رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هزيمة بطعم الفوز فى عيد كروى جدًا


لا صوت يعلو فوق صوت المونديال. ولا تكن مثل المتعالمين، الساذجين أو الطيبين زيادة عن اللازم الذين أضاعوا وقتهم ووقتك في منافسة «أخيل» وطرحوا وشرحوا أسباب تعيين ١٢ وزيرًا جديدًا وبقاء ٢٠ من الحكومة السابقة في التشكيل الوزاري الجديد، الذي قال (ويقول) الواقع إن أسباب استبعاد ذاك واختيار هذا لا يعرفها إلا دائرة ضيقة جدًا هي صاحبة القرار والاختيار، ولا يتشارك معها غير المجلس الأعلى للقوات المسلحة في اختيار وزير واحد بموجب المادة ٢٣٤ من الدستور، دستور ٢٠١٤، التي اشترطت موافقة المجلس على تعيين وزير الدفاع خلال دورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارًا من تاريخ العمل بالدستور.

أخيل، قط أصم تمت الاستعانة به لتوقع نتائج مباريات كأس القارات التي أقيمت بروسيا العام الماضي، ووقع الاختيار عليه لتوقع نتائج مونديال ٢٠١٨ بروسيا. وكما لا يكتمل التعديل أو التغيير الوزاري في مصر إلا بوجود «الفتايين»، متعاملين كانوا أم ساذجين، فإن بطولة كأس العالم لم تعد تكتمل دون ظهور حيوان يتنبأ بنتائج المباريات، كان أشهرها الإخطبوط بول الذي أذهل العالم بتوقعاته الصحيحة لنتائج ١١ مباراة من أصل ١٣ في كأس الأمم الأوروبية سنة ٢٠٠٨، وكأس العالم ٢٠١٠.

طبقان من الطعام يحمل كل منهما علم بلد معين، يوضعان أمامه، والطبق الذي يختاره يكون هو الفائز أو صاحب الحظ الأوفر في الفوز. وبتلك الطريقة نجح القط، الذي يتواجد حاليًا في متحف «أرميتاج» الحكومي بمدينة سان بطرسبرج، في توقع نتائج ثلاث مباريات ببطولة كأس القارات، من إجمالي أربعة لقاءات أقيمت في المدينة الروسية، وصدقت توقعاته بنتائج مباراتي الافتتاح والختام. وطبقًا لما ذكرته وكالة الأنباء الروسية، «تاس»، فإن مسئولي المتحف الروسي اختاروا «أخيل» بسبب قدرته على الاختيار والتحليل، بالإضافة إلى سلوكه غير المعتاد. وقبل أن تضحك أو تسخر انظر حولك، أو فتّش في ذاكرتك، وستكتشف أن لدينا من يصدقون أن هناك كائنات توصف بـ«المحللين السياسيين» ويرون أيضًا أن لديها قدرات وسلوكيات «أخيل» المزعومة!.

لا أعتقد أن المصريين، باستثناءات قليلة، شغلوا بالهم إلا بكأس العالم، ولن أكون مخطئًا لو قلت إن زيارات العيد العائلية تم ترتيبها لتكون قبل المباراة أو بعدها، إلا لو قرر الضيف أن يشاهدها عند مضيفه. ومثل كل المصريين، كتبت هذا المقال وأنا أشاهد مباراة مصر وأوروجواي، التي انتهت بهزيمتنا صفر واحد، بعد أداء مبهر لفريقنا القومي أمام أوروجواي بطلة العالم في ١٩٣٠ و١٩٥٠، تشارك للمرة الثالثة عشرة، ووصلت إلى الدور الثاني في البرازيل ٢٠١٤، بعد أن حصلت على المركز الرابع سنة ٢٠١٠ في جنوب إفريقيا. وما يثير الدهشة وربما الغيظ، هو أنها خلال الثماني مرات التي شاركت فيها في المونديال، منذ سنة ١٩٧٠، لم تبدأ مواجهاتها بانتصار، إذ خسرت نصفها وتعادلت في المرات الأربع الأخرى. أما نحن فلم تتح لنا تلك الفرصة إلا مرتين فقط (سنة ١٩٣٤ وسنة ١٩٩٠)، وفي كلتيهما لم يستطع فريقنا الفوز في أي من مبارياته الأربع. وخدعوك فقالوا إن هدف مجدي عبدالغني كان الوحيد في المونديال، بينما اتضح أن عبدالرحمن فوزي سبقه سنة ١٩٣٤ بهدفين، في شباك المجر، بل كان هناك ثالث لم يحتسبه الحكم الإيطالي، وانتهت المباراة بهزيمتنا بأربعة أهداف لهدفين.

غاب محمد صلاح عن المباراة. وما من شك في أن وجود صلاح لا يؤثر فنيًا فقط، بل نفسيًا أيضًا، فهو «الدينامو» الذي يرفع معنويات فريقه، و«البعبع» الذي يزرع الخوف في الفريق المنافس، ويجعله يقوم بتعطيل اثنين من اللاعبين أو ثلاثة، على الأقل. وعليه، تتعلق آمال الـ١٠٠ مليون مصري، وعشمهم كبير، في أن ينسوا هدف مجدي عبدالغني بأهداف أخرى، سيحرزها قطعًا وبكل تأكيد، أحد أبرز نجوم كأس العالم، والمنافس القوي لقائد المنتخب البرتغالي كريستيانو رونالدو، ولنجم فريق الأرجنتين ليونيل ميسي. وكلاهما يخوض رابع كأس عالم له مع منتخب بلاده. وكلاهما أيضًا شهدت مسيرته التتويج بكل البطولات على مستوى الأندية، بالإضافة إلى احتكارهما غالبية (أو كل) الجوائز الفردية طوال السنوات العشر الأخيرة، ولا ينقصهما غير التتويج بكأس العالم، التي ربما تكون الأخيرة لكليهما أو لأحدهما.

رونالدو (٣٣ سنة) قاد منتخب بلاده إلى الفوز بأول بطولة كبرى، بطولة كأس الأمم الأوروبية «يورو ٢٠١٦»، على عكس ميسي (٣١ سنة) الذي لم يفز، إلى الآن، بأي بطولة مع منتخب بلاده الذي قاده إلى نهائي مونديال ٢٠١٤، ونهائي بطولة أمريكا الجنوبية للمنتخبات مرتين. والأول خاض أول مباراة له في المونديال- عندما التقى منتخب البرتغال مع منتخب إسبانيا، مساء أمس الجمعة- في إطار مباريات المجموعة الثانية التي تضم أيضًا منتخبي المغرب وإيران. كما سيسعى «ميسي»، بدءًا من مباراة اليوم، السبت، أمام أيسلندا، إلى تعويض خسارة الأرجنتين في مرتين، قاد خلالهما منتخب بلاده الفائز بكأس العالم مرتين.

صلاح، الذي أتم أمس، الجمعة، ١٥ يونيو، عامه السادس والعشرين، صار ثالثهما، وقد يصبح أولهم، وهو الذي أضاف قانونًا جديدًا إلى قوانين اللعبة السبعة عشر، مع قانون آخر إلى قوانين الطبيعة، وأثبت أن قوة التجاذب بين جسم اللاعب والكرة لا تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب كتلتيهما، أو عكسيًا مع مربع المسافة بين مركزيهما، بما يتناقض مع قانون الجذب العام لنيوتن. ومع كتاب الفيزياء، سيذكر كتاب التاريخ، أيضًا، ألا أحد في تاريخ الكرة المصرية وصل إلى هذا المستوى في الدوري الإنجليزي. وإليه يرجع فضل وصول منتخبنا الوطني إلى نهائيات كأس العالم، بعد غياب ٢٨ سنة، بتسجيله خمسة أهداف وصناعته هدفين، واضعًا نهاية لواحد من أكبر ألغاز الكرة الإفريقية، لغز عدم قدرة الفريق الذي فاز بكأس الأمم الإفريقية سبع مرات، على التأهل للمونديال.

حالفنا التوفيق وخاننا الحظ، وانتهت المباراة، بهزيمة تساوي الفوز، ولا تزال أمامنا مواجهتان مع روسيا والسعودية، وبهذا الأداء المبهر الذي شاهدنا عليه منتخبنا الوطني، يمكننا أن نلعب دور القط «أخيل» ونتوقع فوزًا سهلًا في المباراتين، اللتين سيلعب فيهما، منذ الدقيقة الأولى، محمد صلاح، هدية الله إلى مصر وهدية مصر إلى العالم. وكل تشكيل وزاري، أقصد كل مباراة، أقصد كل عيد، وأنت بخير، أو في قول آخر، كل سنة وأنت طيب.