رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تدفنوا رءوسكم فى الرمال «3»


تأتى أزمة النجم المصرى العالمى محمد صلاح مع اتحاد الكرة المصرى، حلقة جديدة فى مسلسل افتقاد بعض المسئولين الحكمة والكياسة فى معالجة الأمور، ومحاولتهم الدفع ببعض المشاكل، التى يمكن التفاهم وديًا لحلها، إلى مرحلة الأزمة، التى تعطى فرصة للشامتين والصائدين فى الماء العكر، لينالوا من الجسد الذى مازال جريحًا لمصرنا، التى نتمنى لها المعافاة من أوجاعها، وفى وقت ليس من صالح نجمنا الوطنى، والقدوة المثلى لشباب مصر الآن، وأمل الوطن فى قابل الأيام، خاصة خلال مشاركة منتخبنا الوطنى، فى منافسات كأس العالم القادمة بروسيا.

سبقتها أزمة أصحاب المعاشات مع وزارة التضامن الاجتماعى، بشأن علاواتهم الخمس، التى تأبى الوزارة الاعتراف بالحكم الذى صدر بشأنها، ومحاولتها عرقلة تطبيق حكم القضاء الإدارى المنصف لمن أُحيل إلى التقاعد، وداهمته سنوات العجز وكروب المرض وقلة الحيلة على العمل، وهو أمر يفتقد الكياسة السياسية، قبل أن يكون مراعاة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية لهذه الفئة من البشر.. ويتراص إلى جوارها توقيت قانون البرلمان المصرى بشأن مرتبات رئيس البرلمان ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء والمحافظين ونوابهم.

وإذا كان من حق الحكومة مجازاة الوزراء بمرتبات تراها مجزية لهم، لأنها ترى أنها تستعين بصفوة العقول المصرية، التى يجب تقدير قيمتها، إذ تخص وزراء يتحملون مسئولية التنمية فى مصر، بحكمة واقتدار، مع أن فى ذلك شكًا، لكن دعونا نقر بما سبق، ونقر بأحقية الحكومة فى التعامل المالى مع وزرائها وبعض من تراهم أولى بالتقدير والمكافأة.. لكن الذى لا نتفق عليه أبدًا، هو ما يخص معاشات هؤلاء السابق ذكرهم، باعتبارهم فى النهاية موظفى حكومة، ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم من الموظفين، من قوانين التأمين والمعاشات.. فكيف يتميزون بمعاش لم يدفعوا مقابله من أجور سنوات عملهم.. وذلك افتقاد للكياسة أيضًا، أمام من يتربص بمصر، ويتمنى أن يعطيه البرلمان والحكومة ما يعتبره شاهدًا على أن مصر تتعامل مع بنيها بمنطق (الخيار والفاقوس).. فإلى من يلجأ المواطن، والبرلمان يُجحفه حقه، بإقراره التمايز بين أبناء الوطن الواحد، والحكومة تسلبه هذا الحق الأصيل؟!.. إنه الرئيس، الملجأ الدائم والملاذ الأمين، مثلما كان هو مفتاح الحل، لمشكلة محمد صلاح مع اتحاد الكرة.
وتواصلًا مع ما بدأناه على مدى أسبوعين، وتوافقًا مع ما ذكرته فى السطور السابقة، تأتى نقابة الصحفيين حلقة جديدة من حلقات انفصام عرى التواصل الحقيقى بين مسئول عن جماعة، وأفراد هذه الجماعة، خاصة لو كانت هذه الجماعة وطنية بامتياز، وهم هنا الصحفيون، الذين أفنت أجيال منهم أعمارها فى مهنة هى المعاناة بعينها، حتى تكون الجسر الأمين، بين صانع القرار والمواطنين، تعكس أحلام الثانى وتطلعاته، وتنقل عن الأول قراراته التى تضع الحلول للمشاكل، وتبشر بالغد الذى يتمناه المواطن، فى نكران للذات غير مسبوق، كان من نتيجته أن أصبح الصحفيون فئة مهمشة، لا يجدون من يعبر عنهم، وهم صوت الجميع، إلا أنفسهم.. حتى إذا جاء دور النقابة التى ينضوون تحت جناحها، فإذا بهم فى العراء، بلا سقفٍ ولا حامٍ، لأن للنقابة ما يشغلها، ولبعض أعضائها حساباتهم الخاصة، والذى لا يستمع لأوجاع الناس ويستجيب لندائهم، حق عليه الرحيل.. فالكيانات الكبرى كان لها دائمًا جيل من العظام، الذين تركوا لنا إرثًا من الصيت والقدرة والمهابة، حتى إذا ذهب زمانهم، أخذوا معهم كل شىء، وأهم شىء الانتصار لقضايا المظلومين.
لم نسمع للنقابة صوتًا يعترض لدى الجهات المسئولة على عرقلة صرف العلاوتين المتأخرتين منذ العام الماضى.. لم يأتِ لنا صدى صوت منها حول معاشات أعضائها التى تتفنن وزارة التأمينات فى إبقائها على حالها.. حتى معاش الصحفى الذى هو حق أصيل له، من النقابة، وقد دفع قيمته على أقساط بمدى عمره الوظيفى، ضنت به على أصحابه، لمجرد أن أحدا منهم استعانت به صحيفته بعد سن المعاش، بدراهم معدودات، لا تسمن ولا تُغنى من جوع، رضى بها، لأنه لم يقدر على سكنى الديار كخيل الحكومة، تنتظر رصاصة الرحمة، مع أن كل النقابات تصرف معاش أعضائها، بغض النظر عن عمله لدى جهة ما، بعد خروجه إلى المعاش.. أليس من العيب أن تُجبر الظروف زميلًا فى صحيفة قومية على القبول بالعمل فى صحيفته بمائتى جنيه شهريًا؟!.. أكرر، مائتى جنيه لا غير.. والنقابة فى صمت مريب، وهى المفروض فيها أن تكون حاميًا لحقوق أعضائها فى مواجهة الغير، أيًا كان هذا الغير.
ولا أدرى ما العلاقة بين النقابة وبدل التكنولوجيا، حتى تُقرر أن من يحصل على البدل، لا يحصل على المعاش، والعكس صحيح، مع أن البدل حق أقره القضاء للصحفى مدى الحياة، سواء عمل فى مؤسسته أم لا، تصرفه وزارة المالية، بعيدًا عن ميزانية النقابة، وقد (أرست محكمة القضاء الإدارى مبدأ قانونيًا مهمًا يقضى بأحقية جميع الصحفيين المقيدين بجدول المشتغلين بنقابة الصحفيين، بصرف بدل التكنولوجيا والمراجع، سواء عملوا فى مؤسسات صحفية أو خارج هذه المؤسسات، ولا يستثنى أحد، وبأثر رجعى، ومن ثم أحقية المحالين للمعاش، الذين اكتمل عطاؤهم داخل مؤسساتهم، وللمقيدين بجدول المشتغلين ويعملون بمؤسسات صحفية أو خارجها أو لم يعملوا، أحقيتهم فى البدل).. فهل يا ترى لم يعد الصحفى صحفيًا عندما بلغ سن التقاعد؟، أم أنه من العقول التى تزداد قيمتها، ويكبر عطاؤها كلما مرت السنون، مثلهم فى ذلك، كأساتذة الجامعة، والقضاة، ومن كان العلم والعقل وسيلته فى أداء مهمته؟.. هو أمر لابد أن ينظر إليه أولو الأمر فى نقابة الصحفيين، ويعملوا على تغيير لائحتهم الكريمة، التى وضعها بشر، ومن حق أى إنسان أن يُبدل ما كان فى غير صالح الناس، الذين هم أعضاء الجمعية العمومية للنقابة، وجاءوا، عبر أصواتهم، بمجلس هذه النقابة، ليكونوا أمناء على مصالحهم، معبرين عن قضاياهم، باحثين عن الحلول لمشكلاتهم.

ربما تعلل البعض فى النقابة بضيق ميزانيتها عن الوفاء بالتزاماتها مع أعضائها، بما قد يبرر اتجاه مجلسها لرفع قيمة الاشتراك السنوى لعضويتها، ويبرر مطالبتها بنصيبها من تمغة الإعلانات وزيادة قيمة نسبتها منها.. ولكن المشكلة لا تقف عند حدود الأزمة المادية، فالحلول للخروج من هذا الضيق المالى، إلى آفاق أرحب، كثيرة ومتعددة، لكن ما ينقصنا حقيقة، كجمعية عمومية للنقابة، هو الإرادة الحقيقية من مجلس النقابة فى التغيير، والقيام بالدور الذى قامت من أجله النقابة، وهو الانتصار لقضايا أعضائها والوقوف إلى جانب حقوقهم.. فالنقابة التى أُنشئت قبل سبعين عامًا، فى الأدبيات، هى التى تحمى ظهور أعضائها، وهى المؤسسة التى يلجأون إليها عندما يتعرضون للقهر فى مؤسسات العمل، فلا يمكن أن تمر ذكرى يوم الخميس ٣١ مارس من عام ١٩٤١، وهو أحد الأيام المشهودة والمجيدة فى تاريخ نضال الصحفيين المصريين، عندما تكلل كفاحهم الذى استمر ٥٠ عامًا بانتزاع حقهم فى إنشاء كيانهم النقابى رسميًا، بصدور المرسوم الملكى رقم ١٠ بإنشاء نقابة الصحفيين، ويكون حال الصحفى المصرى، على ما هو عليه الآن، من تردى الحال والمهانة والحاجة وقلة الحيلة فى مواجهة الزمان.. وقل فى ذلك سطورًا لا تنتهى، ربما استفاق من كان غافلًا واتقى الله فيمن كانوا وراء جلوسه خلف مكتبه.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.