رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المستقبل يبنيه التحدى والمواجهة ‏




سكن تسلم.. حكمة علمها لنا مدرس اللغة العربية وكان مسئولًا عن جماعة الخطابة والصحافة المدرسية، ولم نكن نحن الجيل الوحيد الذى تعلم هذه القاعدة اللغوية، التى تحولت بعد ذلك إلى ثقافة ‏وقاعدة حياتية لدى الكثيرين.. هذه القاعدة التى انتقلت من اللغة العربية إلى مجالات أخرى عديدة فى الحياة طبقها الشعب وطبقتها الحكومات والرؤساء.‏
ابتعد الرئيس عبر سنوات حكمه سواء كان عبدالناصر أو السادات أو مبارك عن مواجهة حقيقية مع الأزمات الأشد خطورة داخل المجتمع خاصة الأزمات الاقتصادية والتى بدورها تتحول إلى ‏أزمات اجتماعية وسياسية فعندما رفع وزير التموين فى عهد عبدالناصر ثمن الشاى والسكر والأرز، رفض ناصر ذلك ليس فقط، لأنه زعيم يحس بالشعب ولكنه لم يرد أن ينقص من شعبيته شيئا ‏وليدفع جيل آخر بعده الثمن.. وعندما تكرر ذلك فى عهد السادات وخرجت الجماهير الغاضبة فى يناير ١٩٧٧ ترفض رفع الدعم أو الاقتراب من ثمن الرغيف وأشياء أخرى تراجع السادات فى ‏قرار شهير واصفًا الانتفاضة الشعبية بأنها انتفاضة حرامية، وقال إنه يعود إلى الشعب، ويحافظ على مصالحه وليثقل ميزان فاتورة الدعم وترحل الأزمة إلى عصر مبارك والذى استمر ثلاثين عامًا ‏نجحت فيها الحكومة فى تسكين الشعب وكل شىء.. نعم كانت هناك نسبة نمو متزايدة ولكن كانت هناك نسبة تنمية شبه متوقفة كانت هناك مستشفيات، ولكنها لا تقدم العلاج المطلوب، وكانت هناك ‏طرق لم تجد الصيانة وامتد أسلوب التسكين إلى الحياة السياسية فلم يكن هناك سوى حزب واحد معترف بأنه الحزب الرسمى المسموح له بأن يمتلك الأغلبية البرلمانية والأغلبية الحكومية المطلقة ‏ومقاعد الكبار فى كل الوزارات وفى المقابل لم تستطع أى من حكومات العصور السابقة فيما بعد يوليو ٥٢ أن تواجه عدة قضايا أهمها كان الدعم وخاصة دعم المحروقات الذى يمتد أثره إلى كل ‏المجالات.. الدعم لم يكن القضية الوحيدة التى طبق تجاهها مبدأ سكن تسلم.. ولكن ذلك امتد إلى التعليم فتردى وإلى الرياضة فتفشت فيها ظاهرة العنف فى المدرجات والتى ارتبطت بإنشاء روابط ‏الأولتراس سواء كان أهلى أو زمالك أو مصرى أو إسماعيلى أو اتحاد وانتقلت الأولتراس من ظاهرة ارتبطت بالرياضة إلى ظاهرة ارتبطت بالفنانين والمشاهير مع تنامى وانتشار وسائل التواصل ‏الاجتماعى.‏
ومرت مصر بمرحلة فوضى لم تسبق لها تاريخيًا مع أحداث يناير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ولم تتوقف الفوضى عند ذلك التاريخ بل امتدت تداعياتها حتى القريب.. وجاء الرئيس السيسى ‏ليختار الطريق الأصعب أن يواجه ما لم يستطع الآخرون مواجهته وأن يحسم القرارات الأخطر والأهم.. كان أمامه خيار أن يحافظ على شعبية جارفة اكتسبها من القضاء على الإخوان وإعادة ‏الاستقرار إلى مصر وأن يكتفى بالقروض وتسكين الأحوال وزيادة المرتبات والدخول زيادة وهمية فترتفع نسبة التضخم والبطالة والنمو الكاذب وتدفع أجيالًا قادمة الفاتورة أيًا كان ثمنها. ‏
اختار الأصعب فقرر أن يواجه الفوضى فى الشارع بإعادة الانضباط وإعادة هيبة الدولة وإعادة هيبة وزارة الداخلية وعاد الأمن شيئًا فشيئًا إلى مصر انتهت الاعتصامات أو أنهيت وتراجعت ‏مظاهرات العنف وعاد الأمان إلى الشارع المصرى، وكان ذلك التحدى الأول ولكن الرئيس اختار أيضا ألا يواجه التحديات الواحد ثم الآخر بل اختار أن يواجه كل التحديات فى آن واحد حتى لو خسر ‏شعبيته وسط طبقات هو يحبها ويريد لها مستقبلا جيدا ولكن القرارات التى تتخذ ربما تؤثر على ذلك الحب أو تلك الشعبية.. واجه الإرهاب فى سيناء وفى أنحاء كثيرة فى مصر واستطاعت القوات ‏المسلحة والشرطة أن تحصره فى عدة كيلومترات وبؤر فى أقصى شمال سيناء وأستطاعت أن تمنع امتداده إلى مناطق أخرى، وأيضًا أن تغلق الأبواب أمام العائدين من سوريا والعراق عبر ليبيا أو ‏أنفاق غزة ومن جبل الحلال إلى المنطقة الغربية إلى أقصى مناطق الجنوب فرضت قواتنا المسلحة والشرطة سيطرتها وأمنت الشعب وظلت ظهيرًا قويًا ليس فقط فى الحرب ضد الإرهاب، ولكن ‏فى مواجهة كل التحديات الأخرى. ‏
اختار المواجهة فى التعليم فبدأ وزير التربية والتعليم وضع أسس لنظام تعليمى يبنى أجيالًا، ويبدأ مع طفل الحضانة لينشأ جيل جديد فى المستقبل ننتظره جيلًا واعدًا بعد سنوات، وتعمل وزارات ‏كثيرة مع وزير التعليم لإنجاح منظومة يتلقى فيها الطالب تعليمًا جيدًا، واختار الرئيس المواجهة فى مجال الصحة فليس من المهم أن يكون لديك طالب نابغة ونظام تعليمى جيد دون أن يكون لديك ‏نظام صحى جيد ومن مواجهة فيروس سى، والتى تحولت مصر خلالها من بلد يصدر المرض إلى بلد ينهى المرض بين أبنائه بل يعالج أبناء أوطان أخرى. ‏
ومع تعليم جيد يبدأ مع الطفل ونظام علاجى يمتد إلى كل أفراد الشعب يتسع الأمل إلى خلف أسرة تقابل صعوبات الحياة بكرامة فيبدأ حملة تكافل وكرامة ويصل بها إلى الأسر والأمهات المعيلات ‏ثم ينطلق قطار الحماية الاجتماعية إلى فئات أخرى فيطلق مظلة شهادات أمان لتكفل حماية اجتماعية لفئة عمال اليومية أو التراحيل، كما كنا نطلق عليهم، وتمتد إلى كل العمالة الموسمية، مواجهة ‏فوضى الأحزاب، التى وصل عددها إلى أكثر من ١٠٠ حزب، والتمهيد لحياة مستقرة سياسيا واجتماعيا.. اندماجات حدثت وأخرى والطريق حتى يستقر الوعى الحزبى وأظنه خلال شهور إن لم يكن ‏خلال أسابيع.. قوانين منظمة للإعلام ولحماية المستهلك والاستثمار.. روابط الفوضى الرياضية تحل نفسها بنفسها.. المجتمع والشعب والرئيس يتجهون إلى تأصيل حالة من الاستقرار والتمهيد لبناء ‏الدولة بعد الحفاظ على أركانها فى سنوات أربع سابقة.‏
ويواجه الرئيس التحدى الأخطر والأهم فى مجال الاقتصاد لتبدأ مرحلة إصلاح اقتصادى وإعادة تصحيح للأسعار منذ ٢٠١٦، ويتوقع لها خبراء كثيرون أن تؤتى ثمارها عبر سنوات ثمان أو أقل.. ‏ينطلق الرئيس بقطار التحدى فى محطته الأهم لاستكمال الإصلاح الاقتصادى فيصلح خلل أسعار المحروقات وبعض السلع الأخرى.. القرار صعب، ولكنه استكمال مرحلة علاج مرضها الأصعب ‏لدينا معدل نمو وصل إلى ٥.٤٪، وفى المقابل انخفض معدل التضخم إلى ١٢.٩ ٪.. النمو الحاصل الآن يأتى من كل المجالات ولا يعتمد فقط على اقتصاد ريعى بل يعتمد على اقتصاد إنتاجى.. ‏معدل البطالة ينخفض الى ١٠.٦ ٪ بعد أن كان ١٣.٦ ٪.. فائض فى ميزان المدفوعات.. زيادة الصادرات السلعية ١٢٪ ولكن الأهم أن أزمة الدعم لا بد وأن تنتهى مرحلتها الأخيرة، وليس من ‏المعقول أن يصل ٤٠٪ من دعم الوقود إلى الطبقات الأكثر ثراء نعم لدينا ٨٣ اتفاقية بترول، ولدينا استثمارات تصل إلى ٢٢ مليار دولار ولدينا حقول ظهر وغرب الدلتا وأتول ونورس ولكن لدينا دعم ‏يصل إلى عشرات المليارات.. وحتى ينجح التحدى يجب أن نتحمل ويجب أن ندرك أن كل جنيه سيقل فى الدعم سيذهب إلى طفلك ليحسن مستوى تعليمه، وإليك لتجد علاجًا جيدًا وإلى أجيال فى ‏المستقبل لتجد طريقًا سليمًا ومنزلًا وكرامة فى العيش.. اختار الرئيس ألا يسكن ليسلم واختار التحدى والمواجهة، ونحن معه وسيأتى يوم لا يدفع فيه جيل قادم فاتورة تسكين وخوف لجيل سابق.‏