رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطايا تتار العصر الحديث


تصدر الأحكام من المحكمة الدستورية لكى يسخر منها الإخوان إذا كانت ضدهم، ويستهزئون بها إذا كانت تهدد مصالحهم، ويضربون بها عرض الحائط إذا كانت سيترتب عليها حل أى مجلس من مجالس الإخوان، فإذا كانت الأحكام لمصلحة الإخوان

فأهلاً وسهلاً بها، وفى كلتا الحالتين ينطلق من جحور الإخوان مجموعة من المسوخ البشرية التى تطلق على نفسها «فقهاء دستوريين» فيحللون الحرام ويحرمون الحلال، ويفعلون ذلك إما بلاهة منهم أو نفاقاً، وأرجو ألا يظن أحد أن كلمة بلاهة هى شتم للإخوان ـ ومن يشدو ألحانهم النشاز ـ لأنها فى الحقيقة مدح، إذ لو اكتفيت بوصفهم بالبلاهة أكون قد أعملت حسن النية، ولكن التوصيف الذى يعتبر أكثر دقة هو أنهم سفراء للشيطان، وخدم لإبليس، ولن يفلح تلبس إبليس الذى يمارسونه ليل نهار فى جعل الباطل صحيحاً، فالدستور باطل باااطل بااااااطل، ومجلس الشورى بااااااااااطل.

وعلى بلاطة وبالعربى الفصيح أقول إن حكم الدستورية بعدم دستورية قانون انتخابات الشورى يترتب عليه أن يصبح مجلس شوراهم يعيش بالتنفس الصناعى، فهو أصلا وفقا للدستور انتحل سلطة التشريع استثناء من الأصل العام، فالتشريع أصلا للبرلمان، وهو أيضاً وفقاً للحكم الأخير من المحكمة الدستورية مجلس مؤقت المدة تم تأجيل موعد وفاته لوقت مستقبلى، ولكى يتم مد حياته تم وضع قلبه على أجهزة متخصصة، وتم وضع رئته تحت دفقات من أنبوبة أوكسجين، والمجلس المحكوم بوفاته كان من المفترض أن ينال شهادة الوفاة منذ زمن، ولكن بعض اللصوص والبلطجية أوقفوا عمل المحكمة الدستورية منذ شهور حتى لا تصدر شهادة الوفاة، وحين سمحوا لها وفكوا عنها الحصار لم يكن أمامها إلا إصدار شهادة الوفاة معلقة على المستقبل، وهذا هو ما جعل قلوب هؤلاء البلطجية واللصوص تنشرح من السرور .

وجاء الحكم الثانى الذى قضى بعدم دستورية قانون تشكيل الهيئة التأسيسية للدستور، مما يترتب عليه بطلان الدستور نفسه إذ إنه صدر من هيئة ليست لها أهلية إصداره، أما هؤلاء المتفيقهون الذين يقولون إن إرادة الشعب فى الاستفتاء تحصن الدستور فهم أكثر الناس معرفة أن أحكام المحكمة الدستورية فى سوابقها القضائية ذهبت إلى أن الاستفتاء لا يحصن القرارات أو القوانين أو الدساتير .

ولكن السؤال الأهم هو: من ذا الذى صنع عدم الدستورية هذا ؟ هل هى المحكمة الدستورية أم أولئك الذين صنعوا تلك القانونين الفاسدة؟!، الإمام الشافعى عنده الإجابة، فقد قال فى بيت شعر شهير «نعيب زماننا والعيب فينا وليس لزماننا عيب سوانا».

لذلك فإن بعضهم يعيب المحكمة الدستورية والعيب فيه وليس هناك من عيب سواه، ولك أن تعرف أننى على وهم منى كنت فى سالف الأيام أظن أن الدستور هو عقد اجتماعى يبرمه الشعب ـ فكراً وصياغة وتصويتاً- ويضع فيه القواعد العليا التى تنظم شكل الدولة ونظام الحكم والعلاقة بين سلطات الدولة المختلفة، فضلا عن الحريات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، وفى ظل حكم الإخوان خاب ظنى إذ اتضح لى من خلال طريقة اختيار اللجنة التأسيسية للدستور وطريقة عملها والمسودة التى وضعتها وطرحتها على الرأى العام على ظن منها أنها «وثيقة تصلح للمناقشة»، اتضح لى أن الدستور هو (موضوع إنشاء يضعه مدرس تعبير من جماعة الإخوان ويسعى إلى فرضه على الشعب فرضاً ويستخدم فى ذلك عدة وسائل فقهية أبرزها طريقة «حاورينى يا طيطا»)!! .

خطيئة الخطايا أن يكون تشكيل لجنة الدستور يخالف القانون، فكيف لمن بدأ عمله بمخالفة القواعد الدستورية الأصولية أن يكتب لنا دستوراً حقيقياً من الدساتير التى تحظى بالاحترام، كيف لفاقد الشىء أن يعطيه ؟! هذه لجنة تم تشكيلها بالمخالفة لأحكام الإعلان الدستورى، وضع الذين شكلوا اللجنة عصابة على أعينهم كى لا يروا الطريق القانونى الصحيح لتشكيل اللجنة فكان أن لم يروا إلا أنفسهم، فنزعت محكمة القضاء الإدارى تلك العصابة من على أعينهم وحكمت ببطلان تشكيل اللجنة، ثم أيدتها المحكمة الدستورية بعد ذلك .

ولأننى كنت فيما سبق أحمل قدراً من التقدير للمستشار حسام الغريانى -رئيس الهيئة التأسيسية للدستور- فقد كنت أظن أنه حينما صدر حكم محكمة القضاء الإدارى سيحترمه، فهو رجل قضاء ويعلم قيمة الأحكام القضائية، ظننت أنه سيحترم أحكام القضاء التى عاش عمره ينافح عنها ويوقف عمل الهيئة الدستورية لمخالفتها من حيث التشكيل للإعلان الدستورى، ولكن خاب ظنى !! إذ إننى فوجئت بأن بعض رجالنا فى أيامهم الأخيرة يُقبلون على الدنيا ويـَقبلون ما لا يقبله الرجل الحر فى شبابه .

هى الدنيا إذن، تلك الدنيا التى اختلط شأنها مع الدين، فإذا بالبعض يمارس الطموحات الشخصية ويسعى بالناب والحافر للمكاسب المالية والمجد والرفعة وعلو الشأن ثم يقوم بوضع كل ما سبق فى غلاف من الدين والانتصار للإسلام ولا مانع من قليل من مصريتنا وطنيتنا حماها الله، ليكون الناتج دستوراً «بما لا يخالف شرع الله» فهل كنا ننتظر بعد ذلك أن يقدم لنا هؤلاء مسودة دستور ترضى الله والرسول وتبعث الفرحة فى قلوب المصريين المناكيد، أنا شخصياً لم أكن أنتظر، لذلك لم تفاجئنى موضوعات الإنشاء التى قالوا عنها إنها مسودة دستور، هذه هى أقصى ما يستطيعون ،وأقسى مما نتحمل .

الآن نبحث عن أحد نجا من فيروس الإخوان وفيروس المصالح الدنيوية والطموحات الشخصية لعله يرفع مصلحة مصر فوق مصالحه، ولكن البحث أعيانا وما زال فقهاء السلطان يعملون بكل جد وكد، حتى ولو كان السلاطين الجدد الذين يحكموننا مجموعة من البلهاء، إلا أن الذين تعودوا على النفاق والجلوس على موائد الحكام ليقتاتوا من الفتافيت التى سيمنحها لهم لا يعرفون إلا ترضية الحكام ولعق أحذيتهم، لا يدرك لاعقوا الأحذية أن الحكام يستخدمونهم لفترة ثم سيتخلصون منهم عند أول مفترق طريق، وسيغدرون بهم، إذ لا يعلم هؤلاء المنافقون أنهم يعملون خدماً عند تتار العصر الحديث، وللتتار نفس الأسلوب فى كل عصر، وللعلم كان التتار يرفعون شعارات الإسلام، تماماً مثل الإخوان تتار العصر الحديث .