رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسئولون فلسطينيون: الإحالة للجنائية الدولية ستكون في صالحنا

جريدة الدستور

أكد مسئولون وقانونيون فلسطينيون أن خطوة إحالة الحالة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية نوع من النضال الوطني المشروع، لاسيما وأن فلسطين عضو في المحكمة، معتبرين أنها ليست مجرد خطوة حماسية معنوية فقط، ولنها مهما طال أمد الإجراءات فإنها في النهاية ستكون لصالح الجانب الفلسطيني.

وكان مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، قد انتقد المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، واتهمها بـ "المماطلة" في التعامل مع الملف الفلسطيني، وقال إنه على مدار ثلاث سنوات لم يتجاوز عمل المحكمة الجنائية مرحلة التحريات الأولية بشأن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

وأضاف "وجدنا بطئا في عمل المحكمة الدولية، حيث لم تنتقل المحكمة إلى مرحلة التحقيق الرسمي، وهو ما أجبرنا على تقديم إحالة بشأن ملف الاستيطان الإسرائيلي الشهر الماضي".

وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن خطوة التوجه للمحكمة ضرورة وأهمية كبيرة وإن الجنائية الدولية هي محكمة أشخاص وليس دول. مضيفا أن هذه الخطوة وإن استغرقت سنوات فإنها في النهاية ستصل إلى غايتها ويتم الحكم على مسؤولين إسرائيليين باقتراف جرائم حرب.

وهو ما أكد عليه أمين عام المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي الذي قال - لـأ ش أ - "نعرف أن الأمر لن يتم بسرعة ولكن المحكمة في وضع حرج، فإذا تقاعست عن فتح تحقيق بشأن جرائم الحرب المرتكبة من قبل إسرائيل فإنها ستفقد مكانتها بشكل كامل وقد تنسحب منها الكثير من الدول الأعضاء فيها، كما أنها وحتى تستطيع أن تفتح تحقيقا يجب أن تصمد أمام الضغوط الخارجية التي قد تمارس لمنعها من فتح هذا التحقيق.

وقال ان المسألة الآن لم تعد مسألة محاكمة إسرائيل على جرائم الحرب، بل تعدت ذلك أيضا إلى أن هذا سيقرر مستقبل ومصير محكمة الجنايات الدولية بشكل عام.

وأضاف البرغوثي "أما بخصوص موضوع أن ترتد خطوة التوجه إلى المحكمة على الفلسطينيين ويتم محاكمة الفلسطينيين في جرائم حرب ضد إسرائيل، فلتتفضل المحكمة بمحاكمتنا، لاسيما وأنه لا يوجد أي ميزان في العالم يمكنه مقارنة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ببضع عمليات المقاومة التي تتم ضد الاحتلال"، مؤكدا أن المقاومة حق مشروع وكل ما يمكن أن يساهم في ذلك يدخل في إطار المقاومة المشروعة.

وتابع "أما عن أن المحكمة لم تستطع محاكمة بعض الشخصيات فقال ان ذلك يرجع إلى أن المحكمة لم تقبض عليهم ولكن قضاياهم مازالت موجودة وسارية"، لافتا إلى أنه إذا تمت محاكمة أحد القادة الإسرائيليين سيصبح من المستحيل عليهم السفر إلى مناطق عديدة في العالم ليكونوا عمليا سجناء في إسرائيل والمعنوي والسياسي والأخلاقي لهذه المحاكمات لا يقل أهمية عن تقديم الأشخاص لهذه المحكمة بأنفسهم.

فيما قال نائب الأمين العام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قيس عبد الكريم "أبو ليلى" بصفته أحد المسؤولين عن ملف الاحالة إلى الجنائية الدولية- ان القرار الخاص بإحالة الحالة الفلسطينية هو قرار طال انتظاره، وأن الهدف من الإحالة هو حث المحكمة الجنائية الدولية على الانتقال خطوة إلى الأمام فيما يتعلق بالجهد المبذول لوضع المسؤولين الإسرائيليين ومجرمي الحرب أمام العدالة الدولية لمساءلتهم ومحاسبتهم بموجب ميثاق روما واتفاقية جنيف الرابعة.

وأضاف أن المحكمة لها ولاية على كل الجرائم التي ترتكب في دولة فلسطين مادامت هي عضو فيها، بصرف النظر عن من يرتكبها.. وهناك أكثر من حالة في السابق طلبت فيها المحكمة مسؤولين من دول ليسوا أعضاء فيها ولاحقتهم ولازالوا ملاحقين منهم وضع السودان.. ولازال الرئيس البشير ملاحقا حتى الآن.

وأوضح أنه بالنسبة لإسرائيل، فإن كل الدول التي لها مصالح معها، "كالدول الأوربية "،( ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية).. جميعهم أعضاء في المحكمة وبالتالي سيكون للمحكمة أثر مباشر على الأقل في تقييد حركة المسؤولين الإسرائيليين إذا ما طلبت المحكمة من تلك الدول تسليم أشخاص.

وذكر أن المحكمة لا تدين دولا، بل أشخاصا بارتكاب جرائم حرب محددة، حيث تقوم بتحديد الأشخاص الأكثر مسؤولية عن جريمة الحرب.. فإذا أخذنا على سبيل المثال موضوع الاستيطان ورأت المحكمة أن فلانا وفلانا هم الأكثر مسؤولية عن الحالة الاستيطانية والتي تشكل جريمة حرب فإنها تقوم باستدعائه وتطلبه للتحقيق والمحاكمة، مشيرا إلى أن استدعاءه لا يترتب عليه المحاكمة الفورية أو أنه سيكون في حوزة العدالة في اليوم الثاني مباشرة، لكن هناك وسائل ملاحقة دولية كالإنتربول مثلا، وكل الدول الأعضاء بالمحكمة والتي تعترف بولاية المحكمة ستكون ملزمة بتسليم الشخص المطلوب فور وضع يدها عليه وتعتقله وتسلمه، وإلا ستكون قد خرقت التزاماتها.

في السياق ذاته، قال المحامي زيد الأيوبي رئيس مركز العرب للدراسات القانونية:بالنسبة لضرورة مواءمة التشريعات الفلسطينية مع القانون الدولي،هناك لجنة قانونية تجتمع بشكل شهري في وزارة العدل انبقثت عن اللجنة الفلسطينية العليا لمتابعة القضايا أمام محكمة الجنايات الدولية لمواءمة كافة التشريعات الفلسطينية التي لها علاقة بتنظيم حقوق الإنسان خصوصا على مستوى التشريعات العقابية والمرتبطة بحق الحصول على المعلومات".

وأضاف:لدينا خطة استراتيجية موضوعة ولازلنا نعمل على المواءمة كوننا نتحدث عن إرث قانوني كبير لا يمكن تغييره في وقت قصير، إلا أنه أكد أن هذا الموضوع لا ينفي اختصاص الجنايات الدولية من النظر فيما يتعلق بجرائم الحرب التي اقترفتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبغض النظر عن فكرة المواءمة فإن المحكمة ستنظر في طلبنا، خصوصا وأن لدينا المحكمة الدستورية العليا ويتم فيها إحالة أي نص يتعارض مع القوانين الدولية إليها وهي التي تقوم بتعديله إن لزم الأمر.

وعن عدم نظر المحكمة الجنائية الدولية طوال تاريخها إلا في 4 قضايا، قال الأيوبي "هذا صحيح"، واستطرد "لكنها ليست محكمة صلح في إحدى المحاكم في الوطن العربي ليكون من السهل ان يحكم القاضي في قضية جديدة كل يومين.. اننا نتحدث عن محكمة دولية، والمتهمون فيها يمثلون دولا، واللجوء لهذه المحاكم يخضع للكثير من الضغوط السياسية وهو ما يجعل الكثير من الدول تتلاشى هذه المحكمة حفاظا على مصالحها السياسية والاقتصادية.

قال الأيوبي " إن خطوة التوجه للمحكمة ليست معنوية فقط ولا يجوز التقليل من أهميتها، لأن هذا التوجه من الناحية السياسية يعني أن المجتمع يتعامل مع فلسطين كدولة وهذا مهم جدا، ويكرس الهوية الفلسطينية على الساحة الدولية، أما من الناحية القانونية فإسرائيل لديها علاقات مع العديد من دول العالم ومنهم أعضاء في المحكمة ولكنهم لا يستطيعون جميعهم محاباة إسرائيل في القرارات التي تصدر عن المدعي العام للمحكمة".إلا أنه نبه إلى إشكالية فلسطينية وهي ما إذا كانت فلسطين جاهزة لتقديم الأدلة الدامغة التي تدين إسرائيل بشكل كامل للمحكمة وفق القانون.

وضرب الأيوبي مثلا بعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة في 2014، متسائلا عما إذا كان قد تم تحريز الصواريخ وتحرير محاضر قضائية حسب القواعد القانونية في زمان وقوع هذا الاعتداء والضحايا الذين ارتقوا نتيجة سقوط صواريخ على بيوتهم، وهل تمت معاينة الجثث حسب الأصول القضائية وتحرير محاضر من قبل الأطباء الشرعيين؟ مشيرا إلى أن محكمة الجنايات لا يمكن لها الركون على كلام الجرائد أو الأخذ بالتصريحات الإعلامية، بل تحتاج محاضر ومحرزات، خصوصا أن إسرائيل تدعي أن الصواريخ لا تطلقها هي فقط، بل المقاومة الفلسطينية أيضا تطلق، وأن الكثير من الصواريخ الفلسطينية تسقط في أماكن فلسطينية، وهو ما يكون عاملا مساعدا في محاولة إفلات المجرم من العقاب، خصوصا في ظل الانقسام وعدم سيطرة السلطة الفلسطينية بشكل كامل على قطاع غزة.

في المقابل، قال خبير القانون الدولي الدكتور حنا عيسى - لوكالة أنباء الشرق الأوسط -:"بكل تأكيد للمحكمة إجراءاتها الطويلة والتي تحتاج لسنوات"، لافتا إلى أن هذه المحكمة شكلها الخارجي، "قانوني"، أما جوهرها فسياسي، لأنها تخضع لاعتبارات سياسية دولية،لكننا كفلسطينيين ليس أمامنا إلا هذه الخيارات السياسية والقانونية والدبلوماسية لملاحقة الاحتلال بهدف انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إلا أنه نبه إلى أن إسرائيل دولة غير عضو في المحكمة، بعكس فلسطين، مشيرا إلى أن القواعد تقول إن الشكوى يجب أن يتم رفعها من دولة ضد دولة، والدولتان تكونان عضوتين في المحكمة.
وتابع عيسى:بما أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة فإن وضعنا صعب وبالتالي من الممكن أن يقوم أصدقاء إسرائيل من الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بملاحقتنا نحن بتهم ارتكابنا جرائم حرب ويختلط الحابل بالنابل وتنعكس الأمور، وتستند إلى الصواريخ التي أطلقتها المقاومة وسقطت على تل أبيب عام 2014 والتفجيرات التي حدثت في تل أبيب أو القدس".

وأضاف: "يجب أيضا أن نقوم بتعديل تشريعاتنا الفلسطينية لأن المحكمة ستطلب منا ذلك لتكون منسجمة مع ميثاق روما، وبعد كل ذلك تستطيع المدعية العامة للمحكمة أن تؤجل النظر في القضية عاما ثم عاما ولمدة 7 أعوام، منبها إلى أن الوضع ليس بسيطا على الإطلاق كما يتصور البعض ويظن أن الموضوع سهل وسيصدر الحكم خلال أيام أو شهور.

وأشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية وطوال تاريخها نظرت في أربع قضايا فقط وهي قضية الكونغو الديمقراطية وجمهورية افريقيا الوسطى وأوغندا الشمالية وقضية الرئيس السوداني عمر البشير.
واعتبر أن خطوة التوجه للجنائية الدولية هي خطوة حماسية فقط.

وقال إننا كالغريق الذي يتعلق بقشة لأن أوضاعنا سيئة داخليا وخارجيا، مشيرا إلى الانشقاقات والخلافات وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة وسيطرة إسرائيل على القدس واعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بها عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها بالإضافة إلى ما يروج عن ما يسمى بصفقة القرن.. وكلها أوضاع تضعف حالنا، وكل ما نتحدث عنه هو بشكل عاطفي، لكن على أرض الواقع فنحن تحت وطأة الاحتلال.

وأكد أنه كان من الأولى ترتيب وضعنا الداخلي أولا وضبط أوراقنا وأن يكون لدينا برنامج سياسي متفق عليه بين القوى الوطنية، حتى لا تجد من يقول لك" من تمثل أنت؟" حماس في قطاع غزة.. أين أنت هناك ؟ وبالتالي حتى تكون قويا يجب أن تمثل وتحصن بيتك الداخلي لا سيما وأن البيت المقسوم لا يستطيع النهوض.

وقال حنا عيسى ان الحكيم الوحيد هو الرئيس عباس ولكن ماذا يمكن أن يفعل والجميع يضغط عليه ويريد الذهاب للجنائية الدولية وكأنه هو العقبة.. وكنا قد ناقشنا الموضوع مرارا وهو سبب تأخرنا في التوجه إليها وناقشنا اختصاصات المحكمة ووضعها القانوني والمخاطر علينا.