رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «20»

محمد الباز يكتب: الشتّام الكبير.. كيف أسس كشك مدرسة الابتذال فى الدعوة؟

محمد الباز
محمد الباز

- هاجم الشيخ الحصرى وابنته ياسمين الخيام
- وصف نزار قبانى بـ«الشاعر الرقيع» وزعم أنه «لا أدب عنده ولا حياء»
- قال إن إحسان عبدالقدوس إذا أراد أن يكتب وضع الكأس عن يمينه وامرأة عارية أمامه

الذين عابوا على أحمد عدوية ابتذال الكلمات التى يغنيها، لم يستمعوا إليه فى الغالب، اكتفوا بما يتردد عنه، وقد يكون اهتمام الأجيال الجديدة بظاهرة المغنى الشعبى، لأنهم اكتشفوا أن الصورة الذهنية التى تم تصديرها عنه لم تكن حقيقية، بل ظلمت ما فعله.
لم تكن كلمات عدوية مبتذلة أو سوقية، ولكنها كانت غريبة، ولم تكن غرابتها فى المطلق، لكن يصح أن نقول إنها جاءت من مساحة بعيدة عن اهتمامات صناع الأغانى والملحنين، الذين قولبوا المشاعر والعلاقات الإنسانية فى مفردات محددة، كان من الصعب تجاوزها، ولما جاء من تخطاها تماما، كان لا بد من حصاره، واتهامه بأسهل اتهام وهو الابتذال والسوقية.
لم يكن عدوية مبتذلا، ولكن كان ابن ثقافته وبيئته وشارعه وناسه وقهوته وحارته، والغريب أنه عندما تبددت موجات الهجوم عليه، وجدنا أرقى المستويات الثقافية تستطعمه ويطيب لها أن تستمع إلى كلماته، على الأقل من باب أنها تلخص حكمة فئات فى المجتمع لا يمكن تجاهلها أو التعامل معها على أنها ليست موجودة من الأساس.
الكاتب الكبير أنيس منصور كان واحدا ممن انحازوا لعدوية، لكنه أدان كلماته واعتبرها نقطة ضعفه الكبرى، كتب هو عما جرى، يقول إنه احتار فى صوت أحمد عدوية، وقرر أن يغلق على نفسه باب مكتبه، ومعه جميع ألبوماته، يستمع ويتمعن فى الصوت والمستوى الفنى لهذا المطرب ولمدة ٢٤ ساعة متواصلة، وبعدها خرج بأن عدوية من أجمل الأصوات فى مصر، ولكن كل ما يعيبه هو كلمات أغانيه.
ظل عدوية يعانى من هذه «الوصمة» سنوات طويلة، لكنه تخلص منها عندما أصبح ما قدمه بعضا من الماضى، الذى تعتبره الأجيال الجديدة جميلا، لكن الشيخ كشك لم يسلم من هذه «الوصمة» أبدا، لأن كثيرا مما كان يردده من على منبره، كان عيبا كاملا، والغريب أنه لم يقر بذلك أبدا.
لم يكن الشيخ كشك متجاوزا فى حق الناس فقط، لأنه كان ينفذ أجندة خاصة به، تقوم على أن هدم المفكرين والمثقفين والصحفيين والإعلاميين والإذاعيين والفنانين والفنانات والمطربين والمطربات يصب فى مصلحة مشروعه ومشروع جماعته، لكنه كان أيضا مدلسا، عندما حاول أن يقنع الناس بأنه يفعل ذلك باسم الدين ولوجه الله، وتخيل أن هذا الداعية الدعى كان يروج بأن آيات السب والقذف التى كان يقذف بها الناس من فوق منبره تتفق مع صحيح الدين.
عندما سئل كشك فى أحد حواراته: أنت متهم باستغلال المنابر فى التعريض بالناس وتجريح الفنانين والهبوط بأسلوب الدعوة إلى الله إلى درجة متدنية؟
قال بمنتهى التبجح: أعلم وفقنى الله وإياك أن الناس نيام ويحتاجون إلى من يوقظهم وينبههم إلى دين الله، وأن دورنا كدعاة هو خلق حركة دينية تجدد شباب الأمة وتقودها إلى حيث النهوض، والأمة نائمة، الذى يتهمنى هذه الاتهامات لا يفهم ما أقول.
وحتى يوضح مقاصده وما يقوله، قال كشك، بمزيد من التدليس على الله وعلى الناس: إننى أتكلم عن الدين الإسلامى الذى من أساسياته الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهم يسمون النهى عن المنكر تجريحا، ولكنه ليس كذلك، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذكروا الفاجر بما فيه كى يحذره الناس.
منطق مغلوط تماما، فالنبى الذى يقول هذا الكلام إذا كان هذا يصح عنه، لم يكن شتاما ولا لعانا، لكن كشك يحاول أن يجعل من النبى قدوة له فيما يفعله، يقول عما فعله مع الفنانين والفنانات: أما عن الفنانين فهذا ليس بتجريح، ولكنه توجيه وإرشاد، لأن هؤلاء يمثلون أعلى الأصوات فى البلاد، وهم أخذوا كل ما يريدون، وإذا كنت قد تحدثت عن كلمات بعض الأغانى فلأن الكلمة لها وقعها، فإذا كان عبدالحليم حافظ يصف القدر بأنه أحمق الخطى، فهذا خروج على الإسلام ومنهجه القويم، كذلك هناك أغان ساقطة وكلمات ساقطة مثل «خدنى فى حنانك خدنى عن الوجود وابعدنى بعيد بعيد وحدينا»، فهذا خروج على الإسلام، لأنه ما خلا رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما.
لا يبدو لنا كشك هنا رجلا سويا، لا نفسيا ولا دينيا، فحتى لو تعاملنا مع هذه الكلمات على أنها تخالف الإسلام، وهى ليست كذلك، فليس منطقيا ولا معقولا أن تخرج أصحابها من الإسلام تماما، لكن الشيخ نصب نفسه قيما على المسلمين، يقول من هو المسلم ومن هو غير المسلم، ولأن من كانوا يسمعونه لم يخرجوا عن متوسطى الثقافة والتعليم، فقد انبهروا بطريقته، ولم يلتفتوا أبدا إلى خروجه هو على صحيح الدين وهو يتعامل مع من ينتقدهم أو من يعتقد أنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
الأكثر من ذلك أن كشك يدلس على الناس، ويحاول أن يتجاهل كل ما يقولونه عنه، فى حوار معه، سأله محاوره: هناك اتهام موجه إليك بأنك لا تلتزم بآداب الإسلام فى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأن أسلوبك يقوم على الهجوم والسب؟
فقال: من يقول ذلك لم يسمعنى ولم يرنى ولم يصل معى، لأن الخطبة كانت ساعة ونصف غير الدرس، «طب رايح أشتم قد إيه؟»، من يستطيع أن يشتم ساعة ونصف كل أسبوع، ده يبقى متربى تربية واطية قوى، دا يبقى متخرج فى كلية الشتيمة ولا مؤاخذة، وربنا يعنى عرفوه بالعقل، وهل يعقل إنى أطلع المنبر من أول ما أقول الحمد لله إلى أن أنتهى شتيمة يا ولاد كذا، يا ولاد كذا، وكل أسبوع كده.
وبفجر شديد يضع كشك أصلا شرعيا للشتيمة من القرآن الكريم، يقول نصا: أنا أخطب منذ ٣٥ عاما، ولكل مقام مقال، ربنا لما قال «فمثله كمثل الكلب» بيشتم، «كمثل الحمار يحمل أسفارا» بيشتم، «لم يخلقوا ذبابا» بيشتم.
هل يمكن أن يستوعب أحدكم هذا المنطق المنحط، حتى يبرر لنفسه شتائمه، يصف الله بأنه يشتم ويستدل على ذلك بالقرآن وما جاء فيه، فهل رأيتم إساءة إلى الذات الإلهية أكثر من ذلك؟.
لا يحتج كشك على الشتيمة فى حد ذاتها، لكنه يعترض أن تكون طول الخطبة التى تستغرق ساعة ونصف، فمن يشتم كل هذه المدة لا بد أن تكون تربيته واطية، رغم أن من يشتم أقل من هذا بكثير لا بد أن تكون تربيته واطية أيضا، لكنه لا يعترف بذلك.
لم يكن كشك يواصل سبابه ولعناته طوال مدة الخطبة، لكن كان لديه منهج واضح، فالخطبة الأولى، وهى الأطول، يخصصها لموضوعه، الذى كان فى الغالب يهتم فيه بالسيرة النبوية وسير السابقين، ثم يخصص الخطبة الثانية فى الغالب لتناول الشئون العامة والتعليق على الأخبار التى تنشرها الصحف، وفيها كان يتحرر تماما من أى أخلاق أو أصول أو أعراف أو احترام، للدرجة التى تتخيل معها أنه كان يتقاضى أجرا خاصا على الشتيمة وتناول الناس بما لا يليق.
دعكم من كلمات الأغانى، وما قاله عنها وفيها الشيخ كشك.
سأضع أمامكم بعضا من خطبه وكلماته عن بعض الشخصيات العامة، وبعد ذلك يمكن أن نحكم سويا، هل ما كان يفعله كشك أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، أم أنه كان سبا وقذفا ولعنا لا يرضى الإسلام عنه، ولا ترضى الفطرة السوية به.
لقد تعرض كشك تقريبا لكل الفنانين والمطربين والمطربات، خاض فى سيرة الكتاب والمثقفين والمفكرين، ويمكن لو فتحنا القوس لنضع داخله أسماء من تعرض لهم، لما استطعنا أن نغلقه اليوم أو غدا، لكنها مجرد أمثلة فقط.
فى الخطبة رقم ٣٥٥، التى ألقاها كشك فى ٢٢ فبراير ١٩٨٠، يوجه كلامه لإحسان عبدالقدوس قائلا: أرجوك أعطنى هذا الدواء، أرجوك، أى دواء تريد؟ يا صاحب النظارة السوداء، يا صاحب الوسادة الخالية يا عبدالقدوس، تريد دواء الانحلال؟ تريد دواء المخالطة؟ تريد دواء الفجور؟.
يتعرض كشك لإحسان عبدالقدوس مرة أخرى، فى الخطبة رقم ٢٥٥، التى ألقاها فى ٢٩ يوليو ١٩٧٧، وكان يحتج على فيلم الوسادة الخالية، وإذا به يقول عن إحسان عبدالقدوس: الوسادة الخالية فيلم رقيع ساقط، فى أدب الفراش، مؤلفهما إذا أراد أن يكتب، وضع الكأس عن يمينه والوتر عن شماله، وامرأة عارية أمامه، ثم تخيل وكتب.
وفى الخطبة رقم ١٧٤، التى ألقاها كشك فى ٢١ مايو ١٩٧٦، يقول: سألنى أحد الجامعيين عن أن أحد الذين يكتبون فى الصحف كتب يؤيد الأغنية الخليعة، التى ألفها الشاعر الرقيع نزار قبانى، وقال فى أحد أبياتها: مات شهيدا يا ولدى من مات فداء للمحبوب، كتب الصحفى يقول إن هذا المعنى أيده الرسول فى قوله: من أحب فعف فمات شهيدا.
ويعود كشك إلى نزار قبانى مرة أخرى، فى خطبته رقم ٣١٣ التى ألقاها فى ١٣ أبريل ١٩٧٩، يقول عنه: كلنا يعلم أن نزار قبانى شاعر رقيع صفيق منحل، لا أدب عنده ولا حياء، هو الذى قال فى أغانيه: وبدون أن أدرى تركت له يدى لتنام كالعصفور بين يديه، انظروا إلى هذا المشهد، لتنام كالعصفور، ولو أنصف لقال لتنام كالصرصار، بين يديه.
تعرض كشك لمصطفى أمين فى خطبته رقم ٢٥٩ التى ألقاها فى ١ مارس ١٩٧٨، قال نصا: الكاتب الكبير مصطفى أمين تحت عنوان «ذكرى» كان حزينا يوم الثلاثاء الماضى كل الحزن، قلت لماذا؟ هل ضاعت القاهرة؟ هل دخل اليهود إلى القاهرة؟، هل احتلوا ميدان التحرير؟ لماذا يحزن الكاتب؟ أتدرون لماذا حزن أبودرش؟ لأنهم قد أحالوا سميحة أيوب للمعاش! قال مصطفى: إذا استطعتم أن تحيلوا الشمس والقمر إلى المعاش، فأحيلوا الممثلين إلى المعاش، قلت فى نفسى يا مصطفى لقد أحلنا السجون وأحيل بعضنا إلى حبال المشانق يا أبادرش فأين كان قلمك؟.
من بين الصحفيين الذين كان كشك يرصدهم ويترصد لهم موسى صبرى، ولم يكن يفعل ذلك من باب النقد فقط، ولكن لأنه أيضا مسيحى، فى الخطبة رقم ١٧١ التى ألقاها فى ٢٣ أبريل ١٩٧٦، يقول: إنه العجب لما قرأت هذا الأسبوع، اقتراح لعبقرى من عباقرة مصر، تحت عنوان مواطن من الدرجة الثانية، وجاء فى جريدة الأستاذ «المسيو جرجس موسى صبرى أخنوخ»، كتب جرجس موسى صبرى يوم الأحد اقتراحا لموظف فى إدارة الامتحانات، قال فيه، من أنجب ولدا رابعا فيجب اعتباره من الدرجة الثانية، مواطنا من الدرجة الثانية، ثانيا: هذا الولد الرابع يحرم من مجانية التعليم، ومن العلاج بالمجان، ثالثا: هذا الولد الرابع يحرم من جميع الخدمات بالمجان.
يصل كشك إلى مقصده أكثر، يقول: والظاهر أن المستر موسى يقود اليوم حملة لتحديد نسل المسلمين، الذى يرزق بمولود، ويكون هذا المولود رابع المواليد، أبوه يعتبر من الدرجة الثانية، يعامل معاملة اليهود، أتى بجناية، جناية لا تغتفر، أبوه يعتبر مواطنا من الدرجة الثانية، هذا المولود الرابع يحرم من التعليم مجانا، ومن العلاج مجانا، ومن الخدمات المجانية، لو كان هذا الرابع كلبا، ما جاز لك يا جاهل أن تقول هذا الكلام.
فى الخطبة رقم ٣٨٣ التى ألقاها فى ٣ أكتوبر ١٩٨٠، تعرض كشك للشيخ الحصرى وابنته المطربة ياسمين الخيام، قال الواعظ: زاد أسفى لما قرأت على غلاف المصحف أسماء الذين راجعوه، فوجدت الذين راجعوه سبعة من أصحاب الفضيلة، من أصحاب العمائم البيضاء، سبعة من المشايخ على رأسهم الشيخ عبدالفتاح القاضى والشيخ محمود خليل الحصرى.
يمسك كشك برقبة الشيخ الحصرى، فيقول عنه: الشيخ الحصرى من ضمن المراجعين، ولست أدرى كيف سولت لهم أنفسهم أن يزوروا على غلاف كتاب الله ويقولوا راجعه فلان وفلان وفلان؟ سبعة وثامنهم كلبهم، سبعة راجعوه، ولست أدرى لو لم يراجعوه ماذا كان يحدث فيه، لو لم يراجعوه.
وينتقل كشك من الحصرى إلى ابنته ياسمين الخيام، يقول: الشيخ الحصرى الذى نشرت له جريدة الجمهورية كلمة، والله لو كنت مكانه وقرأتها لأغلقت على نفسى باب حجرتى وظللت أبكى حتى ألقى الله، كتبت جريدة الجمهورية تقول: الشيخ محمود خليل الحصرى، شيخ المقارئ المصرية، يهدى لابنته المطربة ياسمين سيارة من طراز «بويك» فى عيد ميلادها. وبعد أن يخلص كشك من الحصرى يصعد على كتف الشيخ الباقورى، يقول: أى شىء جرى للمشايخ حتى يذهب الباقورى، الباقورى الذى تعتز به الدولة، يذهب إلى الأنبا صموئيل، أنبا الخدمات، ويخلع عمامته البيضاء، ويضعها على رأس صموئيل ويخلع عمامة صموئيل السوداء ويلبسها، وهو يقول: الشيخ والقسيس قسيسان، وإن تشأ فقل هما شيخان، يا سيدى وإن تشأ فقل هما شيخان، لبست العمامة السوداء يا شيخ أسأل الله أن يسود حياتك، لبستها يا شيخ، أيامك سود، لا يا سيادة الوزير الأسبق، إنها العقيدة، والله لن يكون الشيخ قسيسا، ولن يصير القسيس شيخا أبدا.
سيجد كشك من يدافع عنه فيما يقوله، وسيجد أيضا من يدينه بشكل كامل، فما يقوله عن الناس وما يصفهم به، لا علاقة له بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إطلاقا، لكن ما يهمنى هنا ليس الدفاع عنه ولا الهجوم عليه، ولكن سأحاول معك قراءة ما يقوم به، واسمح لى أن أضع بين يديك نقاطا محددة.
أولا: يتعامل كشك بجهل شديد مع من يتحدث عنهم، خذ مثلا ما قاله عن إحسان عبدالقدوس الذى لا يكتب إلا والكأس فى يمينه والوتر فى شماله وامرأة عارية أمامه كما افترى عليه بالباطل الشيخ الذى من المفروض أن يتحرى الصدق فيما يقوله.
لم يكن كشك فيما يبدو يعرف شيئا عن واحد من أهم كتاب مصر وصحفييها، حتى رواياته التى يحلو لكشك أن يتعامل معها على أنها أدب فراش، كان إحسان فيها أخلاقيا جدا، وما لم يكن يستوعبه كشك أن إحسان كان متدينا ويصلى باستمرار، وكان هناك نقاد كثيرون يتهمونه بالرجعية والانغلاق، لأنه يحكم على أبطال روايته طوال الوقت أحكاما أخلاقية، لكن حتى لو كان كشك يعرف بعضا من ذلك، ما تراجع عما قاله.
الجهل يتبدى فيما قاله الداعية الدعى أيضا عن الذين يراجعون المصحف الشريف، وكان من بينهم الشيخ الحصرى، ولأن كشك كان ينقم عليه سماحه لابنته ياسمين الخيام بالغناء، فقد سخر من مراجعته المصحف، كاشفا بذلك عن جهله الشديد، فالمراجعة هنا ليست للقرآن المحفوظ، فقد نزل من الله وثبت فى القلوب، لكنهم يراجعون المنشور من الآيات، ففى كثير من طبعات المصحف توجد أخطاء كثيرة، وهى أخطاء بشر لا بد من مراجعتها، لكن كشك كعادته لا يلتفت إلا لما يعتقد أنه صحيح.
ثانيا: يتمتع كشك بذائقة فاسدة تماما، يسخر مما يكتبه نزار قبانى، يتهمه بأنه شاعر رقيع، وهو ما يؤكد أزمة الدعاة ومن يمتهن مهنة الدعوة عموما مع من يتعاملون مع المرأة أو يكتبون عنها بتحضر ورقى، ولذلك عندما يسخر كشك من صورة شعرية رائعة كتبها نزار قبانى «تركت له يدى لتنام كالعصفور بين يديه»، عليك أن تتأكد أنه رجل بلا أدنى ذوق، ولا قدرة لديه على الاستمتاع بالخيال.
ولن أعارضك إذا قلت لى إن عدم قدرة كشك على الاستمتاع بالخيال هى التى جعلت منه هذا الكائن المشوه الذى بدا بكل هذا القبح وهو يقف على المنبر.
ثالثا: لا تخلو فلسفة كشك فى الهجوم على الشخصيات العامة من مساحة الانتقام، وقد رأيتم ما فعله فى الرئيس جمال عبدالناصر، لكنه من وقت لآخر يهيل التراب على كل من عارضوا الإخوان أو خرجوا عليهم، يتضح ذلك مما ألمح به فى حق الشيخ الباقورى، الذى خرج على الإخوان وأصبح وزيرا من وزراء ثورة يوليو، وهو الخروج الذى لم تغفره له الجماعة أبدا، فكان طبيعيا أن يأتى بوقهم ولو بعد سنين طويلة ليشوه صورة الشيخ.
رابعا: من بين ما كان يفعله كشك ويحرص عليه ويجعل منه دينا، الافتراء التام على خصومه، أو من جعل منهم كذلك، وتأمل ما قاله لمصطفى أمين مثلا، يتجاهل تماما أنه كان سجينا هو الآخر فى الفترة، التى كان فيها كشك سجينا أيضا فى الفترة من ٦٦ إلى ٦٨، فكيف يقول له إنه لم يكتب شيئا وهم سجناء؟، إنه يريد أن يدين كل من يكرههم، حتى لو كانت الإدانة بالباطل الكامل.
خامسا: كان يمكن لكشك أن يهاجم موسى صبرى، أن يرفض فكرة طرحها والسلام، لكن وهو يفعل ذلك يصر على أن يكون طائفيا بغيضا، يذكر اسمه الكامل، ليقول للناس إنه مسيحى، ثم تكون لديه مساحة من الكذب يدعى فيها أنه يريد أن يحدد نسل المسلمين، وفى ذلك تحريض دينى واضح جدا.
الغريب أن كشك كان ينكر أنه يقترف كل هذه الآثام، ويتعامل على أنه داعية يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذه كانت مشكلته، ومشكلة كل من يفعلون مثله، ويسيرون على طريقه بضلال إلى يوم الدين.