزلية من «اللمبى وكتكوت وبوحة وكركر» رغم تراجع أسهمه بعد عرض الأخير فى ‏‏٢٠٠٧.‏
إلى هذه النقطة لم تقابل السينما المصرية الكوميديانات الجدد أو قُل المضحكين الفكاهيين، من أمثال شباب السبكى وما أخرجه مسرح أشرف عبدالباقى من ممثلى الإفيهات المستهلكة والمنقولة من الشباب ‏المصرى الذين يمزحون بها مع أصدقائهم على المقاهى، أو يكتبونها على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى.‏