رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإفتاء تجيب على أسئلة المواطنين بشأن "الاعتكاف"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أجابت دار الإفتاء المصرية على كل الأسئلة الورادة إليها، والخاصة بالاعتكاف في شهر رمضان.

ما هو الاعتكاف؟ وما دليل مشروعيته؟

الاعتكاف لغة: اللُّبث والحبس والملازمة على الشيء خيرًا كان أو شرًّا، قال تعالى: {وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِ} [البقرة: 187]، وقال تعالى: {مَا هَٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيٓ أَنتُمۡ لَهَا عَٰكِفُونَ} [الأنبياء: 52].
وشرعًا: هو اللُّبث في المسجد من شَخْصٍ مخصوص بنيَّة.
والدليل فيه قوله تعالى: {وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِ}، فالإِضَافَةُ إلى المساجد الْمُخْتَصَّة بالقُرَبِ، وترك الوطء الْمُبَاح لأَجْلِهِ دَلِيلٌ على أَنَّهُ قُرْبَة.
ومن السُّنَّة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ اعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاهُ الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده.


ما هو حكم الاعتكاف؟
قد أجمعت الأُمَّة على سُنِّيَّته، وهو من الشرائع القديمة، والاعتكاف مُسْتَحَبٌّ في كل وقت، سواء أكان في رمضان أم في غيره، وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره؛ لطلب ليلة القدر بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء، فإنها أفضل ليالي السنة؛ قال تعالى: {لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ} [القدر: 3]، أي: خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، والجمهور على انحصارها في العشر الأخيرة.
وقد يكون الاعتكاف واجِبًا عند نَذْرِهِ، بمعنى أن ينذر المسلم الاعتكاف، كأن يقول: لله علَيَّ أن أعتكف، أو نذرت الاعتكاف لله أو نحو ذلك بما يقع به النَّذر.


ما مدة الاعتكاف؟
أقل مدَّةٍ للاعتكاف هي ما يُطْلَقُ عليه اسم الاعتكاف عُرْفًا؛ وهذا ما ذهب إليه متأخرو الحنفية، والشافعية، والحنابلة؛ فإن الاعتكاف في اللغة يقع على القليل والكثير، ولم يحده الشرع بشيء يخصه فبقي على أصله، لكن العلماء استحبوا إتمام الاعتكاف يومًا؛ ليخرج مِن خلاف مَن يَشْتَرط الاعتكاف يومًا فأكثر، كما نصوا على أنه يُستَحَبُّ لداخل المسجد أن ينوي الاعتكاف ولو كان مُكْثُه يسيرًا.
وأَمَّا أكثر مُدَّة للاعتكاف فلا حَدَّ لها؛ قال النووي: "وكُلَّما كثُر كان أفضل، ولا حَدَّ لأَكْثَرِه، بل يصحُّ اعتكافُ عُمر الإنسان جميعه، ويصحُّ نذرُ اعتكاف العمر".
وقال ابن الملقن: "وأَجْمَع العلماءُ على أن لا حدَّ لأكثره".
وبداية الاعتكاف ونهايته يحددها الْمُعْتَكِف بنفسه، فإن نوى اعتكاف مدة معلومة استُحب له الوفاء بها بكمالها، فإن خرج قبل إكمالها جاز؛ لأن التطوع لا يلزم بالشروع، وإن أطلق النِّيَّة ولم يُقَدِّر شيئًا دام اعتكافُه ما دام في المسجد.


ما الذي يستحب فعله من المعتكف؟
يستحب لمن أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين من رمضان، ويُسْتَحبُّ له أن يبيت ليلة العيد فيغدو إلى مصلى العيد من معتكفه في المسجد، وإن خرج قبل ذلك جاز.
قال النووي: "قال الشافعي والأصحاب: ومَن أراد الاقتداءَ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين منه؛ لكي لا يفوته شيء منه، ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد، سواء تَمَّ الشهر أو نقص، والأفضل أن يمكث ليلة العيد في المسجد حتى يصلي فيه صلاة العيد، أو يخرج منه إلى المصلى لصلاة العيد إن صلوها في المصلى".


أين يكون الاعتكاف؟
مكان الاعتكاف هو المسجد، فقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن اعتكاف الرجل لا يصحُّ إلا في المسجد؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِ} وإن كان الأصل أن الإخبار عن واقع الحال لا يفيد الشرطية، ولكن ذكر المساجد هنا لا يصلح أن يكون علة لمنع المعتكف فيها من مباشرة الزوجة؛ لأن هذه المباشرة ممنوعة على المعتكف خارج المسجد، وممنوعة على غير المعتكف داخل المسجد أيضًا، فتعَيَّن كون المساجد شرطًا لصحة الاعتكاف، وقال القرطبي: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد".
واختلفوا في المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه، فذهب المالكية والشافعية إلى جواز الاعتكاف في أيِّ مسجد من المساجد؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِ} فقد عَمَّ الله المساجد كلها، ولم يخص منها شيئا، فلا دليل على تخصيص بعضها بالجواز.
وذهب الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد إلى اشتراط كون المسجد جامعًا عامًّا تُقَام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجماعة.
والمسجد الجامع وإن لم يكن مشروطًا لصحة الاعتكاف، فالاعتكاف فيه أفضل؛ للخروج من خلاف من أوجب الاعتكاف فيه، ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة.
هل يجوز للمعتكف الخروج من المسجد؟
لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد، إلا لما لا بد له منه، فإن خرج المعتكف من المسجد بلا عُذر كنُزهة، أو أمر غير ضروري أو حاجي حرُم عليه ذلك وانقطع اعتكافه، أي: بطل.
أمَّا إذا خرج لعذر؛ فإن كان خروجه لعذر معتاد، كقضاء حاجة من بَوْلٍ وغائط، وكالخروج للقيء وغسل نجاسة، ووضوء ونحوه من الطهارة الواجبة، فله الخروج لذلك، ولم يحرم ولم ينقطع تتابع اعتكافه؛ لأن كل ما سبق ذكره مما لا بد منه، ولا يُمْكِنُ فعل أغلبه في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه لم يصح لأحد الاعتكاف؛ ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف، وقد علمنا أنه كان يخرج لقضاء حاجته، روي عن السيدة عائشة-رضي الله عنها- أنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا اعتكف يدني إِلَيَّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان».