رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب: كذبة «هتكسب كتير لو صليت على النبى دلوقتى»

محمود خليل
محمود خليل

- من لا يعلّمه رمضان التقوى فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش
- الدعاء إذا لم يكن مشفوعًا بعمل فلن يجُدى الإنسان شيئًا

الدعاء مخ العبادة، هذا كلام صحيح. والقرآن الكريم يقول: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ».. صدق الله العظيم.
من هذا المنطلق تتحول البرامج الدينية، وكذا المساجد، فى رمضان والأعياد وأيام الجُمع، إلى منتديات للدعاء، حيث يأخذ الداعية أو الإمام أو الشيخ فى تلاوة الأدعية ومن ورائه الناس يرددون: آمين «أى اللهم استجب».
تسمع فى هذه الأدعية ألوانًا من الأحلام والطلبات تبدأ بطلب الرضا والقبول، لتمر بعدها إلى الدعاء بالشفاء من العلل والأسقام، وترويق البال وهداية الحال، وتوسيع الرزق، وحفظ البلاد والعباد، وتنتهى بطلب النصرة على الأعداء المتربصين بنا من كل حدب وصوب، وقد يتطرق الأمر إلى الشأن الخارجى، حين يتوجه الداعى إلى الله راجيًا نصرة إخواننا فى بورما وفلسطين والعراق، وأن يهدّ جيوش الكفار والآبقين المارقين الذين يولغون فى دمائهم.
تتوازى مع حفلات الدعاء فى البرامج والمساجد حالة جديدة من الهوس بما يمكن وصفه بـ«الاقتحام الافتراضى» لمستخدمى الـ«فيسبوك» تدعو إلى الاستغفار والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم. الاقتحام يتم عبر تدوينات يتم تشييرها ونشرها أو رسائل عبر «الإنبوكس» تدعو إلى نشرها لكل من يفتح صفحته من أصدقائك. وتحتال التدوينات بكل ما تفتقت عنه قريحة أصحابها من وسائل لإقناع مستقبل التدوينة أو الرسالة بفعل ما يطلب منه، مثل «السرطان أخطر مرض يهدد الإنسان.. تعالوا نستغفر بنية ألا يصيبنا هذا المكروه».. و«هتكسب كتير لو صليت على النبى دلوقتى».. و«ربنا هيحل لك مشاكلك ويحقق لك أحلامك لو استغفرت معانا دلوقتى».
لا بأس بالطبع من الدعاء، لكنه ليس بحال أساسًا لحل المشكلات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والداخلية والخارجية وغيرها، خصوصًا أن الأمر يتحول فى بعض الأحوال إلى حفلات بكاء ينخرط فيها الداعى والمؤمّنون من ورائه. ومؤكد أنك تعلم أن البعض يحرص على صلاة التراويح فى رمضان فى مسجد معين، لأن الدعاء الذى يردده الإمام هناك يهزه هزًا ويدفعه إلى البكاء، وربما يهمل الشخص الذى يحرص على الصلاة فى هذا المسجد أداء فرض العشاء، لكنه يهرول مسرعًا لحضور سنة «التراويح»!. ربما يمارس البعض وهو يبكى فى إطار هذا «الطقس الخاص» نوعًا من العلاج النفسى، قد يكون، ولكن هل يعنى ذلك أن مشكلاته الأرضية قد حلت؟ بالطبع لا!.
الاستغفار أيضًا واجب، وكذلك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، لكن علينا أن نفهم أن الاستغفار وذكر الله تعالى والصلاة على نبيه شعائر توقف أمامها القرآن الكريم كثيرًا. وقد أمر الله تعالى بتعظيم وتبجيل شعائره وعدم ابتذالها بهذه الصورة. يقول الله تعالى: «ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ»، ويقول: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ».
والاستغفار عبادة: «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ»، والذكر عبادة قد تفوق فى قيمتها الصلاة: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»، لكن يخطئ أشد الخطأ من يتصور أن هذه الشعائر الجليلة أساسها الترديد بالقول أو الغمغمة باللسان. الاستغفار- على سبيل المثال- مسألة لا تتوقف عند الترديد باللسان، الأهم أن يقلع الإنسان عن ذنب اقترفه فى حق الله، وأن يرد للناس حقوقهم إذا كان قد سلب منها شيئًا. فما معنى أن يقول الإنسان «أستغفر الله العظيم» وقد ظلم هذا وسرق هذا وبخس هذا. الاستغفار معناه رد الحقوق إلى أصحابها والعزم على عدم العودة إلى ظلم النفس أو ظلم الغير. أما ذكر الله فيعنى تذكره ومراقبته فى السر والعلانية والسلوك فى الحياة بوعى أن الله تعالى يسمع ويرى. ذكر الله فى العمل معناه إتقانه، وفى العلم معناه تحكيمه فى الحياة، وفى العلاقات بين البشر معناه الإحسان إلى محسنهم ومسيئهم. وقد جعل الله تعالى ذكره تعالى أكبر من الصلاة.
الدعاء عبادة، والعبادة التى لا يصدقها عمل أو لا يظهر لها أثر ملموس فى حياة المؤمن غير مجدية، فمن لم تنهه صلاته فلا صلاة له، ومن لا يعلّمه رمضان التقوى، فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش. هكذا الدعاء أيضًا إذا لم يكن مشفوعًا بعمل فلن يجدى فى واقع الإنسان شيئًا، والانخراط فيه بالطريقة التى يؤدى بها بعض المصريين لا يعنى سوى المزيد من التردى فى الواقع المعاش مهما بح صوتهم بالدعاء. لقد ظل أئمة المساجد يدعون على أمريكا وإسرائيل سنين طويلة، فلا هزمت أمريكا ولا زالت إسرائيل، وما استطعنا أن ننال منهما إلا بأيدينا التى أصابها العطب والوهن رغم إفراطنا فى الدعاء!. ولله در أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين قال: «لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ثم يقول: اللهم ارزقنى، وهو يعلم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة»، الحياة أساسها السعى، وليس الدروشة بالدعاء، ولا بحفلات الاستغفار والبكاء!.