رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فضيحة «إخوان إسرائيل - جيت»


هل يصدق أحد أن هتافات إيران ضد إسرائيل وأمريكا كانت خادعة؟! إيران الثورة الإسلامية، إيران الشيعية، إيران التى تتظاهر ضد إسرائيل، كانت ترمى نفسها فى الخفاء فى أحضان أمريكا وإسرائيل، ولكن الله شاء أن تنكشف هذه العلاقة المحظورة.

فى عالم السياسة- وفى العوالم الأخرى أيضاً - لا تنخدع بالظاهر، لكن تمهل وانظر واستبصر وحلل واجمع المعلومات ما استطعت، وقتها ستعرف أن الظاهر ليس هو الحقيقة دائماً، وكم خدعت المظاهر البراقة عيون وعقول الدهاة، ولكنها لابد أن تنكشف يوماً ما، فالظاهر الخادع يعيش دهراً ثم يتبدد بدداً فتنكشف الحقائق من خلف دخانه.

سمعنا لسنوات طويلة، ورأينا أيضاً، مظاهرات إخوانية تخرج بهتافات صاخبة حماسية: «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود» و «يا أقصانا لا تهتم راح نفديك بالروح والدم» «وعاش شباب الإخوان المغيب الذى شوهوا عقله ومشاعره وهو غاضب وحانق على هذه الأنظمة الكفرية التى لا تحب الإسلام ولا تهتم بفلسطين ولا تحفل بالمسجد الأقصى، وحين كان غضب هؤلاء الشباب يشتد يزداد حنقهم على هذا النظام المهادن لإسرائيل والذى يسير طوعاً لأمريكا فلا يفتح باب الجهاد، وحين قام شاب إسرائيلى إرهابى متعصب بقتل عدد من المصلين فى المسجد الإبراهيمى بالقدس عند صلاة الفجر عام 1994 خرجت مظاهرات الإخوان فى كل مكان وهى تصب جام غضبها على مبارك العميل الذى لا يسمح لهم بالجهاد والدفاع عن أولى القبلتين، حينها كنت فى الإخوان وكنت أشاهد شباباً يبكون وفى ذات الوقت يلتمسون العذر لقيادات الجماعة التى لا تستطيع أن تفعل شيئاً لفلسطين والأقصى إلا جمع التبرعات.

وراحت الأيام وجاءت الأيام، وأصبح الإخوان حكاماً ونظاماً ورئيساً، ويقف مرسى بعد مائة يوم ليتحدث فى استاد القاهرة عن إنجازاته، وأخذ يتحدث عن مصر أخرى غير التى نعرفها، مصر التى فى خاطره هو، لا فى واقعنا نحن، مصر التى تعيش حتماً على كوكب آخر غير كوكب الأرض، وكان من البلاهة أن يصدق هو أو جماعته أن هناك إنجازات فعلاً، ولكننى شاهدت شباباً من الإخوان يتحدثون عن إنجازات خيالية وكأنها حدثت، فأيقنت أن هناك من أصابهم بالبارانويا والهلاوس السمعية والبصرية، وهو مرض معروف فى الأوساط الطبية النفسية، وفى ذات اليوم الذى كان فيه مرسيهم الغريب العجيب صاحب القدرات العقلية العجيبة يتحدث متفاخراً بإنجازات وهمية كانت إسرائيل تنتهك المسجد الأقصى، فإذا الأقصى الذى كانوا يبكون من أجله غائب عن قلوبهم ومشاعرهم، لم يقف أحدهم صارخاً أو هاتفاً، كلٌ نسوه ولم يعودوا يذكرونه فى الحياة، والكون يدفن فى ظلال الحكم حتى المقدسات، وفاتهم أن يطالبوا مرسيهم بفتح باب الجهاد .

وتوالت الأحداث، ويكتب مرسيهم رسالة حب مفعمة بالمشاعر لصديقه الحميم شيمون بيريز فلا يستنكر أحد من شبابهم المغيب هذا الفعل القبيح ويلتمس الأعذار لمن قدم فروض الطاعة والصداقة لإسرائيل، بل إن البعض اعتبرها حنكة سياسية، بمعنى أنها كانت حين تصدر من مبارك كانوا يعدونها خيانة وإذ تصدر من مرسيهم فهى الذكاء والألمعية، هكذا هى العقول الممسوخة تصدق كل ما يقال لها ولا تعمل عقلها لأنها فقدته من الأصل . وتمر الأحداث تلو الأحداث، ويتتابع سقوطهم يوماً وراء الآخر، ويفرطون فى أمن مصر القومى بإذاعة الحوار الكارثى على الهواء فى حين أنهم كانوا يتحاورون فى شئون الأمن القومى، ومع ذلك لا يطرف لهم رمش، كأنهم كانوا يذيعون مباراة كرة قدم، ويفرط مرسيهم فى أمن مصر حينما سمح كما قالت الصحف الإثيوبية ببناء سد النهضة، وآية ذلك أنه لما عاد «بخفى العم حنين» من إثيوبيا قال قبل أن تكون هناك تقارير علمية : «سد إثيوبيا لن يؤثر على حصة مصر من المياه والدنيا ستمطر » وكأنه يقلد سعاد حسنى وهى «تغنى الجو بديع - وليس محمد بديع- قفل لى على كل المواضيع».

ومع ذلك وفى كل المواقف تجد الشباب الغر الذى شوهوه ومسخوه يعيش فى عالم التبريرات ويظن أنه يعيش فى حالة مقدسة للدفاع عن الإسلام ضد أعداء الإسلام، هؤلاء الشباب لا يعرفون أن الجماعة ستلقى بهم فى الشارع فى الأحداث القادمة وستضحى بهم، وهم يعيشون فى وهم «إسلامية إسلامية» وجماعتهم لا تعرف من الإسلام إلا التجارة به فقط، ومع ذلك فأنا واثق تمام الثقة أن هؤلاء الشباب سيتمادون فى الوهم والخيال وسيظنون أنهم يقفون على ثغر من ثغور الإسلام، وذات يوم سيحكى التاريخ عن جماعة باعت الوهم لمجموعات ساذجة من الشباب، ولرجال بلداء من أغمار الناس لا قيمة لهم ولا وزن . وللمقاربة الغريبة فإننا حين جاءت حقبة الثمانينيات كنا نسمع ونرى أفواجاً من الحجيج الإيرانى وهم يتظاهرون فى موسم الحج وعند الكعبة الشريفة ضد أمريكا وإسرائيل، وبقدر ما تعجبنا من مظاهرة سياسية تنطلق فى موسم الحج وعند الحرم، بقدر ما أكبرنا موقف هؤلاء الشيعة الذين يناصبون أمريكا وإسرائيل العداء، إيران هى العدو الأكبر لأمريكا شيطان العالم الرجيم، ولكن الشيطان كان يمد يده فى الخفاء لإيران يداعبها فتستنيم له ويلهج لسانها بالتسبيح له، ولم لا وهو الذى يمدها بالسلاح فى حربها ضد العراق، ومن عجب أن العالم استيقظ ذات يوم ليرى تلك المظاهرات الإيرانية التى تهاجم أمريكا وإسرائيل، ثم انكشف له فى ذات الوقت أن سيلاً من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران.

ففى عام 1985، وأثناء الولاية الثانية للرئيس الأمريكى الممثل الكاوبوى راعى البقر رونالد ريجان، كانت أمريكا تسير فى خطوات ثابتة نحو القضاء على أسطورة الاتحاد السوفيتى والمد الشيوعى، وكان حكم ميخائيل جورباتشوف للاتحاد السوفيتى يحث الخطى هو الآخر نحو القضاء على الاتحاد السوفيتى الذى كان قد أصبح هشاً خاوياً، ولابد أن العمليات المخابراتية التى قام بها فريق العمل الذى يترأسه السيد «ويليام جى كيسى» مدير المخابرات الأمريكية كان له الدور الأكبر فيما تحقق بعد ذلك من انهيار للاتحاد السوفيتى وتفككها.

وقتئذ تم تنفيذ خطة أطلقوا عليها «إيران - كونترا» والتى أصبحت فيما بعد فضيحة كبرى أطلق عليها الإعلام العالمى «إيران كونترا جيت» تشبيهاً لها بفضيحة «ووترجيت» التى أطاحت بنيكسون من قبل من حكم أمريكا، كانت هذه الخطة - الفضيحة- عبارة عن مخطط سرى يستهدف بيع أسلحة أمريكية لإيران التى تتظاهر ضد أمريكا وتغضب من إسرائيل، وتصب جام غضبها على الرعاية الأمريكية لإسرائيل خاصة رعاية التسليح، هل يصدق هذا أحد، القط سيعقد صلحاً مع الفأر ويقوم بتزويده بالأسلحة ليفرض سطوته على المنطقة كلها ويؤازره فى حربه التى كانت تشحذ أسنتها ضد العراق، أما الهدف الاستراتيجى الظاهر لبيع الأسلحة لإيران هو أن يستخدم ناتج البيع فى تمويل حركات «الكونترا» المحاربة للنظام الشيوعى فى نيكاراجوا.

هل يصدق أحد أن هتافات إيران ضد إسرائيل وأمريكا كانت خادعة؟! إيران الثورة الإسلامية، إيران الشيعية، إيران التى تتظاهر ضد إسرائيل، كانت ترمى نفسها فى الخفاء فى أحضان أمريكا وإسرائيل، ولكن الله شاء أن تنكشف هذه العلاقة المحظورة، لتظهر بعد ذلك جماعة الإخوان الحالمة فى الحكم وهى تتظاهر ضد إسرائيل وتهتف ضدها، ويقف قادتها ليهتفوا «على القدس رايحيين شهداء بالملايين» ولكن خطواته كانت مفضوحة وشعراتها لم تخف علاقاتها المحظورة بأمريكا وإسرائيل، فالكل يعرف أن الجماعة عقدت صلات قوية مع أمريكا وإسرائيل، ووصلت للحكم عن طريق أمريكا ومن خلال تعهدها بالحفاظ على مصالح إسرائيل، ثم شاء الله أن تنكشف جماعة الإخوان وينزل الستار على المسرحية التى كانت تقودها ضد إسرائيل، كانت مجرد حرب كلامية ومسرحية خادعة . فى دولة الإخوان سقط الحياء كما سقط من قبل فى دولة إيران الشيعية الإسلامية، سقط الحياء تحت شعار إخوانى قديم هو «لا حياء فى الدين ولا فى العلم ولا فى السياسة».

■ قيادى سابق بجماعة الإخوان المسلمين