رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوى.. موعد مع عمر التلمسانى

جريدة الدستور

- «الإخوان» تحاول استقطاب العناصر الجديدة عبر «موائد الطعام»

على موائد الطعام يتم إبرام الصفقات وإتمام التحالفات عند الإخوان، وعلى موائد الطعام يتم جلب الأنصار وتجنيد الأفراد الجدد، ويالحظ من يقوم بتجنيده أحد القيادات الكبرى للجماعة، وقتئذ يسهل لهذا الأخ الجديد أن يلتقى المرشد والمشهورين من شيوخ الجماعة وأقطابها، وعندئذ يعتقد هذا الأخ الجديد أنه أصبح أخًا إخوانيًا، وفى الحقيقة قد لا يكون.

كان من حظى أن وقعت فى حبائل أحد القيادات التاريخية للجماعة وهو «الحاج سعد لاشين»، ثم كان من طرق تحبيبى فى الجماعة والجلوس معه على موائد الطعام، وكنت أتعجب من هذا الاهتمام المبالغ منهم بشخصى، فأنا إذ ذاك كنت فى بداية الشباب طالبًا فى السنة الثانية بكلية الحقوق، وعندما كان الكبار من أفراد عائلتى يجتمعون فى المناسبات، كنت أجلس منهم فى طرف قصىّ لا أكاد أُبين، ولا يمكن أن أبادر الكبار بالحديث، ولكننى ألتزم الإنصات لأحاديثهم باهتمام، ولا ينبس فمى بكلمة، اللهم إلا إذا ما وجه لى أحدهم سؤالًا فكنت أرد باقتضاب شديد، وفى كليتى كان الأستاذ أستاذًا صاحب مهابة ووقار، عندما تلوح لى فرصة للحديث مع أحدهم كنت أتكلم بصوت منخفض وبإيجاز، وكانت أعظم أيام تلمذتى فى الحقوق يوم أن أتيحت لى الفرصة لإجراء حوار صحفى مع عميد الكلية الدكتور سليمان الطماوى، أحد أساطير القانون الإدارى فى مصر، حيث إننى كنت أحد مؤسسى صحيفة كلية الحقوق، التى أطلقنا عليها «العدالة».
الآن وأنا فى الصف الثانى من كلية الحقوق يجلس معى الكبار، ليسوا كبارًا فحسب، ولكن أخبارهم تُنشر فى الصحف، وصورهم تظهر بين الحين والآخر، أقرأ مقالاتهم فى الأعداد الجديدة لمجلة «الدعوة» التى كانت قد عادت للصدور، وبعضهم كان مقربًا من حسن البنا، مؤسس الإخوان. هؤلاء الكبار يتحدثون معى كأننى صديق لهم، يتبسطون فى الحديث ويكثرون من إطلاق النكات والإفيهات والقفشات، ثم يأخذون رأيى فى أمور أراها عظيمة الأهمية، بغض النظر عن أن رأيى الذى كنت أبديه لهم لم يكن إلا كما يقولون فى الشرقية «كلام ابن عم حديت»، وعلى مائدة الطعام قال لى الحاج سعد لاشين: «قريبًا سأجعلك تقابل فضيلة المرشد الأستاذ عمر التلمسانى إن شاء الله»، ثم عاد يحدثنى عن سبب عدم تأييد الإخوان الأستاذ إبراهيم حلمى فى الانتخابات فقال: «قبل انتخابات العام الماضى ١٩٧٦ بكذا شهر، أراد الإخوان إقامة دعوى قضائية لإلغاء قرار مجلس قيادة ثورة يوليو (النكسجية)- هكذا كانوا يسمونها- الذى قرر حل جماعة الإخوان، وكان أخونا الدكتور عبدالله رشوان- وهو من المحامين الكبار- قد جهَّزَ صحيفة دعوى رأى فيها أن نرفعها أمام محكمة مدنية، لكن بعض الإخوة من المحامين اختلفوا وقالوا هذه الدعوى ترفع فى محكمة القضاء الإدارى، فما كان من البعض إلا أن قال نذهب بالقضية للأستاذ محمد كمال عبدالعزيز وهو من المحامين الكبار فى مصر، لكن أخانا محمد هلال الذى كان معى عندما قابلتك فى الإسكندرية رأى أن نذهب بها لزوج خالتك الأستاذ إبراهيم حلمى لأنه مشهور ببراعته، ولأننى صديق وجار لزوج خالتك، لذلك طلب منى الإخوان أن أذهب مع محمد هلال أثناء عرض القضية عليه فأخذنا معنا تلميذًا من تلاميذ زوج خالتك اسمه محمد المصرى وهو من إخوان أنشاص».
وظل الحاج سعد يحكى لى تفاصيل كثيرة وأسماء كثيرة، وانتهى من حكايته بأن قال لى: «إن الأستاذ إبراهيم وافق بعد إلحاح على قبول القضية، ولكنه اشترط ألا يشاركه أحد من المحامين فى القضية، وطلب أن يأخذ أتعابًا كبيرة فى القضية حددها بمبلغ خرافى، وعندما عدنا لفضيلة المرشد بما حدث، رفض شروط زوج خالتك، والحقيقة يا ثروت هو أحرجنى حرجًا كبيرًا أمام المرشد، لدرجة أننى عدت إليه مرة ثانية وأخذت (أتحايل) عليه ومعى تلميذه محمد المصرى الذى انحنى وقبل يده ليقبل القضية بشروط الإخوان، لكنه للأسف رفض، وهذا الأمر تمت ترجمته عندنا على أن إبراهيم حلمى يتعالى على الإخوان، وبعد هذا الأمر جاء موعد الانتخابات فرفض أن يموِّل حملة الإخوان الانتخابية، فصدر قرار من المرشد بأن نقف مع الحاج عبدالغنى محمود لأجل خاطر الشيخ عبدالحليم شيخ الأزهر».
كان سعد لاشين يحكى لى تلك القصة وكأنه يحكيها لصديق مُقرَّب، وها أنذا أقف فى هذا الموضوع وقفة الحكم الذى عليه أن يُبدى رأيًا فى تصرف زوج خالته مع الإخوان، فقلت للحاج سعد: «الحقيقة يا حاج أنا لا ألتمس عذرًا للأستاذ إبراهيم، هو غلطان قطعًا».
فقال الحاج: «يا سلام عليك يا ثروت بتفهم صح»، ثم أضاف: «على فكرة كنت عاوز أقول لك بشرى، الأستاذ عمر التلمسانى هايقابلك بكرة»، وكانت مفاجأة.