رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. مختار نوح يهاجم السادات فى خطب الجمعة

مختار نوح وثروت الخرباوى
مختار نوح وثروت الخرباوى

- مختار نوح كان يخطب الجمعة فى مسجد بلال بشارع سليم فى الزيتون
- كنت مقتنعًا بأن الإسلام مضطهد ويحتاج إلى جنود يدافعون عنه


قال أيمن أبوشادى بعد أن صلينا العصر فى مسجد الدراسة: «صلاتنا باطلة!»، تعجبت أنا وتحيَّر من كانوا معنا من الشباب، ولكن شيخًا كبيرًا قال باستهزاء وهو يوجه الكلام لأيمن: إيه ما كنتوش متوضيين ولا إيه؟! فانفعل أيمن واحتد على الرجل وقال: لا.. إحنا متوضيين، والمتوضئ لا يجوز له أن يصلى فى هذا المسجد وإلا كانت صلاته باطلة. لم يَرُد الشيخ ولكن أيمن استكمل كلامه: المسجد ده فيه ضريح يا شيخ والمساجد اللى فيها أضرحة لا تجوز الصلاة فيها، ثم أشار لنا بلهجة آمرة: يلا بينا يا جماعة نبقى نصلى فى بيوتنا أحسن.

انتهى اليوم ولكننى قررت من يومها ألا أتبع أيمن أبوشادى فى أى شىء، لن أكون معه فى جماعة واحدة، وإن كان هو لم يُصرِّح لى باسم الجماعة التى يرى أنها أفضل جماعة إسلامية، فطريقته فى حواره مع الرجل كان فيها تحديًا نَفَّرَتْنى منه، وفتواه النهائية بأن الصلاة فى مسجد فيه ضريح لا تصح لم يستسغها عقلى، فنحن لم نكن نُصلى لصاحب الضريح، ولا كنا نتقرب منه، ولا نعرفه أصلًا، بل إننا لم نكن نعرف أن فى هذا المسجد ضريحًا، عرفنا ذلك بعد الصلاة، كنت أنا على وجه التحديد لأننى أعرف ما سكن فى ضميرى كنت أتوجه لله بجسدى وقلبى وكل جوارحى، فهل يُبطل صلاتى وتوجهى لله رب العالمين أن كان بجوارى ضريحٌ لشيخٍ أفناه الموت؟!
قررت من بعد هذا اليوم أن أنقطع عن معرفة أيمن أبوشادى، وبالفعل لم أره من يومها إلا مرَّات قلائل، وفيما بعد عرفت أنه انضم إلى جماعة إسلامية متطرفة وأنه دخل هو وشقيقه أسامة فى معارك مع الإخوان، وكان هدف هذه المعارك هو رغبة كليهما فى السيطرة على مسجد بلال بشارع سليم بالزيتون، ثم عرفت أن الإخوان تغلبوا عليهما وسيطروا على المسجد، والغريب أن الذى كان يمثل الإخوان فى هذه المعركة هو صديقى فيما بعد مختار نوح، الذى كان بالكاد قد تخرَّج فى كلية الحقوق وأخذ يخطب الجمعة فى هذا المسجد خطبًا نارية كل ملامحها سياسية معارضة للسادات، وكان نوح فى هذه الفترة من القريبين من الشيخ كشك والمتأثرين بطريقته فى الخطابة، وفى مستقبل الأيام أصبح أيمن أبوشادى أحد كبار دعاة جماعة التبليغ والدعوة، وأصبح شقيقه أسامة خطيبًا لأحد المساجد الكبرى فى لندن، ولكن مما لا شك فيه أن هذا اليوم الذى صاحبت فيه أيمن إلى الجامع الأزهر قد ترك أثرًا كبيرًا فى نفسى وجعلنى أتأمل تلك الأفكار التى كانت تسيطر على عقول الشباب وقتها، فبعض هذه الأفكار كان قد أصبح من قناعاتى، خاصة ما يتعلق بالإسلام المُضطهد وأننا يجب أن نصبح جنودًا فى معركة ندافع فيها عنه، وأن الدفاع عنه لا يمكن أن يكون إلا بالسيف، أما الأفكار الأخرى التى كانت تزدرى الصوفية، وتقدح فى أعلامهم فكنت أرفضها، إذ كيف أقبلها وقد كان جدى عليه رحمة الله واحدًا من أعلام الصوفية!.
ولا أخفيكم سرًا أننى عشت بعدها عامًا كاملًا من أروع الأعوام التى مرَّت علىَّ فى حياتى كلها، وليتها تتكرر، إذ إننى من وقتها أبحث عن اللذة والسعادة الروحية الغريبة والمبهجة التى كنت فيها فى الفترة ما بين الصف الأول الثانوى ونهاية الصف الثانى الثانوى، ومن تصاريف القدر أننى كنت وقتئذ فى مدرسة تركت أثرًا كبيرًا فى نفسى، وهى مدرسة جمال عبدالناصر القومية بمصر الجديدة، جمال عبدالناصر الذى كفَّره الشيخ كشك، أصبحت أنا فى مدرسة عليها اسمه، وعلى حوائطها صور أبنائه لأنهم كانوا قد التحقوا بهذه المدرسة قبلى بسنوات، وكأن هذه كانت رسالة لى من الله رب العالمين لم أدرك معناها وقتها، وكان المدرسون فى هذه المدرسة عليهم رحمة الله مِن أعظم من تعلمت على أيديهم فى حياتى، أما ذلك اليوم الذى نزلت فيه إلى مدير المدرسة أخاطبه بقوة وبعض زملائى يقفون خارج الحجرة يترقبون نتيجة اللقاء، فإنه كان من أروع أيام حياتى.