رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوى.. شيخ «التبليغ والدعوة» يحذرنى من «الإخوان»

الخرباوى
الخرباوى

كانت الخطبة ساخنة جدًا، والشيخ كشك يزأر كالأسد، وهو يبكى حال المسلمين، مزق الشيخ عقيدة حافظ الأسد واتهمه بالكفر، وأخذ يردد «حافظ الأسد كافر كافر»، ثم قال: «أسدٌ علينا وعلى إسرائيل نعامة، لقد سلمها الجولان، وحينما أراد أن يظهر رجولته أظهرها على المسلمين فى سوريا فقتل وذبح وانتهكت جنوده حرمات المسلمات العفيفات»، ثم استطرد: «إحنا هانلاقيها منك ولاَّ من إسرائيل، ثم استدار الشيخ إلى معمر القذافى وأخذ يسبه»، ويقول عنه إنه: «مخرب القذافى» ثم دخل على عبدالناصر وأقسم بأنه فى النار لأنه مات كافرًا، وفى نهاية الخطبة أخذ يستنصر الله على أعداء الإسلام، ويطلب منه أن يبيدهم عن آخرهم ويمزق أوصالهم ويشتت شملهم. كان الشيخ مسترسلًا فى الدعاء، وذلك الصبى اليافع يجلس حائرًا تناوشه الأفكار والهواجس، يسأل نفسه: كيف سينتصر الله للمسلمين؟ ولماذا لم ينتصر لنا فى حرب ١٩٦٧ ما دام أننا على الحق، الشيخ قال فى خطبة سابقة إن الله لم ينتصر لنا لأننا كنا نستعين بالشيوعيين الروس الملحدين، وقال: إن الله تركنا للهزيمة لأن الدولة جعلت من الشيوعية منهجًا لها من دون الله، ولكن الأسئلة ظلت تراود الفتى: أنا أحب عبدالناصر وبكيت عندما مات، فكيف يكون كافرًا وكل الناس خرجوا فى جنازته، ثم إننى مثلًا لم أكن شيوعيًا، ولا أبى، ولا أى شخص أعرفه، بل إننى لم أرَ شيوعيًا على الإطلاق، ولا أظن أن الجنود، الذين حاربوا كانوا شيوعيين، كما أن الرسول نفسه كما قرأت فى السيرة استعان بكافر ليكون دليلًا له فى الهجرة. إذن مبررات الشيخ ليست كافية لتقنعنى، فإما أن يكون الله غاضبًا منا جدًا لسبب لا أعرفه فتركنا للهزيمة والفقر والجهل، وإما أن ديننا ليس هو دين الحق، وهنا ارتعدت فرائصى، كيف لى أن أقول هذا الكلام، ولو فى نفسى، هذا كفر، لقد أصبحت بهذه الوسوسة كافرا! ورغم الخوف الذى انتابنى إلا أننى ظللت على هواجسى، وظلت الوسوسة تلعب بعقلى، وعاد السؤال الأكبر الذى صاحبنى منذ طفولتى الباكرة: كيف هو الله، وما شكله، ولماذا نطيع من لا نراه؟ وهل سيعذبنا حقا؟ ولماذا هذا التعذيب البشع الذى سيفعله بنا؟ ولماذا هذه النار التى هى أقوى من نار الشمس المشتعلة ملايين المرات؟ وهل هو ظالم؟ وأخذت الأسئلة المُحرمة تشعل رأسى.
بعد انتهاء الصلاة خرجت متخاذلًا أجرجر قدمى، أكاد أمشى وأنا واقف فى مكانى، وأكاد أقفُ وأنا أمشى على مهل، وفجأة وجدت أحدهم يربت على كتفى، كان هذا هو أيمن أبوشادى الذى يسكن بجوارنا فى شارع بركات المتفرع من طومان باى، وكان أيمن يكبرنى بعام أو عامين، وفى ذات الوقت كان يمارس نشاطًا ثقافيًا فى مركز شباب طومان باى، فى الوقت الذى كنت أمارس فيه رياضة السلة فى فريق المركز ومعى فى الفريق شقيقه أسامة. وقبل لقائى به فى مسجد الشيخ كشك كنا قد تنافسنا فى مسابقة للقصة القصيرة على مستوى مراكز الشباب فى الجمهورية، وفزت أنا فيها، ولم يفز هو بشىء، ولكننى كنت أجله وأحترمه، وكان صاحب موهبة قيادية وذا شخصية مؤثرة، وأصبح أيمن فى مستقبل الأيام «الشيخ أيمن أبوشادى» أحد كبار دعاة التبليغ والدعوة. سألنى أيمن الذى كان فى الثانوية العامة وقتها عن هذا الحزن الذى يعترينى فقلت له: أمة ضائعة وإسلام مضطهد فهل تريدنى أن أضحك؟! قاطعنى أيمن: طالما إحنا نايمين على نفسنا يبقى لازم نبقى ضايعين، «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فسألته: نتغير إزاى؟ قال: الحكومات ضعيفة أو عميلة تعمل لمصلحة أعداء الإسلام ألم تسمع ما قاله الشيخ كشك، لازم نكون داخل جماعات تعمل على نصرة الإسلام، لأننا لا يجب أن نعتمد على الحكومات، قلت له على الفور: ننضم إلى جماعة الإخوان مثلًا؟ قال: دى جماعة فاسدة لا خير فيها، طول عمرها بتنافق الحكام، بص يا ثروت الجمعة المقبلة يوجد مؤتمر كبير فى الأزهر لنصرة القدس، يجب أن نحضره معًا، وسيكون لنا بعده كلام، دارت رأسى من هجومه السريع على الإخوان، ولكننى سكت.