رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا ينتحر المصريون؟.. اعترافات الناجين من الموت داخل المركز القومى للسموم

جريدة الدستور

بين اليأس والأمل صراعٌ لا ينتهى، سوى بانتصار أحدهما واستسلام الآخر.. فإن كان يأسًا فموت، وإن كان أملًا فحياة.
هذا ما جسدته واقعة انتحار فتاة أسفل عجلات مترو الأنفاق قبل أيام، لكن ماذا لو فشل أحدهم فى الانتحار؟، هل يعيد المحاولة؟، أم يفرح بمنحه فرصة ثانية فى الحياة؟، وما طبيعة الإنسان الذى يقرر إنهاء حياته بنفسه؟
هذه أهم الأسئلة التى نحاول الإجابة عنها فى السطور التالية.
«الدستور» انتقلت إلى إحدى وجهات الناجين من محاولات الانتحار، «المركز القومى للسموم»، القابع فى مستشفى قصر العينى، وهناك اكتشفت أن أغلب محاولات التخلص من الحياة فى مجتمعنا تصدر عن السيدات والمراهقين، على عكس النسب العالمية التى توضح ارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال، كما استمعت لبعض قصص المرضى والأطباء، وناقشت المختصين فى علاج الحالات التى تأتيهم وهُم بين الحياة والموت.

حسام لوالدته:«لو مابطلتيش تعايرينى بأنى عاطل.. هاموّت نفسى»
فى الطابق الثالث من مبنى المركز القومى لعلاج السموم، يحتجز «حسام» ابن الـ٢٢ عامًا داخل وحدة الرعاية المركزة، للعلاج من محاولة انتحاره بعد تناوله «سم الفئران». وبالاقتراب أكثر من حياته، تبين أنه شاب عاطل، تقول عنه والدته التى يكسو الألم ملامح وجهها وشوه قلبها الأسى والقهر: «حسام تخرج فى كلية الآداب، وسبق أن حاول الانتحار بسبب مشاجرة معى، حول ضرورة بحثه عن عمل، ومطالبته بالإقلاع عن التدخين، حتى يكوّن مستقبله». وتضيف: «يوم الواقعة، حوالى الساعة ٤ عصرًا، حدثت بيننا مشاجرة كلامية، دخل على إثرها حجرته لمدة نصف الساعة، وعندما دخلت عليه وجدت حالته سيئة للغاية، ويتفوه بألفاظ غريبة، وهددنى بأننى إذا استمررت فى معاملتى السيئة له سينتحر كما حاول من قبل».
وتابعت: «تركته وخرجت من غرفته، وبعد دقائق وجدته يلقى بعض الأكياس فى صندوق القمامة، وبفحصها تبين أنها (سم فئران)، فاستنجدت بالجيران وأحضرناه إلى المركز.. ربنا يسامحه ويشفيه».

عبير.. ضحية الخيانة تفشل فى قتل نفسها مرتين
الحالة الثانية كانت «عبير» التى اعتقدت أن لديها كل الدوافع المنطقية للتخلص من حياتها، رغم أنها عملت مدرسة، وربطتها علاقة عاطفية بأحد جيرانها، وبعد فترة تزوجا، إلا أنهما عانيا من ضيق الحال وسوء الظروف، ما دفعها إلى قبول العمل فى الخارج.
بالفعل سافرت إلى إحدى الدول العربية، واستمرت فى إرسال الأموال إلى زوجها على حسابه الخاص، لادخارها لمدة عامين، وعندما قررت العودة إلى وطنها، توجهت إلى منزلها، لكنها فوجئت بصدمة عصفت بأحلامها، إذ وجدت حبيبها وشريك حياتها فى أحضان سيدة أخرى، بعدما فتح لها الباب حاملًا طفله من امرأة أخرى.
لم تجد «عبير» أمامها غير الانتحار، فلجأت إلى العطار، واشترت منه «سم فئران» وذوبته فى مياه وتناولته، إلا أن بعض الأهالى حملوها بعد غيابها عن الوعى إلى طبيب، حوّلها بدوره إلى مركز السموم لعلاجها.
وعقب شهر من معالجتها وإنقاذ حياتها، حاولت «عبير» الانتحار مرة أخرى، وألقت نفسها من الطابق الثانى للمركز، لكنها لم تمت، وتعالج حاليًا من بعض الكسور فى عظامها.

توفيق.. قرر التخلص من حياته بسبب خطبة حبيبته
قصة «توفيق» لم تختلف كثيرا عن «عبير»، فهو شاب عاطفى، ما زال يدرس فى كلية العلوم بعد رسوبه ٣ أعوام فى السنة النهائية.
ارتبط «توفيق» بعلاقة حب مع زميلته، لمدة ٤ سنوات، وطلب الزواج منها إلا أن أهله رفضوا بسبب عدم استقرار أحواله المادية.
هدد أهله بالانتحار إن لم يستجيبوا لطلبه بخطبة الفتاة، لكنه عزم على التنفيذ عندما علم أن حبيبته تمت خطبتها. قرر بعدها تناول كحوليات سامة، على أمل التخلص من حياته، ولكن تم إنقاذه ويمر الآن بفترة المتابعة فى الطابق الثالث لمبنى المركز القومى للسموم.

آلاء.. امتحان الفيزياء هو السبب
حالة «آلاء» هى إحدى الظواهر المتكررة فى المجتمع المصرى، إذ تناولت جرعة «أوفر دوز» من المسكنات، عقب انتهائها من امتحان الفيزياء فى الثانوية العامة.
تقول والدتها عن الموقف: «عادت ابنتى من الامتحان حزينة، ووجدتها تتجه إلى الحمام مباشرة، وبعد فترة طويلة من مكوثها داخله، دفعت الباب فوجدتها ملقاة على الأرض مغشيًا عليها».
وتضيف: «تبين أنها تناولت شريط أقراص مسكنة، ما تسبب لها فى تسمم وهبوط بالدورة الدموية، بعدما ساءت حالتها النفسية بسبب امتحان مادة الفيزياء، وقررت الانتحار بعد يقينها من الرسوب، والحمد لله هى حاليًا فى آخر مراحل التعافى».

آمال.. تناولت جرعات دواء زائدة للتغلب على آلام السرطان
على أحد الأسرّة فى المركز القومى للسموم، ترقد «آمال» التى حاولت الانتحار يأسًا من شفائها من مرض السرطان.
الممرضة المسئولة عنها تقول: «عمرها ٥٢ سنة، وهى مصابة بمرض السرطان منذ أكثر من سنتين، وتعانى من عدم إمكانية التعايش مع المرض، كما أن أبناءها صغار ويحتاجون لعناية ورعاية، لذا تعتبر نفسها مقصرة فى حقهم».
وتضيف: «هذه المرأة لم تجد من يقف بجوارها فى مشوار علاجها سوى شقيقتها، خاصة بعد وفاة زوجها، لكنها وجدت أن مصاريف العلاج كبيرة، ما زاد الأحمال عليها، بجانب آلام المرض، فحاولت إنهاء حياتها، بجرعات الأدوية الزائدة، وهى حاليًا فى مرحلة تلقى العلاج».

سامى.. تراكم الديون دفعه للانتحار
عقب تعرضه لأزمة مالية تراكمت خلالها ديونه، قرر «سامى»، رجل الأعمال الذى يبلغ من العمر ٤٦ سنة، الإقدام على الانتحار بسم الفئران.
حالته استدعت الاستمرار على جهاز التنفس الصناعى لما يقرب من شهر، وعندما استرد وعيه، سأله الأطباء عن أسباب انتحاره، فتبين أن الأمر بسبب أزمة مالية.
وعندما طالبه الأطباء بدفع ٣٠ ألف جنيه مقابل العلاج والإقامة، لم يتحمل الرجل مطالبته بأى أموال إضافية، قائلًا: «حتى الانتحار مكلف.. أنا انتحرت علشان أزمتى المالية، إزاى عايزينى أدفع ٣٠ ألف جنيه؟».
هدد الرجل بالانتحار ثانية، لذا تدخلت إدارة المستشفى وطلبت علاجه على نفقة الدولة.

طبيبة.. التخصص يدفعها لاختيار الآخرة
هل يمكن أن يتسبب القلق فى إقدام الشخص على إنهاء حياته؟.. هذا ما حدث بالفعل مع إحدى طالبات كلية الطب، بعدما أقدمت على إنهاء حياتها، لعدم تمكنها من اختيار تخصص جيد فى مهنتها، عقب ٦ أعوام من دراستها.
ففى السنة النهائية «الامتياز»، احتارت طالبة الطب فى اختيار المجال الذى ستتخصص فيه، ما أدخلها فى حالة صعبة من الاكتئاب، تناولت على إثرها أقراصًا مخدرة بكميات كبيرة.
وبعد فشلها فى التجربة الأولى، نظرا لإسعافها، قررت الفتاة استغلال خبراتها كطبيبة وتركيب دواء خاص تستخدمه لقتل نفسها، قبل أن يتم إسعافها فى اللحظة الأخيرة.

سماح: «جوزى مش راضى يطلقنى»
الزوجة «سماح» التى تشبه حالتها عددا من السيدات فى المجتمع المصرى تقول: «حاولت الانتحار عبر تناول العديد من الأقراص الخاصة بعلاج القلب، ما تسبب فى إصابتى بالتسمم وأثر على الكبد، وكل هذا نتيجة طلبى الطلاق، ما دفع زوجى إلى تعذيبى وإهانتى، فقررت التخلص من ظلمه لى ومن حياتى معه المليئة بالخلافات عبر الانتحار».
وتضيف: «إنقاذى يعنى فرصة جديدة، وسأستغفر الله عما فعلت بعدما كتب لى عمرا جديدا، ومش هافرط فى حياتى تانى».

سهر.. موت صديقتها يقودها لـ«غياب اختيارى»
«سهر » الملاك البرىء التى لم يتجاوز عمرها ثمانى سنوات، لم تتخيل موت جارتها وصديقتها المقربة فى حادث سيارة، أثناء لهوهما معًا فى الشارع، لذا ظلت أيامًا تعانى من الاكتئاب حتى قررت اللحاق بصاحبتها.
تقول والدة الفتاة إنها فوجئت عقب خروجها من المطبخ بطفلتها ملقاة على الأرض، وبفحصها وجدت حبوبًا مبعثرة بجوارها، وتبين أنها تناولت أدوية مخصصة لعلاج أمراض المخ والأعصاب، وبنقلها إلى المستشفى حولها الأطباء إلى مركز السموم، لتتلقى العلاج المناسب، ودخلت بعدها العناية المركزة لحين تعافيها.
حالة انتحار حدثت فى مصر عام ٢٠١٥ حسب التقرير الصادر فى اليوم العالمى لمكافحة الانتحار