رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يمكن الحج إلى غير البيت الحرام فى مكة المكرمة؟!

جريدة الدستور

- مرشد الثورة الإسلامية فى إيران دعا للحج إلى كربلاء والنجف فى العراق
- بعض عشاق التصوف لا يجدون غضاضة فى قصد أضرحة الأولياء والطواف حول قبورهم


أواخر عام ٢٠١٦ دعا مرشد الثورة الإسلامية فى إيران «على خامنئى» المسلمين لأداء فريضة الحج فى العراق، ولعله يقصد أن تكون كربلاء والنجف الأشرف هى مقصد الحجيج، حيث الأعتاب المقدسة لأئمة الشيعة. وقد ردت هيئة كبار العلماء على الدعوة، وأكدت أن للحج زمانًا ومكانًا معينًا شرعًا، ولا يصح للمسلم أن يؤدى شعائره فى غير زمانه أو مكانه.
دعوة «خامنئى» تعكس أمرين، أولهما: وصول الصراع بين السنة والشيعة إلى ذروته، بل يمكننا القول بأنه بلغ ذروة حرجة تتطرق إلى صلب العقيدة، فمن المعلوم أن العديد من مناسك الحج وموضع شعائره محددة بنصوص قرآنية قطعية الدلالة، الأمر الذى يؤشر إلى أن الصراع بين الطرفين الشيعى والسنى بلغ مرحلة خطيرة. الأمر الثانى- وهو ما أريد أن أتوقف أمامه بنوع من التفصيل- أن الدعوة التى يتبناها «خامنئى» ليست جديدة، وقد لا أبالغ إذا قلت إنها تتمدد بأقدامها داخل بعض الدول الإسلامية، ومن بينها مصر.
بعض - وليس كل- أتباع الحركات الصوفية فى مصر يرون أن فريضة الحج ليست مشروطة بالأماكن المتعارف والمنصوص عليها شرعًا فى القرآن والسنة، بل يصح أن تنصرف إلى أماكن ومواضع ومواقيت لا ترتبط بـ«عرفة» ولا بيوم «عرفة». بعض البسطاء من المصريين من عشاق التصوف لا يجدون غضاضة فى قصد أضرحة الأولياء، خصوصًا من آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، والطواف حول قبورهم، وينظرون إلى هذا الأمر على أنه استلهام لفكرة الحج بما يتناسب مع قدرتهم المالية، ويرون أن قصد الأولياء، بما يصحبه من طقوس، هو ببساطة حج الفقراء. ولعلك تابعت ما سبق وكتبته عن جبل «الحميثرة» الذى يشد بعض المصريين الرحال إليه. فبعض أتباع الطرق الصوفية، خصوصًا الطريقة الشاذلية، يحتفلون بمولد أبى الحسن الشاذلى، لمدة أسبوع ينتهى يوم التاسع من ذى الحجة، ويبيتون ليلة هذا اليوم بالقرب من مقام «الشاذلى»، ثم يصعدون بعد فجر يوم عرفة إلى جبل «الحميثرة»، ويهبطون منه بعد غروب الشمس استعدادًا لذبح الأضاحى. ولعلك تابعت الدعوة التى تبناها «مفتى أستراليا» بوقف الحج والعمرة لمدة عام، واستبدال سيناء بمكة المكرمة، فى الحج إلى جبل الطور، الذى زعم أنه أقدس مكان على وجه الأرض، وأنه يمكن بذلك توفير مائة مليار جنيه سنويًا، هى تكلفة الحج والعمرة فى مصر، من أجل إنقاذ الفقراء. وتساءل صاحب الدعوة العجيبة: لماذا حج جميع الأنبياء إلى هذا المكان -أى جبل الطور- قبل أن يحج النبى محمد إلى مكة، ولماذا ذُكر جبل الطور ١٢ مرة فى القرآن؟ ولماذا تجلَّى الله وتكلم فى هذا المكان، دون غيره؟ ولماذا تسلم موسى الألواح فى هذا المكان تحديدًا؟ مشددًا على أنه «يجب أن نعلم قدسية وقيمة هذا المكان».
انظر إلى أى حد تشوه الظروف الاقتصادية تفكير البشر، وتدفعهم إلى القفز على نصوص قرآنية قطعية الدلالة. واضح أن الظروف القاسية تدمر عقل الفرد، فى الوقت الذى تدمر فيه نفسيته، إذ لست أجد أى معنى فى أن يأتى البعض مثل هذه السلوكيات، فيعتبرون أن شد الرحال إلى مساجد الأولياء أو الطواف حول قبورهم، أو صعود جبل مثل جبل «الحميثرة» فى يوم عرفات، هو نوع من «حج الفقراء». فالفقير ليس مطلوبًا منه أن يؤدى ركن الحج، بل إن الله تعالى قد أعفاه منه، مصداقًا لقوله تعالى: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا». وقد أجمع العلماء على أن القدرة المالية تعد بندًا مهمًا من بنود «الاستطاعة». هذا النوع من الأداء الناتج عن سفه الفقر، لا يعادله إلا الأداء الناتج عن «سفه الثراء»، وتلحظه لدى أصحاب النفوذ والجاه الذين لا يجدون مندوحة فى السفر للحج «بالمجان» أو بعبارة أخرى «على حساب صاحب المحل»، ولا يلتفتون إلى أنهم يأتون أمرًا إدًا.