رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الجنوبى".. هكذا أثر التراث فى شعر أمل دنقل

 أمل دنقل
أمل دنقل

كل من واتته الفرصة لقراءة شعر أمل دنقل يدرك جيدًا سعة اضطلاعه على التراث العربي وقضاياه ونصوصه، ورغم أن الراحل الكبير يعد من أبرز رواد الحداثة الشعرية ضمن زملاءه عمالقة القصيدة التفعيلية، لكنه لم ينفصل عن تراثه العربي الحافل بل استفاد منه وقام بتوظيفه في ثنايا قصائده.

ويبدو ذلك بجلاء في إحدى قصائده التي عارض بها قصيدة المتنبي الشهيرة والتي مطلعها: عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيدُ، ولأن ارتباط أمل دنقل بالتراث يحتاج منا إلى شيء من التأمل وخاصة ونحن اليوم نحتفي بذكرى ميلاده.

توجب علينا الذهاب إلى أحد أبرز النقاد المعنيين بتراثنا العربي، وهو الناقد الدكتور يسري عبد الغني رئيس التحرير السابق لمجلة عالم الكتاب ووكيل وزارة الثقافة الأسبق والباحث التراثي المعروف.

وعن علاقة أمل دنقل بالتراث قال الدكتور يسري عبد الغني علينا أن نعي بدايةً أن توظيف أمل دنقل للتراث لم يكن في الجانب الفني فحسب بل إنه بدأ عمله باحثًا فيه وناقدًا له واهتم به على مستوى التنظير، فقد كتب بحثًا تاريخيًا حول قبيلة قريش تحت عنوان "قريش عبر التاريخ" وكان يشمل دراسة مطولة في أربع مقالات وقام بنشره في مجلة "أوراق".

كما أنه كتب دراسة عن أسباب نزول القرآن من منظور تاريخي إلا أن جريدة الأهرام رفضت نشرها بسبب ما اتسمت به الدراسة من جرأة في الطرح وما احتوت عليه من آراء لا تتوافق مع ما جاءت به كتب التفسير المتداولة بين الناس.

وأضاف عبد الغني في تصريح خاص لـ"الدستور" قائلًا: "الملاحظ في شعر أمل دنقل أن التراث العربي يغلب على الأنماط الأخرى بحيث تقل الرموز الأسطورية الفرعونية والإغريقية والرومانية في شعره؛ فأمل إذن يختلف عن كل من بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور وأدونيس والبياتي الذين أكثروا من الرموز اليونانية وغيرها، والسبب هو يقين أمل دنقل أن القارئ العربي ليست لديه خلفية ثقافية عن الميثولوجيا والأساطير الأجنبية، لذلك مال إلى تراثنا القومي لأنه يعيش في وجدان أمتنا، وكان أمل يبحث عن أرضية مشتركة بينه وبين متلقي شعره".

وأشار عبد الغني إلى أنه يمكن القول أن انفعال أمل دنقل بالتعامل مع التراث كان أقوى من معاصريه عندما فتح عينيه على تراكم شعر دشنه جيل الرواد فأصبح عنصر استخدام التراث متمثلًا في شعره على نحو واضح.

بالإضافة إلى مكوناته الثقافية الخاصة حيث أنه قرأ كتب التراث منذ وقت مبكر وبحث عن القيم الجوهرية التي يوحي بها ذلك التراث، وها هي أرملته الشاعرة عبلة الرويني تشهد أنه كان يطالع التراث العربي أحيانًا فتقول " في تلك السنوات قرأ العديد من كتب التراث والملاحم والسير الشعبية ثم أعاد قراءتها بعد ذلك مرات عديدة وفي طبعاتها المختلفة يحركه حس تاريخي لاكتشاف الطبقات المتراكمة وراء الحكايات والمعلومات".

وتابع عبد الغني هذا يرسم لنا صورة واضحة عن قراءة أمل دنقل لمصادر التراث العربي التاريخي والشعبي وبحثه الدائب عن متون التراث والتأكيد عليه وعلى قيمه الجوهرية، كما ترينا شهادة الرويني نوع القراءات التي ألهمت إبداع أمل دنقل والذي أعاد قراءة المتون القديمة مرات ومرات وفي طبعات مختلفة بدقة وتوثيق شديدين، مستهدفًا كشف القيم التي التي تمثلها مضامين تلك الكتب ومصادر التاريخ والقصص التي كان لها الحضور الدائم في أذهان الناس.

وقال عبد الغني ختامًا نذكر أن دنقل كان يهدف من وراء استخدامه للتراث تربية الحس القومي لدى الناس عامة وبالأخص لدى أفراد يتسمون بضعف الشعور القومي والجهل بتاريخهم، لهذا رأيناه يستدعي في أشعاره عددًا كبيرا من الشخصيات التاريخية في الإسلام وشخوص الأدب الشعبي والملاحم التي تجسد معنى البطولة والشهامة والمجد والتضحية، وذلك لإزالة الغشاوة عن عيون أمتنا العربية وضخ الدماء في قلوبٍ نفذ إليها اليأس والقنوط لتعرف ماضيها فتعمل في حاضرها وتأمل في مستقبلها.