رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخدمة العسكرية الإلزامية تفرمل عودة لاجئين سوريين إلى بلدهم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بعد سنوات أمضاها في مخيمات اللجوء في لبنان، يجد محمد نفسه أمام خيارين سيئين لا ثالث لهما، البقاء في ظل الفقر المدقع أو العودة إلى بلاده سوريا، مخاطرًا بسوقه إلى الخدمة الإلزامية في الجيش.

تحت خيمة بلاستيكية بالكاد تقيه أشعة الشمس في مخيم على أطراف بلدة سعدنايل في شرق لبنان، يسأل محمد (18 عامًا) "من يختار الذهاب إلى الموت برجليه؟".

انتقل محمد مع والديه وأشقائه وشقيقاته الأربع الى لبنان قبل سبع سنوات، بعدما فروا مع تصاعد التوتر في محافظة حلب في شمال سوريا التي يتحدرون منها.

عاش محمد مراهقته في مخيمات النزوح، وتحمل المسؤولية باكرًا، بعدما وجد نفسه مضطرًا للعمل مع والده لإعالة العائلة في حقل مخصص لزراعة البطاطس في منطقة البقاع (شرق). ويكسب شهريًا نحو 400 دولار فقط.

يتمنى محمد أن يعود إلى بلده لكنه يخشى الخدمة العسكرية. ويقول خلال تمضيته الوقت مع أصدقائه في يوم إجازته الوحيد "لا أحد ينسى بلده، ولكن إذا عدنا اليوم ساُطلب للجيش"، مضيفًا "من سيعيل عائلتي؟".

ويقدر لبنان راهنًا وجود نحو مليون ونصف لاجئ سوري على أراضيه فروا خلال سنوات الحرب من مناطقهم ويعانون من ظروف إنسانية صعبة للغاية.

وكرر مسؤولون لبنانيون في الأشهر الأخيرة المطالبة بضرورة عودة اللاجئين إلى مناطق توقفت فيها المعارك.

ويسود توتر منذ أسابيع بين وزارة الخارجية اللبنانية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد أن اتهم وزير الخارجية جبران باسيل المنظمة الدولية بـ"تخويف" اللاجئين السوريين لعدم العودة إلى بلادهم، قبل أن يعلّق طلبات الإقامة لموظفي المفوضية.

وبحسب دراسة أجرتها مفوضية اللاجئين حول نوايا اللاجئين السوريين، تبين أن الغالبية العظمى، نحو 90%، يريدون العودة بأسرع وقت ممكن. لكن في الوقت ذاته، يتحدث جزء كبير منهم عن ظروف تمنعهم من العودة إن كان الوضع الأمني أو عدم وجود خدمات أو منازل تأويهم، فضلًا عن الخشية من الاعتقالات والخدمة الإلزامية في الجيش.

ويتساءل بعضهم، وفق ما تقول المتحدثة باسم المفوضية في لبنان ليزا أبو خالد، لفرانس برس "هل هناك مستشفى في قريتي؟ هل لدي منزل؟ هل لدي وسيلة للعيش؟".

وجاء في الدراسة "لكي تتمكن عائلات اللاجئين من العودة بكل ثقة، يجب أن يحصل المعيلون على ضمانات بأنهم سيكونون قادرين على سد حاجات أفراد عائلاتهم وألا يتم إرسالهم إلى الجبهات".

في سوريا، يفترض بالشبان الالتحاق بالخدمة الإلزامية عند بلوغهم سن الـ18. وكانت مدة الخدمة تتراوح بين عام ونصف إلى عامين، لكن بعد اندلاع النزاع في العام 2011 باتت الخدمة تطول لسنوات.

وأعلنت دمشق مطلع الشهر الحالي تسريح مجندين التحقوا بالخدمة الإلزامية منذ العام 2010.

ويمنح المجند بعد انتهاء خدمته رقمًا في الاحتياط ويمكن للسلطات أن تطلبه في أي وقت للالتحاق بصفوف الجيش.

ويحلم حسن خليف، النازح من محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، منذ سبع سنوات بالعودة إلى سوريا "اليوم قبل الغد"، لكنه يخشى أيضًا الالتحاق بالجيش.

ويقول حسن (23 عامًا) "بالطبع سيأخذونني إلى الخدمة. لدي أطفال من سيعيلهم؟ أقربائي هم من سيعيلونهم وكل واحد منهم لديه أربعة إلى خمسة أطفال أصلًا؟".

وتشكل قضية عودة اللاجئين السوريين إحدى النقاط المشتركة القليلة التي يجمع عليها المسؤولون اللبنانيون. ويبدو لبنان عازمًا على حل هذا الملف.

وأرسل وزير الخارجية اللبناني قبل أسابيع رسالة إلى نظيره السوري وليد المعلم تضمنت في أحد بنودها "إيجاد مخرج قانوني ما للخدمة العسكرية للنازح الموجود في لبنان". ولم تتلق الخارجية ردًا حتى الآن، وفق ما قال مصدر دبلوماسي لبناني لفرانس برس.

وفي الأشهر الأخيرة، كرر مسؤولون بارزون بينهم رئيسا الجمهورية والحكومة مطالبة المجتمع الدولي بتأمين عودة اللاجئين السوريين.

وينظم الأمن العام اللبناني الخميس عودة 400 لاجئ من بلدة عرسال الى سوريا بموجب اتفاق بين الأمن العام اللبناني والسلطات السورية.

وفي أبريل الماضي، غادر 500 لاجئ جنوب لبنان عائدين الى سوريا. وفي مايو الماضي، تحدث مدير عام الأمن العام اللبناني عباس ابراهيم عن عودة مقبلة لـ"الآلاف غيرهم".

ولا يرغب أبو حسن (30 عامًا)، والد لطفلين، أن يكون ضمن المجموعات العائدة.

ويقول "لا يمكنك أن تعود إلى البلد اذا لم تكن الحرب قد انتهت الحرب. ليس هناك أمان، ولا يمكنك العمل ولا حتى التنقل".

ويعمل أبو حسن، الطباخ سابقًا، في أشغال عدة في لبنان ليؤمن لقمة عيش عائلته. ورغم أنه ادى الخدمة الإلزامية قبل سنوات، يخشى أن يتم استدعاؤه مجددًا كاحتياطي.

ويقول "اذهبوا إلى سوريا لتروا بأنفسكم، ليس هناك شباب. في المنازل، يوجد نساء وأطفال وعجّز"، متسائلًا "أين هم الشباب؟ فروا إلى أوروبا، إلى لبنان أو انضموا إلى الجيش".