رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: فى انتظار "معجزة" رانيا المشاط

محمد فودة
محمد فودة

كنت ومازلت فى طليعة من استبشروا خيرًا بتولى رانيا المشاط حقيبة وزارة السياحة فى يناير الماضى، وكنت على يقين آنذاك من أننا وبكل تأكيد مقبلون على مرحلة جديدة ومختلفة تمامًا فى مجال السياحة، بل كنت أتوقع نقلة نوعية لهذا القطاع الحيوى المهم على يديها.

توقعت أن تكون تلك النقلة على كل المستويات المتعلقة بمجال السياحة وبما يليق ومكانة مصر السياحية وسمعتها المعروفة على مستوى العالم باعتبارها البلد الوحيد الذى يمتلك ثلث آثار العالم، وهو أمر ليس جديدًا علينا بل يعلمه القاصى والدانى، ليس فى مجال الآثار والحضارة القديمة وحسب، بل إننا نمتلك الكثير من المقومات الأخرى الجاذبة للسياحة، فى مقدمتها بالطبع السياحة العلاجية وسياحة السفارى والغوص، وهى مقومات سياحية خصبة.

بعد مرور فترة تجاوزت ٦ أشهر على تولى الوزيرة، لم نر شيئًا ملموسًا يدفعنا أن نقول إن الدكتورة رانيا المشاط استطاعت بالفعل تحقيق إنجاز فى قطاع السياحة بما يتناسب وحجم الإنجازات الكبيرة التى حققها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مختلف المجالات على أرض مصر، لخلق منظومة متكاملة من أجل تحقيق تنمية مستدامة، وهو ما يدعو إلى الحيرة.

كيف لا تكون السياحة مواكبة لهذه الطفرة غير المسبوقة التى تحققت فى المجالات الأخرى؟، وكيف تتراجع السياحة بهذا الشكل الكبير والمؤسف الذى يدعو إلى الرثاء وهى التى كانت فى مقدمة مصادر دخلنا القومى بعد قناة السويس؟.

صحيح أن السياحة منذ ثورة ٢٥ يناير تعانى الكثير من المشكلات، ولكن ذلك ليس مبررا لكل هذا التراجع الذى أصبحت عليه الآن، والذى تتسع دائرته بشكل مفزع ومخيف فى ظل وجود تكتلات يقف وراءها أصحاب المصالح الذين نراهم دائما وراء عرقلة أى خطوة قد تأتى بنتائج إيجابية حتى ولو كان ذلك على المدى البعيد.

وبينما أكتب الآن حول هذا الوضع الذى لا يليق بمكانة مصر السياحية على المستوى الدولى، فإننى لا أتعامل مع الأمر من منظور شخصى، لأنى أكن للوزيرة كل تقدير واحترام، لكنى أكتب من منطلق غيرتى الشديدة على هذا القطاع وإحساسى بالحزن والأسى والأسف على ما وصل إليه حال السياحة الذى أصبح لا يسر أحدًا، رغم كل تلك الملايين التى تم إنفاقها للترويج للمقاصد السياحية خلال فترة إقامة المونديال فى روسيا.

وها هو المونديال أوشك على الانتهاء ولم نر شيئًا ملموسًا يتمثل فى أى تعاقدات جديدة لوفود سياحية قادمة إلى مصر، وكأن تلك الملايين قد ذهبت أدراج الرياح، وهو فى تقديرى ما لا يجب أن يمر مرور الكرام، فلا بد من وقفة حاسمة لمحاسبة كل من تسبب فى إهدار كل هذا المال العام دون أن نجنى أى عائد من ورائه.

كتبت من قبل مشيدًا باختيار رانيا المشاط وزيرة للسياحة، وقلت وقتها إن كل تلك الحفاوة التى استقبلتها بها وسائل الإعلام لم تدهشنى ولم أتعجب لها لأننى كنت على قناعة تامة بأن ما قيل عنها لم يكن سوى جزء ضئيل جدًا مما تستحقه.

الوزيرة وإن كانت قادمة من مجال المال والاقتصاد باعتبارها خبيرة تجيد التعامل مع مفردات البنك الدولى، إلا أنها تمتلك الكثير من الرؤى والأفكار والاستراتيجيات المتعلقة بمجال السياحة ما يؤهلها ويدفعها بقوة لأن تصنع نقلة نوعية وتحقق طفرة فى هذا القطاع الحيوى والمهم الذى للأسف الشديد كاد يحتضر نتيجة سياسات خاطئة وقرارات غير مدروسة وتصرفات إدارية بعيدة كل البعد عن «المنطق».

أرى قطاع السياحة الآن وقد أصبح ممزقًا ومهلهلًا، لسبب بسيط هو تعدد الجهات التى تدير السياحة وتتعامل معها بشكل فردى وكأنها جزر منعزلة، وهو ما انعكس سلبًا وبشكل لافت للنظر على القطاع، فكانت النتيجة الحتمية للتشرذم هى التردى الذى نلمسه الآن وكأن المشكلة أصبحت مستعصية على الحل.

فى الفترة الماضية تفاءلت كثيرًا بالخطوة التى اتخذتها الوزيرة لتشكيل لجنة استشارية تتولى إعداد خطة عمل للقطاع السياحى عقب توليها حقيبة الوزارة.
وكان من بين أهداف هذه اللجنة وضع خطط تسويقية للترويج للمدن السياحية من أجل تحسين الصورة الذهنية لمصر بالخارج، ليس هذا فقط بل إعادة النظر أيضًا فى ملف التنمية البشرية للعاملين بالقطاع.
كان هذا الأمر يشير وبقوة إلى الاتجاه نحو عودة دور القطاع الخاص لما كان عليه سابقا وإشراكه فى صنع القرار السياحى من أجل تحقيق أكبر عائد اقتصادى، خاصة أن الوزيرة كانت قد وعدت المستثمرين بحل مشكلة المستحقات المتأخرة لمنظمى الرحلات بالخارج، للحفاظ على سمعة مصر، كما أبدت تفهمها لطبيعة تداعيات الأزمة التى تواجه المستثمرين بسبب عدم سداد مستحقات شركائهم بالخارج‪.‬
جعلنى هذا على قناعة تامة بأن رانيا المشاط تملك فرصة ذهبية لفك رموز ملفات عديدة، فى مقدمتها ملف التسويق وعمل المكاتب الخارجية التابعة لهيئة تنشيط السياحة، وهو أمر كنت أراه طبيعيًا وليس صعبًا عليها، لسبب بسيط يتمثل فى عملها من قبل بالخارج ووجودها فى مؤسسات دولية، مع صقل تجربتها بالخبرة الاقتصادية، التى من شأنها أن تنهض بالقطاع السياحى.

وفى ظل تفاقم الأزمة السياحية، أصبح لزامًا علينا أن نستخدم طرقا جديدة للترويج، مع السعى لإعادة السياحة العربية التى هاجرت إلى أوروبا بعد أن كانت مصر هى المقصد الأول لها، وفى الوقت نفسه علينا دعوة سياح وإعلاميين من كل الدول التى تعتبر مصر مقصدا لمواطنيها، مع تحمل تكاليف سفرهم وإقامتهم ليكونوا سفراء حقيقيين للترويج السياحى لمصر فى الدول المختلفة.
السياحة كما هو معروف تحولت إلى صناعة لها مقوماتها التى تعتمد عليها، لأنها تسهم بنسبة كبيرة فى اقتصاديات العديد من الدول، وهناك الكثير من الدول بنت اقتصادها من عوائدها، مثل إسبانيا، فضلًا عن ذلك، فهذا القطاع يوفر الكثير من فرص العمل للمواطنين، وهو ما ينعكس بشكل لافت على خطط التنمية المباشرة وغير المباشرة.

كما تشكّل السياحة مصدرًا مهمًا للدخل القومى وأحد المصادر المهمة للعملة الصعبة، وهى عندما تفعل ذلك تسهم بدرجة كبيرة فى تنمية العديد من القطاعات الأخرى.
فمع ازدياد الطلب السياحى تزداد قدرة هذه الصناعة على دعم وتنمية العديد من الصناعات الثانوية والجانبية فى معظم القطاعات.
كما يجب علينا إعادة النظر فى الدور المنوط بهيئة تنشيط السياحة المصرية، حتى تقوم به كاملا فى الترويج السياحى لمصر، فهذه الهيئة تحتاج لوضع استراتيجية جديدة فى عملها، لأنها وللأسف الشديد لم تعد تشترك فى المعارض السياحية العالمية، كما كان يحدث من قبل، بل أصبحت وأصبحنا جميعا نكتفى بالاشتراك فى المعارض التقليدية مثل معرض برلين.

كما أصبحنا نكتفى بمنح تسهيلات للعارضين السياحيين المصريين، وأصحاب الحرف والمنتجات اليدوية الفلكلورية والتراثية الجذابة، دون أن يكون ذلك ضمن استراتيجية واضحة للتسويق.

وهنا أتساءل: «لماذا لا يتم مثلًا توجيه دعوات للنجوم الأجانب من أصول مصرية لزيارة مصر؟»، فهؤلاء وبكل تأكيد لديهم حنين لبلدهم، وهذه النوعية من السياحة يطلق عليها اسم سياحة الجذور، وهى ليست جديدة بل تمت تجربتها بالفعل فى الخارج ونجحت وحققت مردودا لعدد كبير من الدول.
الذى يدعو للحيرة والتعجب، هو وجود كل هذا الشو الإعلامى الذى يحيط بالوزيرة، وكثافة التغطية لأنشطة لا وجود لها أو مردود على أرض الواقع، رغم عدم وجود إنجازات تذكر، لأننا لو أنجزنا جزءا قليلا مما قيل، لأصبحنا فى صدارة هذا المجال دون منافس.
لكل ما سبق، أرى أن النهوض بالسياحة المصرية أصبح مسألة ضرورية لا يختلف عليها اثنان، باعتبارها صناعة، لها أدواتها التى تميزها، لأننا نملك المادة الخام لهذه الصناعة، وتتمثل فى أرض مصر نفسها.
كما أرى ضرورة امتلاك تشريعات جديدة تستهدف فى المقام الأول إعادة الاعتبار للسياحة المصرية بعد هذه الأزمات الكثيرة والمتعاقبة التى مررنا بها، وتأثر بها القطاع كثيرًا خلال السنوات الماضية، بعدما هبط عائدنا من السياحة إلى أقل من نصف إيراداتها.
صحيح أننا منذ يناير ٢٠١١ نعانى من الإرهاب، لكن الإرهاب حاليا أصبح فى كل العالم، ونشاهده فى باريس والسويد وأمريكا، وغيرها، كما أن مصر الآن أصبحت تتمتع بنوع من الاستقرار، رغم أننا ما زلنا مستهدفين من الجماعات الإرهابية ومن يساندها فى الداخل والخارج.
خلاصة القول، إننى رغم رصد تلك الحالة المتردية التى أصبح عليها قطاع السياحة، إلا أننى ما زلت أرى أن اختيار رانيا المشاط وزيرة للسياحة يعيد إلى الأذهان فترة ازدهار الوزارة فى عهد فؤاد سلطان وزير السياحة الأسبق، الذى كان مصرفيا واقتصاديا، وجاء من خارج القطاع، لكنه استطاع وضع استراتيجية لتنمية السياحة، ونجح فى إدارتها بشكل لافت للنظر، الأمر الذى يجعلنى أتوقف قليلًا أمام السيرة الذاتية لرانيا المشاط لإزاحة الستار عن الجانب المضىء فى مسيرتها العملية.
شغلت وزيرة السياحة من قبل منصب وكيل محافظ البنك المركزى للسياسة النقدية، كما لعبت دورًا مهمًا فى تحديث السياسة النقدية لمصر، عن طريق تحليلها وتقييمها وإعداد النماذج الخاصة بها، وهو ما دفع المنتدى الاقتصادى العالمى لاختيارها مستشارا اقتصاديا لصندوق النقد الدولى، ضمن قائمة الخبراء الدوليين الذين يتولون تشكيل وصياغة الأجندة الاقتصادية له.
كما عملت المشاط بعدها كاقتصادى أول فى صندوق النقد الدولى بواشنطن، قبل انضمامها للبنك المركزى، وهى حاصلة على الماجستير والدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة ميريلاند الأمريكية، وتولت من قبل تنسيق العلاقات بين المركزى المصرى ومؤسسات التقييم والتصنيف الائتمانى الدولية.
وكانت أيضا ضمن فريق التفاوض على برنامج الإصلاح المالى والاقتصادى بين عامى ٢٠١١ – ٢٠١٣، وشغلت عدة مناصب مهمة، منها عضو لجنة المراجعة بمجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة وعضو لجنتى العضوية والمراجعة فى البورصة المصرية، وعضو لجنتى المخاطر والاستثمار بالمصرف العربى الدولى، والجمعية الاقتصادية للشرق الأوسط.
كل هذه الخبرات تؤهلها لعمل الكثير، وهو ما ننتظره منها، رغم غياب الإنجازات فى الفترة الماضية.