رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيف يغيب حين تحضر الشورى.. الصحابة على أبواب القتال بعد وفاة عمر

جريدة الدستور

عقب طعن الخليفة عمر بن الخطاب، ودخوله مرحلة الاحتضار، وقراره الخاص بتكوين مجموعة «أهل الشورى» الستة ليختار الخليفة من بينهم، وقعت مجموعة من الأحداث المثيرة التى أفرغت فكرة «الشورى» من مضمونها، حين أصبح «السيف» هو الحكم.

كان من ضمن الإجراءات الخطيرة التى أملاها عمر بن الخطاب لإدارة عمل «أهل الشورى» ما يحكيه صاحب «الكامل فى التاريخ» من أنه قال لصهيب بن سنان الذى وكله فى إمامة الناس فى الصلاة: «صل بالناس ثلاثة أيام، وأدخل هؤلاء الرهط– يقصد أهل الشورى الستة- بيتًا وقم على رءوسهم، فإن اجتمع خمسة وأبى واحدٌ فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعةٌ وأبى اثنان فاضرب رأسيهما، وإن رضى ثلاثة رجلًا وثلاثة رجلًا فحكموا عبدالله بن عمر، فإن لم يرضوا بحكم عبدالله بن عمر، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع فيه الناس». لقد وصل الأمر إلى حد إباحة إعمال السيف فى رأس من يخرج عما اتفقت عليه الأغلبية من أهل الشورى تجنبًا لأى صراعات من الواضح أن عمر بن الخطاب كان يتوقع اشتعالها، والأخطر ظهور ظلال لفكرة التحكيم فى كلام عمر بن الخطاب.
ورغم هذه الإجراءات الصارمة، إلا أن الصراع بدأ سريعًا بين الرؤوس المتساوية منذ اللحظات الأولى لوفاته، حين تنافس كل من على بن أبى طالب وعثمان بن عفان رضى الله عنهما على الصلاة عليه: «لما مات عمر رضى الله عنه، وأحضرت جنازته تبادر إليها على وعثمان، أيهما يصلى عليه؟، فقال لهما عبدالرحمن بن عوف: لستما من هذا فى شىء، إنما هذا إلى صهيب الذى أمره عمر أن يصلى بالناس، فتقدم صهيب صلّى عليه، ونزل فى قبره مع ابنه عبدالله أهل الشورى، سوى طلحة فإنه كان غائبا.كان الصراع بين أهل الشورى حتما محتوما. فكل كان يريد الأمر لنفسه، رغم ما كان يتوقع من كل واحد منهم أن يدفع الأمر عن نفسه. يصف «ابن كثير» هذا الموقف قائلًا: «خلص القوم من الناس فى بيت يتشاورون فى أمرهم، فكثر القول وعلت الأصوات، وقال أبوطلحة: إنى كنت أظن أن تدافعوها ولم أكن أظن أن تنافسوها، ثم صار الأمر بعد حضور طلحة إلى أن فوض ثلاثة منهم ما لهم فى ذلك إلى ثلاثة، ففوض الزبير ما يستحقه من الإمارة إلى على، وفوض سعد ما له فى ذلك إلى عبدالرحمن بن عوف، وترك طلحة حقه إلى عثمان بن عفان. فقال عبدالرحمن لعلى وعثمان أيكما يبرأ من هذا الأمر فنفوض الأمر إليه، والله عليه والإسلام ليولين أفضل الرجلين الباقيين، فأُسكت الشيخان على وعثمان، فقال عبدالرحمن: إنى أترك حقى من ذلك، والله على والإسلام أن أجتهد فأولى أولاكما بالحق، فقالا: نعم، ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق، لئن ولّاه ليعدلن، ولئن وُلى عليه ليسمعن وليطيعن، فقال كل منهما: نعم!، ثم تفرقوا».
وكما كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه رجل المرحلة الذى أدار عملية انتقال السلطة إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، كان عبدالرحمن بن عوف رجل المرحلة التالية المسئول عن إدارة عملية انتقال السلطة بعد وفاة عمر بن الخطاب. ولم يكن الأمر يستقيم مع وجود الستة على قائمة الاختيار، وميل كل فرد منهم إلى تزكية نفسه، لذا كان من الضرورى أن يحدث نوع من التصفية بين الشركاء، وأن يخرج منهم من يتولى المهمة الطبيعية فى اختيار أو انتخاب الخليفة من بين من بقوا فى القائمة. ذلك ما أدركه أهل الشورى، فتنازل ثلاثة منهم (الزبير وسعد وطلحة) عن حقهم للثلاثة الباقين: (على وعبدالرحمن وعثمان)، ثم بادر عبدالرحمن بن عوف إلى التنازل عن حقه ليصبح حكمًا بين الطرفين المتبقيين (على وعثمان).وقد أخذ عبدالرحمن بن عوف فى مشورة كبار الصحابة من أهل الشورى وغيرهم من المسلمين لمدة ثلاثة أيام، فلم يجد اثنين يختلفان فى تقدم عثمان بن عفان إلا ما ينقل عن عمار والمقداد أنهما أشارا بعلى بن أبى طالب.