رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا لا تحمى روسيا القواعد العسكرية السورية؟


السؤال؛ الذى ربما غاب عن الطرح عمدًا وسط ضجيج الحديث عن الضربة الثلاثية الصاروخية على المنشآت العسكرية السورية، هو لماذا لم تتصد قوات الدفاع الجوى الروسى لهذا الهجوم؟، ولماذا أيضًا لم تنفذ تهديدها المعلن قبل وقوعه بأنها ستقوم بالرد على مصادر إطلاق الصواريخ؟، وفى تلك الجزئية الأخيرة، حينًا ذكرت روسيا بأنها سترد فى حال تعرض جنودها أو قواعدها العسكرية فى سوريا للخطر، وحينًا آخر ذهبت بعض التصريحات المعلنة إلى أنها ستقوم بذات رد الفعل حتى لو جاء الهجوم على مواقع عسكرية سورية.
بنك الأهداف الذى أعلن عنه بعض المحللين الأمريكيين، المقربين من دوائر صنع القرار الأمريكى، امتد من مواقع استخدام السلاح الكيماوى- حسب زعمهم-وصولًا إلى تقويض الوجود الإيرانى فى سوريا، وهى فى حقيقتها أهداف فضفاضة؛ مما ازدحمت به التغطيات الإعلامية والبحثية لوسائل الإعلام الأمريكية، المرئية والصحفية بأنواعها، لكن تبين لاحقًا أن البنتاجون تدخل لدى صانع القرار السياسى، ليضع ضوابط وكوابح لهذه المطاطية فى الأهداف، التى يمكنها فعليًا أن تصنع «حربًا عالمية»، خاصة مع حماسة إعلان بريطانيا وفرنسا مشاركتهما فى العملية.
وعلى جانب الحلف الأمريكى وما قام به، هناك الكثير مما يقال، لكن يبقى ما نحن بصدده اليوم، وهو العودة لسؤال المقال الرئيسى، عن حقيقة ردة الفعل الروسى حيال هذا العمل العسكرى، الذى ظل معلنًا طوال أسبوع كامل، وكيف تمت صياغة العمل العسكرى الروسى إزاء ما تم.
الثابت وفق المعلومات الاستخباراتية، أن هذا الأسبوع الذى تـُرك كفترة سماح متعمدة، تمكن فيه القادة العسكريون بقاعدة «طرطوس»، من إدارة عملية إخلاء ناجحة للمواقع العسكرية السورية المرجح استهدافها، من وجهة التقدير العسكرى الروسى، لكن فى الوقت ذاته كان هناك تحرك معلن «مثير جدًا» للريبة فى حينه، جرى أيضًا فى ذات القاعدة الروسية، عندما تمت مغادرة كل القطع العسكرية البحرية الروسية (٧ سفن، وغواصتين)، الموجودة بغرض تأمين القاعدة بحريًا، ولمهام أخرى تشمل معظم نطاق الساحل السورى على المتوسط.
وفى ١١ أبريل لم يبقَ بالقاعدة من تلك القوة سوى (غواصة واحدة) من طراز «كيلو»، ولم يتفهم أحد تلك المغادرة وقت احتدام أزمة التهديدات الأمريكية، وهذا استدعى إجابة من «السيناتور الروسى فرانتس كلينتسيفيتش»، النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن فى الغرفة العليا للبرلمان الروسى، بالشرح للصحفيين الروس، عن سبب إعادة انتشار السفن الحربية الروسية الموجودة فى ميناء «طرطوس»، مشيرًا إلى أن موسكو أفهمت بذلك الغرب، أن القوات الروسية مستعدة لصد أى ضربة تستهدف مواقع روسيا أو حلفائها، «فهذا يعنى أن السفن وضعت فى حالة استعداد، لتأدية المهام القتالية فى حالة العدوان الحقيقى، على قاعدتنا العسكرية وعسكريينا، وكذلك لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين روسيا والجمهورية العربية السورية!».
وبالفعل وقع عدوان حقيقى، وجرى ما يمكن اعتباره تهديدًا للاتفاقيات التى أشار إليها نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن، والمثير أنه لم يبدُ فى وقائع الهجوم على سوريا، أى دور لتلك القوة البحرية الروسية، مما ذُكر للصحفيين الروس فى مقر البرلمان بموسكو، وهذا يضع احتمالين منطقيين؛ إما أن تكون تلك التصريحات بمثابة تضليل للصحافة الروسية التى تناولت غالبيتها هذا الحدث، عشية القصف الصاروخى. أو أن المغادرة جرت على خلفية تفاهمات ما بين الجانب الروسى والأمريكى، وفق «قواعد الاشتباك» التى تنظم حركة العمل العسكرى ما بين الطرفين، والموقعة رسميًا بينهما منذ وصول القوات الروسية إلى سوريا أكتوبر ٢٠١٥.
هذا قد يجرنا إلى التدقيق فى المقصود بـ«قواعد الاشتباك»، فمن المعلوم أن روسيا قد صاغتها ليس مع الولايات المتحدة فقط، بل امتدت أيضًا لتشمل قوات «حلف الناتو» ودوائر عمله، وهناك أمر آخر حظى أيضًا بتسليط الضوء عليه فى أكثر من واقعة على أرض الصراع فى سوريا، وهو الذى تم إنجازه ما بين روسيا وإسرائيل، وهو أنماط عسكرية استخباراتية معقدة، تعكس على مسارح العمليات الخطوط التى تم الاتفاق عليها سياسيًا ما بين أطرافها، لضمان عدم العبث بتلك الخطوط، فضلا عن حماية كل طرف من أخطاء أو تجاوزات طرف على حساب طرف آخر، وتُخصص لإدارة هذا العمل خطوط ساخنة مفتوحة على مدار الساعة، بغرف العمليات العسكرية للأطراف الموقعة على تلك القواعد، وقد تكون هناك غرف مشتركة تضم بعضًا من ممثلى الدول، لضمان سير العمل وفق صرامة ودقة التعامل بالنار، من أسلحة الجيوش المختلفة.
وبالنظر إلى أن الصرامة؛ تمتد لتوصف بها درجة سرية «قواعد الاشتباك» حيث تعد من الأسرار العسكرية، لكن تظل هناك عدة اختبارات جدية تعرض لها الجانب الروسى، على الأراضى السورية من كل من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، وجميعها إما قوبل بالصمت العسكرى الروسى أو بالتجاهل، وهى وقائع معلنة، البعض منها دفعت روسيا ثمنه مباشرة، وآخر غضت الطرف فيه عن القيام بردة فعل فى حال كانت الفاتورة سوريا. ولم يكن القصف الصاروخى الأخير هو فقط مثال «الفاتورة السورية» الوحيد، فقبيل «أزمة الكيماوى» بأيام كان هناك هجوم إسرائيلى على (مطار T4)، ولم تصدر من روسيا أى من أشكال الاعتراض عليه!.
وهذا ما يدفع إلى التساؤل الجاد عن مساحات السماح الموقعة ما بين روسيا وتلك الأطراف الغربية وإسرائيل داخل «قواعد اشتباك»، لا يبدو منها جليًا للعيان، سوى أن روسيا لا علاقة ولا تداخل لها «عسكريا» فيما تقوم به تلك الأطراف من عمليات عسكرية تجاه الأراضى السورية، وهو يفتح هذا التساؤل بعد عشرات من الوقائع المماثلة، على آخر أكثر إلحاحًا، فمع وجود القواعد العسكرية الروسية على تلك المقربة من مسرح العمليات، (لماذا) لا تحمى روسيا سوريا من هذه الهجمات العسكرية ؟!.