رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل منع عمر بن الخطاب النبى من كتابة وصيته؟




بعث الله نبيه محمدًا، صلى الله عليه وسلم، وكانت سنه أربعين سنة. ومكث فى قومه بعدها ثلاثة وعشرين عامًا، منها ثلاثة عشر فى مكة وعشرة فى المدينة، وخلال هذه المدة نزل القرآن الكريم، ‏بسوره المكية والمدنية، على النبى، وفيه بيّن الله لمن آمن بمحمد سبل الهدى وطرق الرشاد فى الدنيا والآخرة. وقد تعرض النبى خلال سنوات الدعوة للعديد من الإساءات التى حاولت النيل من ‏شخصه الكريم، ومن النماذج على ذلك ما ذكره القرآن الكريم فى الآية الكريمة «وقالوا يا أيها الذى نزل عليه الذكر إنك لمجنون»، ومع ذلك لم يجرؤ أحد من كفار مكة والمدينة على النيل من ‏القرآن الكريم نفسه. بل كانوا يتمنون لو أنزل هذا الكتاب على كبير من كبراء القريتين: مكة والمدينة: «وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم»، رغم أن القرآن نفسه كان وحى ‏الله إلى محمد، صلى الله عليه وسلم، والشاهد على نبوته.‏
وسفهاء الغرب الذين يسيئون للنبى لا يفعلون أكثر مما فعله أبوجهل وأمية بن خلف وغيرهما من صناديد قريش الذين رفضوا الإيمان بمحمد، رغم إدراكهم صدق النص الذى جاء به وعظمته. ‏والهدف فى الحالتين واحد، إنهم يريدون أن يصرفوا المسلمين عن النص القرآنى كى ينشغلوا بإساءاتهم الساذجة والجاهلة إلى النبى، صلى الله عليه وسلم. فهناك رغبة لدى العديد من الكتاب والمثقفين ‏فى الغرب لجعل المسلمين «محمديين» أكثر منهم «قرآنيين»، وإغراقهم فى الدفاع عمن يدافع عنه الله تعالى: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا»، فما بالنا بمن علّم البشرية المعنى الحقيقى للإيمان. ‏فمفكرو الغرب يعلمون أن استغراق المسلمين فى هذا الاتجاه سوف يشغلهم عن القرآن.‏
لقد أوشك المسلمون الأوائل على الوقوع فى هذا الشرك لحظة وفاة النبى، عندما تحدث بعضهم بأن محمدًا لا يموت، أو أنه غاب وله عودة، حينئذ قالها أبوبكر مدوية: «من كان يعبد محمدًا فإن ‏محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت»، فقد رفض أن يتحدث المسلمون كـ«محمديين»، وهو ما يريده الغرب الآن، حين يدفعنا إلى مسار التفكير الذى يفكّر به أهله كـ«عيسويين» ‏و«موسويين». يحكى «اليعقوبى» فى تاريخه ما حدث عقب إعلان وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، قائلًا: «خرج عمر فقال: والله ما مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا يموت، وإنما تغيب ‏كما غاب موسى بن عمران أربعين ليلة ثم يعود، والله ليقطعن أيدى قوم وأرجلهم. وقال أبوبكر: بل قد نعاه الله إلينا فقال: إنك ميت، وإنهم ميتون. فقال عمر: والله لكأنى ما قرأتها قط، ثم قال: لعمرى ‏لقد أيقنت إنك ميت، ولكنما أبدى الذى قلته الجزع».‏
ويبدو هذا المشهد عجيبًا أشد العجب إذا استدعينا من الذاكرة ذلك المشهد الآخر الذى عكس موقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه من موضوع الكتاب الذى أراد النبى صلى الله عليه وسلم أن ‏يمليه فرفض عمر ذلك، وقال إن الوجع اشتد بالنبى، وإنه يهجر، أى دخل فى مرحلة هذيان الموت. فكيف نقبل أن يكون موقف عمر على هذا النحو الرافض والمصادر على فكرة وفاة النبى، وهو ‏الذى أكد قبل ساعات أن النبى «يحتضر»؟! المؤكد أن هذه الرواية تعكس اجتهادًا من جانب كتاب السيرة فى نفى القصة التى تذهب إلى أن عمر بن الخطاب هو من حال بين النبى وكتابة وصية ‏العهد، وأنه لم يكن الشخص الذى فعل ذلك بدليل هذه الثورة التى انتابته عندما سمع أناسًا يقولون إن نبى الله، صلى الله عليه وسلم، قد مات. مات محمد، صلى الله عليه وسلم، لكن القرآن باقٍ وسنته ‏خالدة.‏