رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: ثورة أمير.. رسائل صناع «كلبش ٢» لـ«أعداء الدولة»

جريدة الدستور

◄ المسلسل أبرز تضحيات رجال الشرطة وفضح عالم الإرهابيين والجمهور كان فى حاجة لبطل مثل «سليم الأنصارى»

على الرغم من أننى ومنذ بداية شهر رمضان استوقفنى هذا النجاح الكبير الذى حققه الجزء الثانى من مسلسل «كلبش»، بطولة النجم أمير كرارة، إلا أننى قررت تأجيل الكتابة عنه ليكون محورًا رئيسيًا فى ختام سلسلة مقالاتى عن الدراما الرمضانية المتميزة هذا العام، وهى فى حقيقة الأمر مجرد بضعة مسلسلات تعد على أصابع اليد الواحدة.
المسلسل وإن كان كما قلت يعد من أحد أهم الأعمال الدرامية هذا العام، إلا أن شهرته الحقيقية ومبعث الشعور العام بالأهمية البالغة له لم تكن وليدة الصدفة، فهى نتاج طبيعى للنجاح الذى حققه الجزء الأول أثناء عرضه خلال رمضان العام الماضى.
وهنا يسرنى أن أسجل لصناع المسلسل تحية تقدير لأنهم استثمروا هذا النجاح الكبير للجزء الأول، معتبرين أن ما تحقق العام الماضى هو مجرد نقطة انطلاق جديدة يتم عليها بناء عمل أقوى بكثير من الجزء الأول، فربما يكون ما تحقق العام الماضى كان نتيجة ضربة حظ، أما نجاح الجزء الثانى فهو حصاد تعب ومعاناة حقيقية بذلها جميع من شاركوا فى المسلسل، فضلًا عن أنه انعكاس طبيعى لتلك الحالة الحميمية التى استطاع المسلسل أن يخلقها بين المشاهد وأبطال العمل.

عاكف ستار لممولى الإرهاب.. استشهاد وداد لمسة تعاطف مع سوريا.. وتحول «الجاسوس» لـ«تكفيرى» كشف اللعبة
منذ الحلقات الأولى، نجد أن هناك ارتباطًا وثيقا تم بين المُشاهد والأحداث، حلقة تلو الأخرى، ومع أبطال المسلسل، وبالطبع فى مقدمتهم النجم أمير كرارة أو الضابط الشجاع «سليم الأنصارى» الذى تدور قصة الجزء الثانى من المسلسل حوله.
فبعد أن ينال الترقية فى نهاية الجزء الأول، تشاء الأقدار فى الجزء الثانى أن يتولى مأمورية للإشراف على «سجن العقرب»، وفى هذا السجن تتكشف أمامه الكثير من القضايا الشائكة وتحدث معه مفاجآت عديدة، إذ يتم قتل أهله وإصابته بالعديد من الإصابات البالغة، لتبدأ رحلته فى البحث عن القاتل، لكى ينتقم منه.
إلى هنا قد تبدو الأحداث عادية، فالصراع بين الخير والشر «أزلى»، وطالما فى العمل الدرامى ضابط شرطة فلا بد أن يكون فى المقابل عصابات إجرامية. هذا هو الشىء العادى بل العادى جدًا.
لكن فى مسلسل «كلبش٢»، الأمر اختلف تمام الاختلاف عن المعتاد، إذ استطاع صناع العمل وبذكاء شديد استثماره فى توجيه رسائل كثيرة حول جهاز الشرطة وما يبذله ضباطه وجنوده فى حربهم ضد الإرهاب والعنف والتطرف والجماعات التخريبية، سواء الموجودة فى الداخل بمسميات عديدة والتى تضم فى الغالب عصابات تهريب السلاح، أو العناصر التى تتخفى وراء ستار الدفاع عن الدين، بينما الدين منهم براء.
كما أن المسلسل، وبذكاء شديد وبقدرة فائقة فى السيناريو، ألقى الضوء- وبالتفاصيل- على تلك الحرب التى تخوضها الدولة المصرية ممثلة فى جهاز الشرطة ضد الكيانات الخارجية التى تمول وتساند وتحرك الجماعات الإرهابية من الخارج.
ولعل إظهار «عاكف الجبلاوى»، الذى يمثل العصابة التى يواجهها الضابط «سليم الأنصارى» بتلك الصورة التى تبدو فيها علاقاته بممولى تجارة السلاح والإرهاب فى تركيا وعلى الجانب الآخر فى إسرائيل، هو فى تقديرى بمثابة رسالة فى منتهى القوة والذكاء، لأن ما كان ولا يزال يحدث فى مصر من عمليات إرهابية تقف خلف الكثير منها، بل معظمها، تلك الدول المعادية للنظام المصرى، سواء كانت تركيا أو إسرائيل، أو حتى تلك الدولة العربية التى تضمر لمصر كل حقد وغل وكراهية.
وعلى الرغم من أن تلك التفاصيل المتعلقة بمحاربة الإرهاب وأحداث المطاردات والعنف كثيرة جدًا ومتشعبة فى المسلسل، إلا أنها فى تقديرى تعد أحد أهم وأبرز أسباب التفاف الجمهور حول المسلسل وتحقيقه أعلى نسبة مشاهدة على «يوتيوب»، ضاربا الرقم القياسى من حيث نسب المشاهدة.
وهنا يمكن أن نضع أيدينا على مسألة فى منتهى الأهمية، وهى أن المشاهدين فى أشد الحاجة إلى مثل تلك النوعية من الأعمال الدرامية التى تقدم لهم نموذج البطل الذى نحن فى أشد الحاجة إليه، لأن المشاهدين ومن خلال متابعتى لما يتم تداوله عن المسلسل كانوا ينتظرون معرفة الأحداث مشهدًا تلو الآخر، فضلًا عن تلك الحالة الإنسانية التى ربطت بين المشاهدين والفنانين الذين قدموا أدوارًا متميزة حسب طبيعة الأحداث.
وحينما استشهدت السيدة السورية «الدكتورة وداد» التى قتلها أفراد الجماعات الإرهابية وهم فى مهمة خاصة كانوا يستهدفون منها اختطاف والدة الضابط «سليم الأنصارى» وابنه، جاءت مشاهدها القليلة، التى جسدتها الفنانة وفاء سالم، لتكون بمثابة رسالة تعاطف شديد مع الأشقاء فى سوريا، وأن ما يمرون به مجرد محنة ستزول إن شاء الله.
لقد تعاطف المشاهدون مع تلك السيدة السورية التى دفعت حياتها ثمنًا للحفاظ على حياة والدة الضابط وابنه، وهنا أشير إلى أن المسلسل كان متشعبًا فى رسائله وجاء على نحو كبير من القدرة على خلط المشاعر الإنسانية بمجريات الأحداث لكسر حدة الملل من مشاهد العنف والضرب والقتل والغموض.
ولم تتوقف تلك الرسائل المهمة، بل أرى أن من أقوى وأهم هذه الرسائل تلك التى تمثلت فى تقديم شخصية «الجاسوس مصطفى» الذى كان مسجونًا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وكيف تطورت الأحداث عقب هروبه من السجن على يد تاجر السلاح.
وبذكاء شديد جعلنا المؤلف أمام أمير لجماعة جهادية تكفيرية، فقد استطاع أن يتغير من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين فيتم اختياره أميرًا على تلك المجموعة ليتحول من «الجاسوس مصطفى» إلى «أمير الجماعة التكفيرية أبوآدم» بعد أن تمت تصفية «أبوحمزة» الأدمير السابق لتلك الجماعة الإرهابية. وهنا أحيى صناع العمل على تلك القدرة الفائقة على كشف الوجه القذر لتلك الجماعات وإظهارها على أنها مجرد أدوات تحركها أيادٍ قذرة وعقول خبيثة تختبئ خلف جدران أجهزة مخابرات تعمل فى الخارج من أجل ضرب الأمن والاستقرار فى مصر.
المسلسل فى مجمله عبارة عن دفقة درامية عالية امتزجت فيها مشاهد الأكشن بالخط الدرامى الإنسانى، وامتزجت فيها البساطة والسلاسة فى الأحداث بهذا الكم الهائل من الرسائل المهمة التى كانت وراء متعة المشاهدة، وكانت أيضًا وراء قدرة المسلسل على الوصول إلى المكانة المرموقة بين بقية الأعمال الدرامية الناجحة هذا العام.

كرارة ضابط حقيقى يعيبه إفراط البطولة.. هيثم زكى قدم دور عمره.. وروجينا صاحبة الجرعة الإنسانية
فى مقدمة من تألقوا فى مسلسل «كلبش٢»، نجد النجم أمير كرارة، والذى كان بالفعل ومنذ الجزء الأول بمثابة رمانة الميزان التى استند إليها المسلسل، فقد ظهر «أمير» على هذا النحو من التألق وكان صادقًا إلى أبعد حد فى تعايشه مع الشخصية، فرأيناه وهو يتصرف كما لو كان ضابط شرطة حقيقيا، إذ ظل يتنقل بنا من مشهد إلى آخر ومن حدث إلى آخر وهو يطارد المجرمين، فكنا نحبس أنفاسنا خوفًا عليه، وندعو من قلوبنا أن يخرج من هذا المأزق أو ذاك.
وهنا أرى أن دور «سليم الأنصارى» شيئًا فشيئًا تحول إلى سلاح ذى حدين، فهذا الإفراط فى الظهور بامتلاك الشجاعة والقدرة بمفرده على اقتحام أى مكان مهما كان صعبًا كنا قد اعتدنا على رؤيته فقط فى أفلام «الأكشن» الأمريكية، بشخصية النجم السوبر الذى لا يموت ولا يفشل ولا يعرف اليأس، وليس للمستحيل مكان فى حياته.
ربما يشفع لـ«أمير كرارة» أنه قدم شخصية ضابط شرطة مؤمن بقضية، ولديه هدف يسعى بكل ما يملك حتى يتمكن من الوصول إليه وهو القضاء على تلك الجماعات الإرهابية والثأر للشهداء الذين سقطوا وهم يدافعون عن أمن واستقرار الوطن.
هذا ما يجعلنا قادرين على أن نعى جيدًا سبب هذا الكم الهائل من التعاطف الذى أظهره المشاهدون عقب استشهاد «اللواء صلاح الطوخى»، الذى كان بمثابة القدوة والمثل الأعلى لـ«الضابط سليم الأنصارى»، فـ«الطوخى» اغتالته يد الإرهاب وهو حسن النية بالإرهابى الذى فجر نفسه فى هذه العملية الانتحارية.
وكانت النتيجة المزيد من الإصرار من أجهزة الأمن على ملاحقة تلك الجماعات التكفيرية، وهو ما كان سببا لأن نغفر تلك الأخطاء الشكلية فى بعض المشاهد، فكيف يتم اقتحام وكر للإرهابيين بعدد قليل من رجال الشرطة وبالفعل تتم السيطرة على الوكر، ونجد «عاكف» تاجر السلاح قد استطاع الهرب دون بقية أفراد الجماعة؟.
أعود إلى العناصر التمثيلية، فأتوقف عند النجم هيثم أحمد زكى، الذى يعد تجسيده لشخصية «عاكف الجبلاوى» دور عمره، لأن «هيثم» وبكل صدق قدم لنا دورًا كبيرًا ومحوريًا يجعله فى مصاف النجوم الكبار، وأذهب إلى أبعد من ذلك بكثير فأقول إن هذا الدور قد هيأه لأن يصبح قادرًا على القيام ببطولة مسلسل بمفرده.
أما الفنان محمود البزاوى أو «اللواء صلاح الطوخى»، فقد قدم لنا دورًا فى منتهى الأهمية يجسد بشكل واضح الوجه الآخر لرجل الشرطة النبيل الذى يتعامل مع القضايا مهما كانت درجة خطورتها بهدوء شديد ووضع كل شىء فى حجمه الحقيقى.
وشاهدنا على مدى المسلسل منذ الحلقة الأولى مباراة ومبارزة فى الأداء الراقى بينه وبين الضابط «سليم الأنصارى» الذى كان دائمًا حبيس الشخصية المتهورة والضابط الذى يأخذ الأمور دائمًا وكأنها ثأر شخصى، على الرغم من أن الحقيقة غير ذلك، فالثأر هنا ليس شخصيًا بل هو ثأر بلد بالكامل.
حتى وهو ذاهب للقبض على الجماعة التكفيرية التى اغتالت «اللواء صلاح»، نجده وقد تعامل مع الأمر على أنه ذاهب ليثأر لصديقه بينما القضية أكبر بكثير وتخص جهاز الشرطة بالكامل. المهم أن «البزاوى» اتسم أداؤه بالهدوء والحكمة طوال أحداث المسلسل، ضاربًا أروع مثل لرجل الشرطة العاقل والمتزن.
أما الدور الذى قدمته الفنانة القديرة هالة فاخر فهو وبكل صدق دور يليق بها، حيث نراه كما لو كان مكتوبًا من أجلها هى على وجه الخصوص، فجاءت تعبيرات وجهها على أعلى درجة من الصدق فى الأداء، فتعلق بها المشاهد، وأعتقد أنها استطاعت أن تترك انطباعًا جيدًا فى أذهان المشاهدين.
أما روجينا فقد استطاعت أن تجسد باقتدار شخصية تلك الفتاة المليئة بالحب والتفاؤل والسعى دائمًا من أجل عمل الخير، وهو ما جعلها تتمكن من مساندة «سليم الأنصارى» فى عدة مواقف كادت تعصف بحياته.
ولأن روجينا قدمت تلك الشخصية باقتدار فإنها استطاعت أن تضيف لأحداث المسلسل جرعة إنسانية جاءت طبيعية دون تكلف أو افتعال، لدرجة أننى حينما كنت أشاهدها لم أشعر ولو للحظة واحدة بأنها تمثل، بل بأنها تتصرف على طبيعتها، فروجينا فى الواقع إنسانة طيبة وبسيطة وتتعامل مع الأشياء المحيطة، حسبما تمليه عليها طبيعتها الشخصية.
وحينما أتناول عملًا كبيرًا فى حجم وجماهيرية مسلسل «كلبش»، فإن ذلك يتطلب إلقاء الضوء على مايسترو العمل وهو المخرج المتميز بيتر ميمى، فالحق يُقال إنه أصبح يبهر المشاهدين عملًا تلو الآخر، فكل عمل يقدمه يزداد توهجه الإبداعى وتألقه.
وحينما ننظر إلى أعماله الأخيرة نجد أن ما حققه من نجاح فى مسلسل «كلبش» ليس بعيدًا عن هذا النجاح منقطع النظير فى مسلسلات أخرى يأتى فى مقدمتها على الإطلاق مسلسل «الأب الروحى»، على سبيل المثال.
خلاصة الأمر أننا الآن أمام مسلسل ناجح نتيجة احتوائه على العديد من مقومات النجاح، سواء من حيث القصة أو الإخراج أو التصوير أو اختيار فريق العمل من الفنانين، وبالطبع فى مقدمتهم النجم أمير كرارة.
وعلى الرغم من ذلك وإحقاقًا للحق، فإن «كلبش» ليس بمفرده فى منطقة النجاح والنجومية، فهو ضمن قائمة من الأعمال التى استطاعت أن تحقق نجاحًا ظاهرًا وسط هذا الكم الكبير من الأعمال الدرامية التى عرضتها الفضائيات، فنجد «كلبش» فى الصدارة جنبًا إلى جنب مع «رحيم» بطولة ياسر جلال و«ضد مجهول» لغادة عبدالرازق و«طايع» لعمرو يوسف و«نسر الصعيد» لمحمد رمضان.