رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضفدع القطرى لن يصبح ثورًا


بعد عام من المقاطعة الرباعية التى كبدت دويلة قطر مئات المليارات، وجعلت شعبها يعيش فى عزلة غير مسبوقة، يبدو أن حكام هذا البلد لم يتعلموا الدرس جيدًا، ولذلك فهم مستمرون فى غيهم وفى أحلامهم التى تذكر بحكاية الضفدع الذى يحلم بأن يصبح ثورا، وهو نفس الوصف الذى استخدمه الكاتبان الفرنسيان كريستيانو شينو، وجورج مالبرينو فى كتابهما الصادر فى عام ٢٠١٣ بعنوان «قطر: أسرار الخزانة».
الحكاية القديمة تقول إن ثورًا ذهب إلى بركة فدهس ضفدعا صغيرا، فأخبر إخوته أمهم بما حدث وقالوا لها إن وحشًا ضخمًا جاء إلى بركتنا فقتل شقيقنا، فنفخت الأم أوداجها -كعادة الضفادع- وقالت لأولادها «أكان فى حجمى؟»، فقالوا لها بل أكبر بكثير، فأخذت تنفخ جسمها أكثر وهى تسألهم أكان أكبر من هذا؟، وهم يردون قائلين «بل أكثر» وظلت الضفدعة تنفخ نفسها مرات ومرات، حتى انفجرت.
وقديما كانوا يحكون هذه القصة لأطفالهم حتى يعلموهم ألا يحاولوا فعل المستحيل، ويبدو أن حكام قطر لم يجدوا من يرويها لهم وهم صغار، فاعتقدوا أنهم قادرون على تحويل دويلتهم إلى قوة عظمى، رغم أنها لا تملك سوى المال فقط، لذلك سارعت كى تلعب أدوارا فى إدارة العديد من الملفات فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمدت أصابعها لتلعب بخبث فى ملف الصحراء المغربية وفى الملف الليبى بداية من تمويل ضرب ليبيا وإسقاط نظام القذافى ومحاولة اغتيال سيف الإسلام القذافى ودعم الجماعات المتطرفة (تنظيم الدولة والإخوان) فى شرق ليبيا، وفى الأزمة بين الحكومة السودانية ومتمردى دارفور ومحاولات زرع الفتنة بين السودان ومصر بصور عدة، وفى الصراع بين السلطة الفلسطينية وحماس، كما افتتحت مكتبا لحركة طالبان الأفغانية فى الدوحة فى يونيو ٢٠١٣.
وقد قدر حجم الأموال القطرية التى تدفقت إلى بلدان ما عرف بثورات الربيع العربى بأكثر من ١٧ مليار دولار، منها ما يصل إلى ٩ مليارات دولار لحكومة الإخوان فى مصر، وأكثر من ٣ مليارات فى دعم الفصائل الليبية، كما أنفقت نحو مليارين فى تونس وقرابة ٣ مليارات للتدخل فى الصراع الدائر فى سوريا.
وقد كشفت مؤخرا عن وثيقة أظهرت تعاقد قطر مع مرتزقة أفارقة من نيروبى، لتنفيذ مخططات تدميرية ضد الرياض وأبوظبى، وأن الدوحة تورطت فى محاولة اغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، كما كانت وراء مخططات اغتيال السياسيين والعسكريين العرب المناهضين للإخوان المسلمين، كمحاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واغتيال رئيس أركان الجيش الليبى اللواء عبدالفتاح يونس والسياسى الليبرالى التونسى شكرى بلعيد.
كما كانت اليمن مسرح عمليات خصبا للمؤامرات القطرية، حيث لعبت دورا فى «حروب صعدة الست» فى اليمن ضد الحوثيين منذ منتصف ٢٠٠٤ حتى ٢٠٠٩ بدعم جماعة الحوثى وظلت تقدم لهم الدعم حتى قبل المقاطعة فى العام الماضى، إلى جانب دعم الإخوان المسلمين هناك، والأدهى من ذلك أن الدوحة قامت بنقل ٦٠ يهوديًا يمنيًا إلى إسرائيل، فى شتاء ٢٠١٣، على متن طائرة قطرية إلى مطار بن جوريون فى تل أبيب.
لقد أنفقت قطر مئات المليارات من أجل تحقيق زعامة لم ولن تتحقق، وقد فشلت المنظومة الإعلامية التى أنفقت عليها الكثير والكثير، والمكونة من قناة الجزيرة وعدد من القنوات والمواقع الإخبارية وكتائب الذباب الإلكترونى المنتشرة حول العالم، فى تحسين وجه الضفدع، وأصبحت أغلب دول العالم تدرك أن قطر واحدة من أكبر الدول الداعمة للإرهاب، وقد انتهى الأمر بها منذ عام إلى أن تصبح مقاطعة من أغلب جيرانها.
وطوال عام مضى لم يفكر حكام هذه الدويلة المارقة فى البحث عن أى حلول، بل سعوا إلى استخدام كافة الأساليب لتعميق الأزمة وتعقيدها، بداية باستدعاء للحرس الثورى الإيرانى والجنود الأتراك لإقامة القواعد العسكرية على أراضيها، مما يعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن الخليجى، مرورًا بالاستخدام السيئ للإعلام، والاستخفاف بالوساطة الكويتية وانتهاءً بقيام سلاح الجو القطرى بخرق القوانين الدولية المنظِّمة لحركة الطيران واعتراض طائرات مدنية إماراتية تحلق فوق المياه الدولية ضمن إقليم البحرين.
ولأنهم لا يملكون سوى المال فقد مضوا فى استخدامه، معتقدين أنهم سينتصرون به على أشقائهم الذين ضاقوا ذرعا بحماقاتهم، فأعلنوا عن شراء ١٠٪ من أسهم ناطحة السحاب إمباير ستيت الأمريكية، المكونة من ١٠٢ طابق، بقيمة ٦٢٢ مليون دولار، كما أعلنوا أن شركة الخطوط القطرية تعتزم شراء ١٠٪ من رأس مال الخطوط الجوية الأمريكية وهى أكبر شركة طيران بالعالم، كذلك وقعت قطر صفقة بقيمة ١٢ مليار دولار لشراء ٣٦ طائرة مقاتلة من طراز «إف-١٥» من الولايات المتحدة الأمريكية، واشترت من فرنسا ١٢ طائرة «رافال» و٣٦ مقاتلة أخرى و٥٠ طائرة إيرباص، كما اشترت ٢٤ طائرة مقاتلة من طراز تايفون من بريطانيا، و٢٨ طائرة هليكوبتر إيطالية من طراز «إن إتش ٩٠». خلال عام من المقاطعة أنفق حكام قطر آلاف المليارات على شراء الأسلحة والعقارات والمنقولات كرشاوى سياسية، واستقدموا المرتزقة من إيران وتركيا ليعيدوا بلدهم تحت راية الاحتلال من جديد، وأصبحوا بلدا من دون إرادة سياسية، لأن قرارهم تتحكم فيه واشنطن فى المقام الأول ثم طهران وإسطنبول، مع أن الحل كان أسهل من ذلك بكثير، وهو التوقف عن التدخل فى شئون الجيران.
بعد عام من المقاطعة لم يكتسب الضفدع القطرى قوة الثور، ويبدو أنه اكتفى بأن يتصف بغبائه.. فهنيئا له به.