رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «29»

محمد الباز يكتب: رهين السجن والعمى.. من أين جاء كشك بكل هذا الحقد؟

د.محمد الباز
د.محمد الباز

- روى حكايات خيالية عن سجن زينب الغزالى كذبها يوسف ندا بعدها بسنوات
- لم أصدق ما قاله كشك عن فترة سجنه لأنه طوال الوقت يبالغ فى حديثه
- دخل السجن فى عهد ناصر بسبب حديثه عن الاشتراكية وليس لدفاعه عن سيد قطب


فى حياة كشك وعدوية تجربتان، يمكن أن نقرأ على هامش كل منهما ما خفى من ملامح وما تستر من آلام وما بدا من نتائج.
دخل كشك السجن مرتين.
ودخل عدوية بقدميه دائرة المرض التى بدأت بحادثة مروعة لا تزال حتى الآن لغزًا، رغم كثرة التفاصيل التى نشرت خلال ما يقرب من ثلاثين عامًا، فقد سقط مغشيًا عليه فى غرفة باردة بفندق بارد فى ٢٩ مايو ١٩٨٩، وفيما يشبه المعجزة عاد إلى الحياة، لكنه لم يعد أبدًا من بعدها كما كان.
هذب المرض عدوية، لكنه لم يفعل ذلك فى كشك أبدًا.
للتجارب القاسية مخرجان، فإما أن تخرج أكثر إنسانية وإما أن تكون أكثر توحشًا، عدوية خرج من مرضه أكثر إنسانية، واستسلم كشك لروح الحقد والانتقام، فأضافه إلى ما لديه من ميراث الحقد بسبب عماه، ميراثًا آخر من الحقد بسبب سجنه.
قد تحتج علىّ وتقول: أى إنسانية تلك التى كنت تريد أن يكون عليها كشك بعد سجنه وتعذيبه؟ ألم تقرأ ما كتبه وتسمع ما قاله عن جهنم التى كان فيها خلال سنوات سجنه؟ كيف لإنسان يتعرض لكل أشكال العذاب هذه أن يكف لسانه وقلبه عمن عذبوه؟
سأقول لك: لقد قرأت كل ما كتبه كشك عن فترة سجنه سواء فى مذكراته أو فى الحوارات الصحفية التى أجريت معه، وسمعت كل ما قاله تقريبًا عن الأهوال التى لاقاها فى السجن الحربى والسجون الأخرى، لكنى لم أصدقه أبدًا، ليس لأنه طول الوقت يبالغ فى حديثه، ولكن لأن ما قاله كان مخاصمًا للعقل والمنطق.
لا يمكن أن أبرر أى تعذيب فى أى عصر، لكننى أحاول أن أفهم فقط.
فى سجون عبدالناصر شهد المعارضون جميعًا، ومن كل الاتجاهات تعذيبًا وإهانة، وكان نصيب الإخوان ومن يشايعهم أكبر بالفعل، وكان هذا طبيعيًا، لأن الإخوان لم يدخلوا سجون عبدالناصر باعتبارهم معارضين سلميين، استخدموا الكلمة لإزاحته والإطاحة بنظامه، ولكن لأنهم كانوا معارضين مسلحين استخدموا السلاح وخططوا لقلب نظام الحكم، وقرروا أن يغتالوا عبدالناصر نفسه أكثر من مرة.
لم يكن عبدالناصر «فعلًا» أبدًا مع الإخوان، كان دائمًا «رد فعل»، سواء فى سجنهم الأول فى العام ١٩٥٤ بعد حادثة المنشية فى الإسكندرية، أو فى سجنهم الثانى فى العام ١٩٦٥ عندما قاد سيد قطب مخططًا لقلب نظام الحكم واغتيال عبدالناصر وإغراق القاهرة فى الفوضى حتى يسهل السيطرة عليها وحكمها.
ما الذى يجعلنى أستبشع رد فعل كشك على فترة سجنه؟
فى فترة مبكرة من عملى الصحفى، أجريت مجموعة حوارات مع رموز اليسار المصرى نشرتها مجلة «صباح الخير»، لفت انتباهى جدًا ما قاله الكاتب والناقد الكبير الراحل محمود أمين العالم.
سألته عن فترة سجنه، توقعت أن يتحدث بمرارة، أن يشير بحقد إلى الذين سجنوه وأهانوه وعذبوه، لكن خابت كل توقعاتى، وجدته يبتسم وكأنه يتذكر ما جرى، ودون مقدمات وضعنى أمام مشهد صاعق.
قال: تخيل أن أحدهم كان يمدنى على رجلى بقسوة، ولم أكن أبكى من قسوة الضرب، أو الإهانة التى لحقت بى، فأنا محمود أمين العالم بكل ما قدمته وكتبته وقرأته يحدث لى هذا.
حاولت أن أستوقفه، فلا بد أن هناك ما هو أهم من الوجع والقسوة والإهانة، جعله يبكى.
للمرة الثانية خابت توقعاتى، قال: كنت حزينًا لأننى لست إلى جوار جمال عبدالناصر وهو يحقق كل هذه الإنجازات وينفذ الأفكار التى كنا نكتب عنها ونطالب بها.
قلت له: وأنت؟ وحقك؟ وما جرى لك؟ ألم يجعلك تغضب من عبدالناصر أبدًا؟
رد بما اعتبرته أنا وقتها جنونًا، قال: أنا لست مهمًا، ما الذى جرى؟، تعرضت للأذى، للضرب، للإهانة، للتعذيب، ماذا يساوى ذلك أمام أحلام الملايين التى تحققت على يد عبدالناصر؟
أذكر أننى لملمت أوراقى وانصرفت بعد هذه الإجابة، لم أستطع استكمال الحوار أو استيعاب منطق صاحبه، لكن عندما كنت أقرأ ما يقوله الإخوان عما جرى لهم فى السجون، وما ردده كشك بطريقة منهجية منظمة عن زنازين عبدالناصر، قدرت الفارق الكبير، بين من تعرضوا للتعذيب فعليًا لكنهم ينكرونه، ومن تعرضوا ربما لأقل قدر من التعذيب، لكنهم أشعلوا النار فى الجميع، ولا يزالون يمنّون على المجتمع أنهم دخلوا السجون، وكأنهم دخلوها من أجل الناس، وليس بسبب أطماعهم وإجرامهم.
دخل كشك السجن مرتين، الأولى فى ١٩٦٦، وكان قد تم استدعاؤه أكثر من مرة للتحقيق، بسبب شكاوى ضده منتقدة أداءه فى المسجد، وبسبب ميله إلى جماعة الإخوان وأفكارها ومشروعها ومخططاتها، لكن فى كل مرة كان يطلق سراحه بعد التحقيق دون أن يتعرض له أحد بأذى.
فى العام ٦٦ كان النظام فى مواجهة حادة جدًا مع الإخوان وتحديدًا مع تنظيم سيد قطب، ادعى كشك أن المشير عامر أرسل إليه من يهدده، فإما حل دم سيد قطب أو السجن، وهو ما لم يكن منطقيًا، وأغلب الظن أن كشك دخل السجن لأنه أبدى تعاطفًا مع تنظيم القتلة، فهو فى هذه الفترة لم يكن على درجة من الشهرة أو التأثير، تجعل النظام يلجأ إليه لمثل هذه المهمة.
حاول كشك تصوير نفسه معارضًا ومشاكسًا، يقول إنه فى مارس ١٩٦٦ حضر حفلًا إسلاميًا فى جامعة عين شمس ضمن مجموعة من الدعاة، لكن هؤلاء الدعاة انصرفوا لارتباطات فى أماكن أخرى، سأله أحد الموجودين: هل الاشتراكية من الإسلام؟
يعلق كشك على ما جرى بما هو دال جدًا بالنسبة لى، يقول: رأيتنى أمام هذا السؤال واقفًا فى مفترق طرق، إما أن أقول الحق فأدخل السجن، وإما أن أنافق الحاكم فأدخل النار، وإما أن أقول لا أدرى فيؤول ذلك على أنه هروب من الإجابة، ولم يكن هناك بُد من أن أقول الحق، ولله عاقبة الأمور.
بصرف النظر عما قاله الشيخ كشك، والذى يعتبره كان خطرًا على منهج نظام عبدالناصر الاشتراكى، رغم أنه لم يكن ذا بال، فنحن أمام مجرد خطيب مسجد يتحدث فى ندوة، ودون أن يدرى كشف كشك عن السبب الحقيقى لاعتقاله.
يقول: قلت يا أيها السائل إن الإسلام نظام إلهى نزل به الروح الأمين على صاحب الرسالة العصماء، فهو وحى معصوم ينظم شئون الدنيا والآخرة، أما الاشتراكية فهى مذهب اقتصادى وضعى.
نصل إلى ما يهمنا، يقول كشك: تقبل المستمعون هذه الإجابة بقبول حسن، وحدث ما كنت أتوقعه؟
ما الذى كان كشك يتوقعه؟
يقول: نفذ القضاء فى اليوم الذى حدده صاحب العظمة والكبرياء جل جلاله، ففى يوم الخميس الموافق الرابع عشر من شهر أبريل ١٩٦٦ تم اقتحام المنزل، وكنت قد أعددت خطبة الجمعة بناء على ما حدث فى العراق، وهو قتل المشير عبدالسلام عارف، تمت عملية التفتيش ثم أُمرت بالذهاب مع هؤلاء، وقيل لى ساعتها خمس دقائق لن تزيد.
لم تكن خمس دقائق، فقد قضى كشك فى محبسه عامين و١٦ يومًا، فقد خرج فى ٣٠ مارس ١٩٦٨، وقد كشف لنا دون أن يقصد فى الغالب عن سبب اعتقاله الذى كان فى الغالب بعيدًا عن حكايته الأسطورية عن رفض تكفير سيد قطب أو غيره.
دخل كشك السجن أيام السادات أيضًا، لكنه لم يستمر كثيرًا.
يقول الشيخ: صليت العشاء يوم الأربعاء الثانى من شهر سبتمبر ١٩٨١، واستمعت إلى أسئلة المصلين، وذهبت إلى بيتى وأخذت أدرس العلم وأملى بعض الموضوعات فى كتاب قمت بتأليفه، وقد جعلت يوم الأربعاء يومًا للإملاء، وبعد أن انصرف أخى وصديقى عبدالرحمن الزينى الذى كان يقوم بالكتابة، ذهبت لأنام، وكان بجانبى طفلى مصطفى الذى بلغ الثالثة من عمره، وسرعان ما سمعت بالباب طرقات تكاد تصم الآذان صمًا، وفتحت الباب وإذا بهجوم عنيف بعدد كبير من الجند، وقد دخلوا البيت وأخذ كل موقعه فى أرض المعركة، دخلوا على سبعة أطفال أفزعوهم وأقلقوهم وكانت ساعات رهيبة.
بعد أيام قليلة اغتيل السادات، وخرج خصومه من السجن وكان من بينهم كشك، الذى لم يدخل السجن لبطولته، ولكن لتورطه فى تأليب المسلمين على المسيحيين وإشعال الفتنة الطائفية، الأمر الذى كان يفاخر به ولا يتنكر له أبدًا.
كان كشك ناقمًا على السادات بعد خروجه من السجن، كما كان ناقمًا على عبدالناصر، الفارق الوحيد أن نظام مبارك تحفظ على كشك تمامًا، فلم يمنحه فرصة للانتقام من السادات، بل أدخله حظيرته، على عكس نظام السادات الذى جعل من كشك رأس حربة لتشويه عبدالناصر ورجاله.
وإذا أردتم التأكد من ذلك فليس عليكم إلا أن تراجعوا بعض خطب الشيخ الذى قدم نموذجًا للافتراء وتلفيق الأحداث ونسج الحكايات حتى يصل إلى غايته، فليس مهمًا أن تكون كاذبًا، لكن المهم أن يصدقك الناس.
فى الخطبة رقم ٣١٩ التى ألقاها كشك فى ٢٥ مايو ١٩٧٩، يروى ما أرجو أن تحبسوا أنفاسكم وأنتم تستمعون إليه.
يقول كشك: كنت أطالع كتابًا لسيدة مسلمة تحت عنوان «أيام من حياتى»، هذه السيدة المسلمة تشرح لنا ما حدث لها فى زنازين السجن الحربى، عندما طلبوا منها أن تقر على شهيد الإسلام سيد قطب بأنه كان يتآمر على قتل الزعيم الملهم، وأبت أن تشهد زورًا، أدخلوها زنازين مليئة بالماء والبرد الشديد، فأبت أن تقول إلا ما يرضى الله، أشعلوا لها نارًا كهربائية فى زنزانة أخرى، وأحاطوها بشياطينهم يضربونها بالسياط لتدخل النار، ولكن الله قال لها يا نار كونى بردًا وسلامًا على أوليائى، وعلقوها من قدميها والسياط تمزق جسدها، لا طعام ولا شراب، حتى بلغ من افترائهم أنهم جوعوها ثلاثة أيام، وبعد ذلك أحضروا لها ربع رغيف وعليه بعض القاذورات من دورة المياه.
ودون أن يبتلع كشك ريقه، يقول: إلى هذا الحد والكلام تغلى منه الدماغ كغلى الحميم لكن الأشد من هذا، أن قائد السجن يومها وهو شمس بدران ونائبه حمزة البسيونى، والله يعلم أنه لا شمس ولا بدران، وإنما هو ظلام الإنسان، والله يعلم أنه لا حمزة فحمزة برىء من هؤلاء الثعالب الحمر، ماذا فعلوا بها؟
يجيب كشك: أصدر قائد السجن أمرًا بإحضار جندى يكون قويًا فى صحته، جلدًا فى جسده، ليدخل عليها ليلًا فى زنزانتها ويفعل بها الفاحشة غصبًا عنها، مهما كانت الظروف والأحوال، وجىء بأحد الجنود وأكل اللحم المشوى وشرب ما شرب، وقيل له بالأمر ادخل وافعل بهذه الحاجة، ازنِ بها، وأطفئت الأنوار فى الزنزانة، ووقف الصول صفوت على باب الزنزانة ليرفع تقريرًا إلى فرعون مصر، ودخل الجندى عليها زنزانتها وهى تستغفر الله بعد الصلاة، فلما رآها الجندى أصيب بالذهول، وقال: لا إله إلا الله... لا إله إلا الله.
لا يغادر كشك ما يقوله، يضيف ما هو أكثر، يقول: الجندى لم يتماسك نفسه عندما نظر إليها فوجد فى وجهها نورًا، وجد سيما السجود فى جبينها فسألها بلغته الريفية: لماذا جاءوا بك يا خالة إلى هذا المكان؟ قالت له يا بنى: لأننى أقول لا إله إلا الله، قال لها: أريد أن أكون مثلكم فى الصلاة، وبينما هى تعلمه كيف يصلى إذا بباب الزنزانة يفتح بعنف، وإذا بالصول صفوت الروبى ينزعه من الزنزانة انتزاعًا، ويرفع التقرير بالتفصيل إلى سيده شمس، وإذا بشمس يركله برجله فيخر الجندى شهيدًا بين يدى الله، ولم يقتصر الأمر على ذلك.
هل يمكن أن يصل الخيال إلى ما هو أبعد من ذلك؟
وصل بالطبع.
يكمل كشك مسيرته الخيالية فى النقل عن السيدة التى لم يفصح عن اسمها، ولست فى حاجة لتعرف أنها زينب الغزالى صاحبة كتاب «أيام من حياتى».
يقول: صدرت الأوامر من الجنرال حمزة البسيونى أن يأتى شاب آخر أقوى منه عودًا وأصلب منه جسمًا وأشد منه بأسًا، وجلس وأكل اللحم ليقوى الغريزة، وأمر البسيونى بأن يدخن شيئًا من الحشيش، ليدخل معها ويفعل بها الفاحشة مهما كانت الأحوال، كأنها معركة حربية، دخل الوحش فقالت له السيدة المؤمنة العزلاء التى ليس معها سلاح ولا عصا: يا أخى اتق الله فى عرضى، لا تهتك عرضى، لا تكشف عورتى، استر علىَّ يا أخى، وأخذت تردد «إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا»، لكنه لم يكن تقيًا، ولم يكن نقيًا، ولم يكن صفيًا، ولما رأت عزمه وتصميمه على أن يهتك عرضها، قامت إليه واقفة، وأقسمت بالله أن هذا الكلام حدث فى الزنزانة، خنقته بيديها وهو الجبار العنيد، فظل يتملص بين يديها حتى خر على الأرض ميتًا، صرع الإيمان الوحش، قتلت التقوى الذئب، خنقته بيديها، لم تكن معها سلاسل من حديد، ولم يكن معها سلاح، ولم يكن معها سوط، إنما كانت تحمل فى قلبها مدفعًا اشتمل على ثلاث وثمانين طلقة، هذا المدفع ليس من شمال الأطلنطى ولا من حلف وارسو، إنما هذا المدفع نزل به الأمين من فوق العرش إلى صدر الحبيب محمد، هذا المدفع لم يكن من طراز «الكارلو جوستاف» وإنما كان من طراز «يس، والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم» إلى أن وصلت إلى قوله تعالى «وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون»، وعندها ضغطت على الزناد، فانطلقت قنبلة شديدة الانفجار، أطلقها الواحد القهار.
لم تنته القصة بعد، يقول كشك: وجاء حمزة البسيونى وصفوت الروبى ليفتحا الزنزانة عليهما، ليريا دماء عرضها تسيل فى أرض الزنزانة، ولكن الله خيب ظنهما، فسألاها: أين الشاويش الذى دخل عندك؟ فقالت لهما: ارفعاه من الأرض فإنه صار جثة هامدة، ونقلاه ليدفناه، ليلقى الله مغضوبًا عليه.
لم أكن أحكى لكم حكاية من كتاب الأساطير، يمكن أن تجدوها بسهولة فى الجزء ٢٣ من سلسلة خطب كشك التى وضع اسمًا لها هو «هنا مدرسة محمد»، رغم أن ما فعله من إفك وبهتان لا صلة له بمدرسة محمد صلى الله عليه وسلم.
دعا كشك بعد أن انتهى من حكايته إلى أن يقرأ الجميع كتاب «أيام من حياتى»، ولا أستبعد أن كشك كان يعرف ما حدث فى هذا الكتاب تحديدًا، وهو ما كشفه بعد ذلك بسنوات طويلة يوسف ندا أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
كانت زينب الغزالى واحدة من قيادات تنظيم سيد قطب، تورطت فى التخطيط لقلب نظام الحكم، دخلت السجن، ولما خرجت أصدرت كتابها «أيام من حياتى» مسجلة فيه تجربتها فى السجن، لكن هل كتبت زينب الكتاب بالفعل؟
الواقع يقول إنها لم تفعل شيئًا من ذلك، تولى الإخوان عنها الأمر كله.
ما الذى جرى؟، اسمحوا لى أن أنقل هنا ما كتبه الكاتب محمد السعيد إدريس نقلًا عن المهندس أبوالعلا ماضى الذى انفصل عن الإخوان ثم عاد أيام وصولهم إلى الحكم.
يقول إدريس: أخبرنى المهندس أبوالعلا فى لقاء مشترك لنا فى مكتبه القديم بشارع قصر العينى قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ما أعتبره قنبلة بحق الإخوان، هذه القنبلة تتلخص فى أن الأستاذ يوسف ندا (أحد أكبر قادة وممولى الإخوان، مفوض العلاقات الدولية لتنظيم الإخوان، وحاصل على الجنسية الإيطالية ومؤسس بنك التقوى، وأحد المتهمين فى محاولة اغتيال عبدالناصر ١٩٥٤، والهارب خارج مصر لسنوات طويلة) قد زاره فى مكتبه، ويومها سأله أبوالعلا بين ما سأله، عن روايات تعذيب الإخوان فى سجون عبدالناصر وهل كانت صادقة وبأى نسبة؟ وما رأيه فى روايات التعذيب التى جاءت فى كتاب زينب الغزالى تحديدًا؟
لم يجب يوسف ندا، بل انفجر فى الضحك، وقال لأبوالعلا ماضى: أنا مؤلف هذا الكتاب، رد أبوالعلا مصعوقًا: كيف تؤلف كتابًا به كل هذه التلفيقات وأنت مقيم فى سويسرا بعيدًا عن تفاصيل أحداث ١٩٦٥ التى تحدثت عنها زينب الغزالى فى كتابها، أليس هذا محرمًا دينيًا؟ وبدلًا من أن يعترف يوسف ندا بخطئه، يرد بقوله: «اللى تغلب به العب به».
كان يوسف ندا واضحًا مع نفسه، قرر أن ينتقم من عبدالناصر، فقام بتلفيق كل هذه الأكاذيب، ووضعها فى كتاب باسم زينب الغزالى، ثم جاء كشك لينقل ما جرى، مؤكدًا لى ما ذهبت إليه من أنه لم يكن مجرد أداة فى يد السادات، بل كان سلاحًا من أسلحة جماعة الإخوان المسلمين.
لم يكن الشيخ كشك فى حاجة لأن يكون حيًا ليسمع ما قاله يوسف ندا عن أكاذيبه وأكاذيب زينب الغزالى، مؤكد أنه كان يعرفها، وإن لم تسمع أنت هذه الشهادة، فما عليك إلا أن تقرأ مرة أخرى الحكاية الساذجة التى رواها عن محاولة اغتصاب الحاجة زينب فى الزنزانة، وهى حكاية لا يمكن أن يصدقها عقل أو يقرها منطق.
لم يترك السجن فى نفس كشك إلا كل شىء سيئ، لم يرقق مشاعره، ولم يجعله أكثر تسامحًا، بل خلق منه وحشًا، قرر أن ينتقم من سجّانه، وليته فعل ذلك بالحق، لكنه سلك إلى سبيله طريق الأكاذيب والادعاءات والافتراءات، التى حتمًا سيحاججه بها عبدالناصر أمام الله، فالله ليس ملكًا لكشك وحده، ولكنه ملك لنا جميعًا.
كان يمكن أن يحول الشيخ أزمته إلى طاقة إيجابية، أن يراجع أخطاءه، أن يعتصم بالحق، لكنه خرج وقد قرر أن يهدم المعبد على رأس الجميع، صدقه كثيرون، سار خلفه كثيرون، لكننا لن ننخدع بما قاله، ولا بالحماس الذى فى حنجرته، فهو ليس إلا كاذبًا كبيرًا من الأنبياء الكذبة، الذين يبشرون الناس بالخير، رغم أن كل ما فى جوفهم شر... وشر مطلق.