رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناهد السيد تكتب: صلاح.. اخلع عنك بدنك

ناهد السيد
ناهد السيد

يحكى فى الحكمة القديمة أنه من قدر على خلع جسده ورفض حواسه وتسكين وساوسه وصعد إلى الفلك جوزى بأحسن الجزاء.. ورد ذلك فى إحدى رسائل إخوان الصفا، تلك الجماعة المتصوفة التى سخرت كل طاقتها للتأمل فى كل شئون الحياة والجسد والروح والطبيعة والوجود بأكمله، ورصدتها فى رسائل مفصلة تعدت الخمسين رسالة، لنتعلم منها كيفية التأمل من خارج النفس، والأمر ليس يسيرا كما تتخيلون فهو خاضع لطقوس روحانية معينة تؤهلك لهذا الانسلاخ من الجسد، لتفك قيد الروح وتنطلق لسعيها راضية، تصعد إلى الفلك الأعلى لتستقبل محبة الخالق وتنال بعضا من رضاه، وذلك الصعود بالنفس لا يتطلب أن تكون حكيما أو فقيها أو ساجدا عابدا ليل نهار، وإنما يتطلب محبة الله التى ينعم بها على من يراه صالحا لرسالاته، فليس مطلوبا منك أن تتشبه بهرمس مثلث الحكمة والتأمل والولوج للذات، ولا إدريس النبى الذى صعد إلى فلك زحل ودار معه ثلاثين سنة حتى شاهد جميع أحوال الفلك «ورفعناه مكانا عليا» ولا حتى وارسطاليس، الذى خلا بنفسه وخلع بدنه وصار كأنه جوهر بلا بدن داخلا فى ذاته خارجا عن جميع الأشياء حتى رأى فى ذاته الحسن والبهاء، لهذا كان المطلوب من اللاعب محمد صلاح أن يخلع بدنه، أن يمرر روحه إلى فلك الإله الذى اصطفاه واختاره ليكون رسالة للعالم بعد أن ظننا أن عصر الرسالات كان قد انتهى، فقد قدر له أن يتولى حقيبة الخلق والنوايا الحسنة، وأن يخطب فى الناس خطاب الرب بعنوان «أحسنوا.. تحصنوا» فقد ألقى به الله فى وجه العالم فجأة وعن قصد وعمد دون مساحة للتأويلات، حتى أصبح لا خلاف على كونه جاء بفضل الله وبخطة مدبرة منه، وقد أهله لتلك الرسالة وكشف الله لنا عن حكمته فى اختياره لنفس راضية ووجه صبوح ونية حسنة وتواضع رفيع.
ولعل هذا الاختيار أحدث رجة فى بعض النفوس وذكروا الله كثيرا وسبحوه وضربوا أكفهم تعجبا من خطته وحكمته وتدابيره، حتى أصبح محمد صلاح أيقونة للإيمان بحكمة الرب ولم يعد مجرد لاعب أو كيان مادى نتكئ عليه للفوز بالكأس، ولكن مشيئة الله حولت وجوده إلى مثل أعلى فى الفضيلة التى أراد الله أن نتبعها لنصبح من المقربين إليه.
وقد زادنا الله هدى لما أبدى صلاح تواضعه ورفعته فور اختياره وحتى الآن، وكأنه يؤكد حسن اختياره، ويمنحنا فرصة التشبه بصلاح والحفاظ على أرواحنا وممتلكاتنا من جواهر النفس الدفينة، لهذا صار كل شىء مدبرا بخطة من الرب محكمة الصنع حتى عندما انكسرت ذراعه، التى هى جزء من الجسد البائد، ساندته الأرواح والدعوات المخلصة، وتكاتفت بقبضة رجل واحد لتبطش بعدوه، وفى الوقت نفسه تشبثت بصلاح كرسالة للنصر من عند الله، ليس باعتباره جسدا أو قدما أو ذراعا، ولكنه أيقونة من الله ورسالة لنا لصفاء النفس، ليخلع كل منا بدنه فى حضرة الله ليدعو له بالشفا ليس باعتباره مجرد لاعب ولكن بوصفه نفحة لمصر من نفحات الرحمن، شأن سقوط المطر فى موجة حر قاتلة دامت سنوات حتى أصابنا الجفاف وصارت الأرض ربع عجاف، شأن امرأة عاقر رزقها الله بولد صالح، شأن نبتة أنبتت شجرة فى أرض بور، شأن نبع من المياه جرى بين شقى جبل، لم أقصد تأليه صلاح والعياذ بالله، فهو نفسه لا يدرى ماذا خطط له الرب، ولم يكن يحلم بما هو عليه الآن، ولكنى أراه مثل عصاة فى يد الإله يهش بها عنا غبار عمى البصيرة لندرك كم فينا من صفات حسنة ونوايا طيبة تؤهلنا أن نصبح استنساخا من صلاح فى كل مجالات حياتنا، فقط يقول الرب من خلاله أحسنوا لكى أحسن إليكم، سوف أمنحكم النصر إذا بادرتم بالخير والتفاؤل والعمل، احلموا تجدوا ما تبتغون، فقط اخلعوا عنكم أبدانكم وعاملوا الله بأرواحكم تجدوا ما يسركم، كونوا جميعكم محمد صلاح.