رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدين والدولة فى فكر شهيد الكلمة «1-2»


فى يوم 8 يونيو الماضى احتفل دعاة الدولة المدنية بالذكرى الخالدة للمفكر الكبير الدكتور فرج على فودة الذى اغتالته يد الإرهاب فى 8 يونيو 1992، وفى ذكراه رأيت أنه من المناسب أن نذكر بعضا مما قاله هذا العملاق حيث إن ما كتبه منذ ربع قرن من الزمان

يتلامس مع واقعنا المعاصر اليوم، وقاتلوه كانوا يعتقدون أن بقتله سيموت فكره وتنتهى كلماته، ولكن بعد كل هذه السنوات ونحن نسترجع ما كتبه فى كتبه، نتيقن أنه كان يقرأ المستقبل جيداً، ومن ثم فهو سبق وتنبأ بالواقع المرير الذى نعيشه فى يومنا هذا، فشهيد الكلمة الدكتور فرج فودة كتب عدة كتب منها: الحقيقة الغائبة، زواج المتعة، حوارات حول الشريعة، الطائفية إلى أين؟، الملعوب، نكون أو لا نكون، الوفد والمستقبل، حتى لا يكون كلاما فى الهواء، النذير، الإرهاب، حوار حول العلمانية، قبل السقوط.

وفرج فودة لم يكن ضد الدين ولكنه كان ضد الأصولية الدينية، وضد الأحادية وضد السمع والطاعة فقال: «إن تنامى الجماعات الإسلامية وتيارات التطرف السياسى الدينى فى مصر، يعكس تأثير التربية والتعليم والإعلام فى مجتمعاتنا، حيث التفكير دائماً خاضع للتوجيه، والمنهج دائماً أحادى التوجه والاتجاه، والوجه الواحد من الحقيقة هو الحقيقة كلها... الأمر الذى يدعو إلى التفكير، وهو أمر جد مختلف عما يدفع إليه المنهج السائد إعلامياً، والذى لا يعرض من الحقيقة إلا الجانب المضىء، ولا يعلن من الآراء إلا رأياً واحداً، ولا يدفع المواطنين إلا إلى اتجاه واحد، وهو من خلال ذلك كله يهيىء الوجدان لقبول التطرف، ويغلق الأذهان أمام منطق الحوار».

وعن غياب المثقفين والقوى المدنية الحقيقية قال فودة: «تبدأ الدائرة المفرغة فى دورتها المفزعة، ففى غياب المعارضة المدنية سوف يؤدى الحكم العسكرى إلى السلطة الدينية ولن ينتزع السلطة الدينية من مواقعها إلا الانقلاب العسكرى، الذى يسلم الأمور بدوره، بعد زمن يطول أو يقصر، إلى سلطة دينية جديدة.. وهكذا، وأحيانا يختصر البعض الطريق فيضعون العمامة فوق الزى العسكرى كما حدث ويحدث فى السودان ».

وفرج فودة لم يكن ضد الإسلام كما زعم قاتلوه والمحرضين على قتله، ولكنه كان ضد خلط الدين بالسياسة، فهو قال: «لا أحد يختلف حول الإسلام/الدين، لكننا نتناقش ونجتهد حول: الإسلام/الدولة، الإسلام/الدين فى أعلى عليين، أما الدولة فهى كيان سياسى، وكيان اقتصادى، وكيان اجتماعى، يلزمه برنامج تفصيلى يحدد أسلوب الحكم وفى موقفه من العلمانية قال: «ليست العلمانية إنكاراً للأديان، وإنما هى إنكار لدور رجال الدين- بصفتهم رجال دين- فى إدارة سياسة الدولة أو توجيهها، لقد طالب فودة منذ أكثر من ربع قرن بفصل الدين عن الدولة، وكان يرى أن الدولة المدنية لا شأن لها بالدين. وكان يرى أن الدولة المدنية الحديثة لا سيطرة فيها لرجال الدين، لذلك قال فى كتابه «الحقيقة الغائبة»: إننا نقبل بمنطق الصواب والخطأ فى الحوار السياسى، لأن قضاياه خلافية، يبدو فيها الحق نسبياً، والباطل نسبياً أيضاً، ونرفض أن يدار الحوار السياسى على أساس الحلال والحرام، حيث الحق مطلق والباطل مطلق أيضاً، وحيث تبعة الخلاف فى الرأى قاسية لكونه كفراً، وتبعة الاتفاق والمتابعة قاسية أيضاً لمجرد كونها فى رأى أصحابها حلالاً، حتى وإن خالفت المنطق، بل حتى وإن خالفت الحلال ذاته ولم تكن أكثر من اجتهاد غير صائب تسانده سلطة الحاكم باسم الدين، ويؤازره سلطان العقيدة فى ساحة غير ساحتها بالقطع. وقال أيضا «إننا جميعا فى حاجة إلى إعادة توزيع الأدوار، ليتكلم رجال الدين فى الدين، و ليتكلم رجال السياسة فى السياسة، أما أن يرفع رجال الدين شعارات سياسية إرهابا، ويرفع رجال السياسة شعارات دينية استقطابا، فهذا هو الخطر الذى يجب أن ننتبه إليه». كما أكد فودة فى كتابه «قبل السقوط» أن فصل الدين عن السياسة وأمور الحكم، إنما يحقق صالح الدين وصالح السياسة معاً، وأن من ينادون بعودة الخلافة، إن أعجزهم الاجتهاد الملائم للعصر رفضوا العصر، وإن أعجزهم حكم مصر هدموا مصر.

والدكتور فودة وكأنه يقرأ الواقع الثقافى المخزى الذى تعيشه مصر فى هذه الأيام قال عن الأصوليين المتعصبين:«سيصرخون ضد الغناء، وسيغنى الشعب، سيصرخون ضد الموسيقى، وسيطرب الشعب، سيصرخون ضد التمثيل، وسيحرص على مشاهدته الشعب، سيصرخون ضد الفكر والمفكرين، وسيقرأ لهم الشعب، سيصرخون ضد العلم الحديث، وسيتعلمه أبناء الشعب، سيصرخون ويصرخون، وسيملأون الدنيا صراخا، وسترتفع أصوات مكبرات صوتهم وستنفجر قنابلهم، وتتفرقع رصاصاتهم، وسوف يكونون فى النهاية ضحايا كل ما يفعلون, وسوف يدفعون الثمن غاليا حين يحتقرهم الجميع، ويرفضهم الجميع، ويطاردهم الجميع».

الأمل معقود على المثقفين والمناضلين والمتمردين !!

■ راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.