رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالم السري لاستئصال قرنية الموتى (تحقيق)

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

«استئصال قرنية العين من أجساد الموتى».. رغم ما يبدو من «غرابة» فى هذه العبارة، واستقبالها باستنكار واستهجان شديدين، من قبل أى فرد يسمعها، إلا أن المفاجأة أنها حقيقة، تحدث داخل مستشفيات حكومية، أتاح لها قانون «خفى» الحق فى ذلك، دون وصية من المتوفى، أو موافقة كتابية من أسرته.

على مدار ٥ أشهر، مدة إعداد هذا التحقيق، تمكنت «الدستور» من كشف تفاصيل هذا القانون، الذى لا يزال ساريًا على المستشفيات الحكومية، وتوقفت عن تطبيقه، تجنبًا للمشكلات مع أهالى المتوفين، باستثناء مستشفى قصر العينى، الذى لا يزال يمارس عمليات استئصال «القرنيات»، بحجة توفيرها للفقراء غير القادرين على استيرادها من الخارج.

زينب وأمل أبرز الحالات.. أطباء أمام النيابة: «مسموح قانونًا».. والسر قرار النائب العام فى 2008

قبل التاسعة من صباح الثامن والعشرين من مارس ٢٠١٦، لم تكن «زينب سليمان»، الفتاة الثلاثينية، تتخيل أنه عندما توافيها المنية إثر حادث مرورى، سيكون جثمانها عرضة للعبث، واستئصال قرنيتى عينيها اليمنى واليسرى دون وصية منها أو إذن كتابى من ذويها بالتبرع بهما لـ«بنك القرنيات» فى مستشفى قصر العينى الحكومى.
ورغم الضجة الإعلامية، التى أثارتها «قضية زينب»، إلا أن أسرتها لم تستطع الحصول على حقها حتى الآن، فلجأت إلى تحرير محضر فى قسم شرطة السيدة زينب برقم «١٦٨٤»، ورقم الصادر «٧٣٧»، كما تحدث محمد سليمان، أحد أقارب «زينب» لـ«الدستور».
استدعت النيابة الشهود والمسئولين فأقروا بالواقعة، وخلال تحقيقات النيابة، قال الطبيب الذى نفذ العملية داخل حجرة ثلاجات الموتى بمستشفى قصر العينى: «استأصلت قرنيتى العينين اليمنى واليسرى فقط، ولم أقم باستئصال أى عضو آخر من جسدها، لأن هذا هو المسموح به قانونًا».
لم تكن «زينب» الحالة الوحيدة، فحين يأست «أمل عبدالفتاح»، من الحياة وألقت بنفسها من الدور السادس بمسكنها فى ضواحى الجيزة، تم نقلها إلى مستشفى «أم المصريين»، الذى وصلت إليه جثة هامدة، وتم وضعها فى المشرحة، حيث تعرضت لاستئصال قرنيتها، وتم تحرير محضر بالواقعة رقم «٦٣٥٤» لسنة ٢٠١٠ فى قسم العمرانية.
وخلال حديثه لأحد البرامج التليفزيونية، عن تلك الواقعة، قال الدكتور عبدالرحمن المهدى، مدير مستشفى «أم المصريين»، إنه تم الاتصال بالمركز القومى لـ«بنك القرنيات» فى روض الفرج، الذى أرسل بدوره فريقًا لاستئصال القرنية خلال ساعتين من الوفاة، خاصة أن القرنيات تفسد بعد ٦ ساعات من الوفاة.
وأضاف «المهدى»: «الفريق تأكد من أن أمل عبدالفتاح توفيت فى حادث، وبالتالى لا يحتاج إلى موافقة كتابية لاستئصال قرنيتها، كما ينص القانون، وبالتالى أدى الفريق عمله ووضعوا لاصقة بلاستيكية مكان القرنية».
وكشف مدير المستشفى أن «أم المصريين» واحد من ٤ مستشفيات تابعة لوزارة الصحة مسموح ومرخص لها باستئصال القرنيات بداخلها من حديثى الوفاة، وفقًا لقانون «زرع القرنيات»، إلى جانب «قصر العينى».
وأوضح «المهدى» أن هذه المستشفيات الأربعة هى: «معهد ناصر، ومستشفى الساحل التعليمى، ومستشفى أم المصريين، ومستشفى إمبابة العام».
وأشار إلى أن هذه المستشفيات مجرد وسيط يخطر الفريق الطبى الموجود فى مستشفى رمد روض الفرج (الساحل)، لإجراء عملية استئصال القرنية وحفظها لحين إيصالها إلى البنك القومى للقرنيات، التابع لوزارة الصحة، والموجود فى روض الفرج.
ويعود سبب اختيار المستشفيات الأربعة إلى أنها تحتوى على غرف لحفظ الجثث مجهزة لإجراء مثل تلك الجراحات، حسب تصريحات مدير «أم المصريين».
هذه الحالات، وتصريحات الأطباء مجرى العملية، التى أكدوا فيها استنادهم للقانون، دعتنا للبحث عن حقيقة هذا «السند»، الذى تبين أنه يعود إلى سبتمبر ٢٠٠٨، حين اشتكت بنوك العيون فى مصر من قلة «القرنيات» بها.
وقال المسئولون عن تلك البنوك حينها إن ذلك جاء نتيجة رفض أهالى المتوفين السماح لهم بالحصول على قرنيات ذويهم، فى الوقت الذى زادت فيه أعداد المصريين الذين يعانون من «عتامة العين» ويحتاجون إلى قرنيات لإعادة إبصارهم مرة أخرى، حتى وصل عددهم، حسب إحصائية منظمة الصحة العالمية ٢٠١٥، إلى ما يزيد على مليون مواطن.
بناء على هذه الضغوط، أصدر النائب العام الأسبق، المستشار عبدالمجيد محمود، قرارًا يعطى الحق للمستشفيات، باستئصال قرنيات المتوفين فى الحوادث التى لم يتم التعرف على أصحابها.
وحينها برر أطباء العيون والطب الشرعى الأمر بأن بنوك العيون فى مصر تحتاج إلى قرار النائب العام، لأن هذه البنوك تقوم باستيراد القرنيات من الخارج، وتأتى فى بعض الأحيان فى أوقات غير مناسبة أو تتلف أثناء نقلها من الخارج إلى مصر، إضافة إلى ارتفاع ثمنها.
الكتاب الدورى الذى أصدره النائب العام الأسبق عبدالمجيد محمود، حمل رقم «٢٢ لسنة ٢٠٠٨»، بتعديل على الكتاب الدورى رقم «١٧ لسنة ١٩٩٩» الصادر بتاريخ ٢ ديسمبر ١٩٩٩، ويتضمن بيانًا لبعض أحكام القرار بقانون رقم «١٠٣ لسنة ١٩٦٢» فى شأن إعادة تنظيم بنوك قرنيات العيون ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الصحة رقم «٤١٧ لسنة ١٩٩٦».
وتضمن الكتاب الدورى الجديد مجموعة من التعليمات، التى يجب على أعضاء النيابة اتباعها فى شأن تلك الأحكام، وهى:
١ - قرنيات قتلى الحوادث الذين تأمر النيابة العامة بإجراء الصفة التشريحية لهم، ويكون الاستئصال فى هذه الحالة بمجرد الأمر بالتشريح.
٢- قرنيات عيون الموتى بالمستشفيات والمعاهد المرخص لها بإنشاء بنوك قرنيات العيون، والتى يجمع ثلاثة من الأطباء رؤساء الأقسام المعنية على نقلها وفقا للإجراءات، التى تحددها اللائحة التنفيذية للقرار بقانون إعادة تنظيم بنوك قرنيات العيون المشار إليه.
والمقصود برؤساء الأقسام المعنية فى هذا الصدد: رئيس قسم طب وجراحة العيون ورئيس قسم المعامل ورئيس قسم الأمراض الباطنية بالمستشفى أو الهيئة أو المركز أو المعهد المرخص له فى إنشاء بنك قرنيات العيون.
٣- لا يشترط موافقة أحد، سواء ورثة المتوفى أو ذويه، قبل الحصول على قرنيات العيون فى الحالات المنصوص عليها فى الفقرتين ١ و٢.

«قصر العينى»: حق أصيل بفتوى أزهرية.. الفقراء أكبر مستفيد.. ولا نُخبر أهل المتوفى خوفًا من «الخناقات»

قررت «الدستور» بعدها إجراء جولة فى المستشفيات المسموح لها بممارسة هذا الحق «استئصال القرنيات»، وكانت محطتنا الأولى مستشفى قصر العينى، الذى يعد من أكبر الصروح الطبية الحكومية، وهو المكان الوحيد فى مصر الذى يضم بنكًا للعيون وبأسعار فى متناول المواطن العادى.
كانت بداية تأسيس «بنك العيون» فى قصر العينى وعين شمس عام ١٩٨٩، تحت إشراف اتحاد بنوك العيون العالمى، وبمساعدة خبراء من اتحاد بنوك العيون العالمية (TBI) وبعد توقف «بنك عيون» عين شمس، أصبح قصر العينى هو البنك الوحيد العامل فى مصر.
توجهنا إلى الدكتور فتحى خضير، عميد كلية طب قصر العينى، الذى قال إن عمله يقتصر على الجانب الإدارى فقط، وإن الدكتور محسن سالم، رئيس قسم الرمد بقصر العينى السابق، هو المسئول عن الأمر.
الدكتور محسن سالم، أكد فى تصريحاته أنه لا وجود لما يسمى «تجارة القرنية» لأنها لا تؤخذ سوى من شخص متوفى، موضحًا أن استئصالها من المتوفين بـ«قصر العينى» حق أصيل للمستشفى.
وأضاف سالم: «بتتاخد منه تانى يوم وهو فى التلاجة، ولا يمكن أن يكتشفها أحد، وذلك بناء على قرار من النائب العام، وقرار مماثل من وزير العدل»، لافتًا إلى أن الأزهر أفتى بأنه إذا توفى شخص وقرنيته تصلح للزراعة لآخر يجوز استئصال جزء من قرنيته (مقداره ٨ مم × نصف مم)».
وكشف مسئول «بنك القرنيات» عن أن قائمة انتظار المرضى بعد أن كانت تصل إلى ٨ سنوات تقلصت إلى ما يقرب من عام ونصف العام فقط، مشيرًا إلى أن فقراء قصر العينى لهم الأولوية وبالمجان للحصول عليها، بالإضافة إلى من حصلوا على قرار علاج على نفقة الدولة.
وأضاف: «الفقراء لهم الحق فى الحصول على القرنية من قصر العينى، فبعد وفاتهم من حقنا أخذ قرنياتهم أيضًا ونضع مكانها قرنية صناعية، ولا نأخذ موافقة كتابية من المريض لأنها ليست عضوًا، بل نسيجًا لا يحتوى على أوعية دموية».
وتابع: «أهل المتوفى يكونون فى حالة حزن وصدمة فإذا استئذناهم فى أخذ قرنية متوفاهم ربما يصل الأمر إلى الشجار مع الأطباء».
وأوضح «سالم» أن المتضرر الوحيد من شائعات تجارة «قصر العينى» بالقرنيات هم الفقراء، لكن القادرين ماديًا يسافرون إلى تل أبيب لإجراء عملية ترقيع القرنية، وبالتالى يعملون على إنعاش اقتصاد إسرائيل، مضيفًا «يعنى يبقى حلنا عندنا، وندور بره؟».
وذكر أن تكلفة القرنية لا تتعدى الـ٢٠١ جنيه، لكنها لا تتوافر حاليًا إلا مستوردة ويبلغ سعرها نحو ٥٠ ألف جنيه للواحدة، مشددًا على أن القرنيات لا تخرج عن قصر العينى سواء إلى مستشفيات حكومية أو خاصة أو جامعية، لعدم وجود فائض لتبادله مع جهة أخرى.
وأضاف «سالم»: «أقصى عدد من القرنيات الصالحة هو إذا كان لدىّ ١٠ متوفين، ليسوا مسنين أو أجروا عملية تتعلق بالكبد الوبائى أو الإيدز أو سرطان أو أى نوع من الأمراض المعدية، سنحصل على قرنية كل ٣ أيام».
وذكر أن عملية شراء القرنية المستوردة تتم من خلال بنوك القرنيات فى الخارج، والمصنفة أنها بنوك تجارية صالحة للبيع والشراء، وذلك عبر مواقع شراء معينة يتم من خلالها تحديد مواصفات القرنية التى يحتاجها المريض، وتصل خلال أسبوع تقريبًا.
وقال إن هذه البنوك لديها وسائل حفظ القرنية ما يبقيها صالحة لأطول فترة ممكنة، مضيفًا: «الفرق بين بنوك الخارج وبنك قصر العينى، أنه ممكن يكون عندهم ٥٠ قرنية، لكن أنا هنا فى بنك العيون لا يكون عندى غير قرنية واحدة»، مشيرًا إلى أن الأولوية للشخص الكفيف الذى لا يرى بكلتا عينيه أو لديه عين واحدة، وكذلك للأصغر سنًا، إلى جانب الأسبقية فى قائمة الانتظار.
ووجهنا «سالم» إلى الدكتور سامح الأغا، المدير الحالى لبنك القرنيات بقصر العينى، للحصول على إحصاءات بالعمليات التى تم إجراؤها فى الآونة الأخيرة، وفى إحدى غرف الكشف بقسم ١٦ الذى يضم «بنك العيون» التقيناه، بعدما انتهى من الكشف على مريضة بحاجة إلى زرع قرنية وانضمت إلى قائمة الانتظار لحين توافر قرنية لها.
الدكتور سامح الأغا قال: «إذا أرادت الصحافة أن تساعد بالفعل فى مساعدة المريض الغلبان فعليها الابتعاد عن هذا الموضوع حتى لا تكون سببًا فى إغلاق المجال من جديد، إحنا ما صدقنا اتفتح»، حسب تعبيره.
وأضاف الأغا: «التناول الإعلامى لنقل القرنيات سيفتح المجال لإطلاق شائعات حول تعمد قصر العينى قتل المرضى لاستئصال قرنياتهم، ونحن فى غنى عن هذا اللغط، لأننا بنعالج المريض الغلبان اللى مش هيقدر على تمن القرنية بره القصر».

«معهد ناصر»: لا نملك تخصص رمد.. «الساحل»: لجأنا للاستيراد.. و«أم المصريين»: «بعدنا عن وجع الدماغ»

محطتنا الثانية كانت فى مستشفى معهد ناصر، واستقبلنا فيه الدكتور أيمن خلاف، نائب مدير المستشفى، الذى أكد أنه منذ توليه منصبه منذ ١١ شهرًا، لم يتم إجراء أى عمليات استئصال قرنية، وذلك لأن المستشفى ليس به أى تخصص خاص بالرمد، ما يعنى أن هذا القرار لا يطبق على مستشفى معهد ناصر.
ومن معهد ناصر إلى مستشفى الساحل التعليمى للرمد، الكائن فى منطقة روض الفرج، الذى كان يضم «بنك القرنيات» التابع لوزارة الصحة، نفى أحد مسئوليه، استمرار عمل المستشفى بقرار استئصال القرنيات رغم سريانه قانونًا.
وذكر المسئول -الذى طلب عدم نشر اسمه- أن سبب التوقف عن استئصال القرنيات هو عدم معرفة الناس بوجود قانون يتيح ذلك، فيلجأون إلى الإبلاغ عن الطبيب بتهمة سرقة قرنية متوفاهم، ويذهب الطبيب إلى النيابة العامة للتحقيق فى الأمر، ثم يحفظ البلاغ، مضيفًا: «تجنبًا لتلك الدائرة تم وقف التعامل بهذا القانون بيننا كأطباء واتجهنا حاليًا إلى الاستيراد من الخارج».
انتقلنا بعدها إلى مستشفى إمبابة العام، بمنطقة أحمد عرابى بالمهندسين، حيث استقبلنا أحد مسئوليه -طلب عدم نشر اسمه أيضًا- وأكد لنا أنه لم يسمع بقرار استئصال القرنيات من قبل، وذلك رغم وجوده فى الإدارة منذ ما يقرب من ٩ سنوات.
وقال المسئول إنه لم يتم إجراء أى عمليات استئصال قرنيات فى المستشفى نهائيًا، والعمليات الخاصة بالرمد التى يتم إجراؤها فى المستشفى بسيطة مثل الأكياس الدهنية، والمياه البيضاء على العين، والحوَل، والجفن المقلوب، والزوائد الجلدية، فقط.
كانت الرحلة التالية إلى مستشفى أم المصريين، بالجيزة، وقال أحد مسئوليه، إن موضوع استئصال القرنيات متوقف منذ ٢٠١٠ رغم أن القانون القديم سارٍ حتى الآن، إلا أن الأطباء لا يعملون به تجنبًا لـ«وجع الدماغ».
وعن أسعار القرنيات، قال الدكتور محمود إسماعيل، أستاذ الرمد بكلية الطب جامعة الأزهر، إن القرنية المستوردة سعرها ١٢٠٠ دولار، لكن إذا كانت محلية لن يتخطى ١٠٠٠ جنيه، مضيفًا: «إحنا بندى الخواجة ٢٠ ألف جنيه قصاد منتج ممكن نطلعه بكواليتى أعلى».
وأضاف «إسماعيل»: «نستورد سنويًا قرنيات ثمنها ٦ ملايين دولار تقريبًا، وتأتينا من أمريكا، فتمر برحلة طيران وتتعثر فى ترانزيت ثم تأتى مرحلة الكشف عليها فى الحجر الصحى بمطار القاهرة، ورغم أن المورد ليس غبيًا ليصدر لنا منتجًا يفسد بسهولة لطوال المدة التى يسافر فيها حتى يصل إلينا، إلا أن حيويتها لن تكون مثل المحلية بل أقل». وتابع: «قبل أى عملية للمريض نضع القرنية تحت الميكروسكوب، لاكتشاف إذا كانت صالحة أم لا، وحالات عدم صلاحيتها نادرة، وتكون نتيجة تخزينها فى مكان غير صالح». وشدد «إسماعيل» على أن استيراد القرنية يحتاج إلى سجل فى وزارة الصحة وتصريح بهذا الأمر، لافتًا إلى أن الشركات المستوردة هى «الششتاوى» و«حمد» و«توينتى توينتى» ويلجأ إليها كل المراكز والمستشفيات، بسعر واحد.
وذكر أستاذ الرمد أن إجمالى عدد عمليات زرع القرنية فى مصر يتراوح بين ٥٠٠٠ و٥٥٠٠ حالة سنويًا، مضيفًا: «يورد بنك العيون من ٦٠٠ إلى ٦٥٠ قرنية، بالتالى لا نزال فى حاجة إلى ٩ أضعاف ما نستخرجه من بنوك العيون المؤهلة، فالمحلى يوفر ١١٠ (عُشّر) ما نحتاج إليه، ونستورد ٩٠٪ منه».
الدستور تتفق مع ممرضة على شراء واحدة.. و«الأطباء» تطالب بتشريع لتقنين العملية
تمكنت محررة «الدستور» من الاتفاق مع «أ. ش»، إحدى ممرضات «بنك القرنيات» بقصر العينى، لشراء قرنية، مدعية أن لديها حالة تحتاج إلى زراعة قرنية بشكل عاجل وبأى ثمن، فنصحتنا الممرضة بالتعامل مع طبيب من المستشفى فى عيادته الخاصة، إذ سيتمكن من حجز الحالة باسمه وإجراء العملية لها، نافية وجود نقص فى القرنيات بالبنك.
ونصحتنا كذلك بإمكانية التعامل مع وسيط تعرفه داخل المستشفى هو الممرض «أ. س» مضيفة: «هوصيه عليكى بس متقوليش لحد إنى قولتلك عليه»، وذلك حال الفشل فى الاتفاق مع الطبيب.

وحين تواصلت «الدستور» مع «أ. س» أخبرنا بالتوجه بمريضتنا إلى إحدى العيادات الخارجية المختصة بالرمد بعد قطع تذكرة، من السبت للخميس، فى تمام السابعة والنصف صباحًا، ثم معاودة الاتصال به ليوصى إحدى العاملات المختصات بحجز المواعيد، ويخبرها بأن المريضة من أقاربه للتعجيل بالإجراءات، ومن ثم ستعطيها «الكارت الأخضر»، الذى من خلاله سيتحدد لها موعد مع الاستشارى المختص.

وأضاف: الخطوة التالية هى تحديد الطبيب الذى سيتابع حالتها سواء الدكتور «س. أ» أو الدكتور «ط. ق».
من جهته، قال الدكتور أسامة عبدالحى، رئيس لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء الحالى، إن عمليات استئصال القرنيات كانت مستمرة فى مصر منذ ٤٠ عامًا حتى ظهر الشيوخ وأدخلوا التحليل والتحريم فى هذا الأمر فتوقفت، وبالتالى تم الاتجاه لاستيراد القرنيات من أمريكا، التى تحضرها غالبًا من إسرائيل.

وأضاف «عبدالحى»: «تتكلف القرنية المستوردة ما يقرب من ٢٠ ألف جنيه للواحدة، فى الوقت الذى يمكننا فيه ألا نكلف المريض أو الدولة شيئًا أمام قائمة انتظار مرضى القرنيات»، مشيرًا إلى أنه خلال عمله كرئيس للجنة طوال ٤ سنوات، لم ترد إليه شكاوى ضد أطباء تتعلق بعمليات نزع القرنية من حديثى الوفاة دون موافقة الأهل.

وقال الدكتور طارق كامل، الرئيس السابق للجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء، إنه خلال فترة وجوده بالنقابة لم تمر عليه شكوى واحدة بخصوص تجارة قرنيات داخل قصر العينى أو أى مستشفى آخر.
وذكر «كامل» أن القرنية تؤخذ من شخص متوفى فقط، موضحًا أن «الروتين فى قصر العينى هو أن كل الحالات التى تتوفى داخله يتم وضعها بثلاجة المستشفى، ويستأصل منها طبيب عيون متخصص القرنية لوضعها فى بنك القرنيات».
وأضاف، أنه بسبب شكوى من مواطن بأن الأطباء شوهوا جثة ابنته واقتلعوا جزءًا من عينيها، توقف الأطباء عن الاستمرار فى هذه العمليات، رغم عدم وجود خلاف دينى أو علمى عليها، وبالتالى أصبح القطاع الخاص هو الوحيد القادر على استيراد القرنيات من الخارج.
وطالب «كامل» بوجود تشريع يوضح أن أخذ القرنية لا يعنى استئصال عينى المتوفى كلها بل قشرة شفافة منها، وذلك لحماية الأطباء من الاتهامات، التى وصفها بـ«الباطلة» مضيفًا: «تشريع من هذا النوع يمكننا من توفير القرنيات دون اللجوء إلى استيرادها، ومن ثم تختفى قوائم انتظار عمليات زراعة القرنية».

بدوره، أكد الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن «هناك دائمًا فرصًا كبيرة للتجارة بالقرنيات بعيدًا عن القانون، ما يعنى أن مشكلتنا الأساسية عدم سماح القانون لوجود بنوك رسمية، وحصول أهل المتوفى على حقهم سواء فى القبول وتلقى التعويض المناسب أو الرفض».
وأشار سمير إلى أنه: «عندما يستلم أهل المتوفى الجثة من المشرحة تكون عيناه مغلقتين، ونادرًا ما يحاول أحدهم فتحها ليكتشف إذا ما كانت سليمة أو مستأصلًا منها جزء».
ولفت إلى عدم وجود نظام للتبرع يساعد فى إبصار عدد كبير من الذين يحتاجون قرنية، مطالبًا بتغيير القانون بحيث يتضمن فتح الباب للتبرع بالأعضاء، لا بيعها، ليتمكن من الحصول عليها من يحتاجها سواء بشكل مجانى أو بسعر رمزى، درءًا للتجارة فيها والقضاء عليها.

رئيس لجنة إعداد قانون زراعة الأعضاء: نقل القرنية «صدقة جارية».. واستيرادها خطر

قال الدكتور عبدالحميد أباظة، مساعد وزير الصحة للاتصال السياسى، السابق رئيس لجنة إعداد قانون زراعة الأعضاء البشرية، إن قانون زراعة القرنية صدر عام ١٩٦٦ وتم تعديله عام ١٩٦٩، ويبيح أخذ القرنية بدون موافقة كتابية، لأنها نسيج لا يؤثر ولا يشوه الجسم ولا فائدة له، لكنه أشار إلى أن القانون غير مُفعّل.
وكشف «أباظة» عن وجود محاولات لإنشاء بنك للقرنيات تابع لجامعة عين شمس وآخر فى قصر العينى، إلا أنها باءت بالفشل بسبب عدم القدرة على الحصول على قرنيات كافية، وأكد أن قرنيتى المتوفى تسهمان فى إبصار اثنين من المرضى، وهو ما يعد صدقة جارية، وهى تؤخذ عند الوفاة العادية وليس وفاة جذع المخ التى أثارت لغطًا فى وقت سابق، نافيًا أن يكون استئصال القرنية يتسبب فى تشوه الجثة.

ولفت إلى مخاطر القرنيات المستوردة، قائلًا: «كل العمليات التى تتم تكون من خلال قرنيات مستوردة من إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وتكمن خطورتها فى أنه قد تكون بها ميكروبات تنقل إلى المريض الذى يزرع له، ورغم أنها تعرض للفحص قبل دخولها إلى البلاد من خلال الحجر الصحى وقبل زرعها، إلا أنه قد يكون هناك تلاعب فى أوراق فحصها».
وتحدث مساعد وزير الصحة السابق، عن الإجراءات اللازمة لحصول مركز طبى على تصريح باستيراد قرنيات وزراعتها، فقال إن الأمر يحتاج إلى موافقة من وزارة الصحة والحجر الصحى، وأيضًا موافقة إدارة العيون والرمد وإدارة الصيدلة والطب الوقائى.
وأشار أباظة إلى ضرورة وجود حملات إعلامية لنشر ثقافة التبرع بالقرنية، وذلك قياسًا على الحملات التى انطلقت للحث على زراعة الأعضاء، وحازت على استجابة من الجمهور، فإذا نجحنا فى توفير ٣٠٪ من القرنيات فهى تكفى لإغلاق قوائم الانتظار.
من جهته، قال الدكتور رفعت كامل، أحد أعضاء لجنة وضع قانون زراعة الأعضاء، إن زراعة الأعضاء المعتمدة على النقل من أشخاص حديثى الوفاة تم تفعيل قانونها فى ٢٠١٠ لكن الخطوات التنفذية له لم تتم حتى يومنا هذا.
وأضاف كامل: «بالنسبة للقرنية فهى لا تحتاج الوفاة الدماغية، وبالتالى تكون الأمور أسهل طالما وجد إقرار من أهل المتوفى بذلك» مؤكدًا حذف ما يتعلق ببند عدم موافقة المريض أو أهله، وكان التعديل الأخير يشدد على تغليظ عقوبات من يخالف هذا الأمر.

وأشار كامل إلى فروقات بين طرق التبرع فى الداخل والخارج، مضيفًا أن هناك طريقتين للتبرع على مستوى العالم: الأولى هى اعتبار أن كل شخص متبرع إلى أن يثبت العكس، أى أن أعضاءك ملك الدولة إلا إذا كانت هناك وصية من المريض أنه لا يرغب فى التبرع بأعضائه ويسمى (Opt Out).

وأضاف أن الطريقة الأخرى التى يتم استخدامها فى مصر هى (Opt In) فقبل الوفاة يوصى الشخص برغبته فى التبرع، ويقوم بتسجيل ذلك فى الشهر العقارى بنية خالصة، وهو فى كامل وعيه ولياقته الذهنية والبدنية، وليس فى مرضه الأخير، حتى لا يكون تحت ضغط نفسى أو ذهنى، وهو ما نص عليه القانون، ثم يحصل الشخص على بطاقة تثبت هذه الحالة، وإذا توفى تتمكن الدولة من أخذ أعضائه.

وتابع كامل: «ما يفرقنا عن الخارج، أيضًا، أنه إذا قام شخص باستخراج رخصة أو بطاقة أو أى أوراق رسمية يعرض عليه التبرع بأعضائه عند وفاته دون أى ضغط، فإذا وافق يضع إمضاءه على إقراره بموافقته على التبرع فى حالة حدوث إصابة أو حادث أدى للوفاة ويكون مكتوبا على الرخصة أو يتم منحه بطاقة تكون فى حوزته باستمرار».
ولفت إلى أنه تتم المراقبة والإشراف الطبى على المنشأة الطبية وأن أى مخالفة إدارية يتم إنذارها لحين إصلاح أوضاعها ثم يعاد فتحها أو تجديد ترخيصها، أما إذا تجاوز مركز زراعة أعضاء وأصبحت هناك شبهة جنائية يتم إغلاقه تمامًا ويتعرض الأطباء ومدير المنشأة والتمريض للسجن، وكذلك كل من له دخل بالموضوع، موضحًا أنه يتم استخراج تراخيص مراكز زراعة الأعضاء من الهيئة العليا لزراعة الأعضاء التابعة لوزارة الصحة، لكن لها صفة اعتبارية.
وأكد كامل ضرورة وجود إعلام إيجابى ينشر ثقافة التبرع بين الناس، مضيفًا: «حتى الدول التى بها نسبة عالية من التبرع مثل إسبانيا التى تصل نسب التبرع فيها إلى ٥٠٪ والتى تعد أعلى نسبة فى العالم، تعتمد على الإعلام والتشجيع المتواصل للمواطنين وفى أى لحظة يخفت التشجيع الإعلامى تقل نسب التبرع».

«أصدقاء مرضى القرنية»: عدم وجود ثقافة التبرع لدى المصريين سبب اللجوء إلى الاستيراد.. ونسعى لإنشاء «بنك عيون» بجامعة الإسكندرية
قال الدكتور أحمد سعيد، استشارى جراحة القرنية، إنه يتم الحصول على القرنية من قبل الأشخاص المتوفين، وهى العضو الوحيد الذى يظل حيًا بعد الوفاة بــ٦ ساعات، لافتًا إلى هناك بنوكا للقرنية، لكن عملها قائم على التبرعات، وإن كانت التقاليد أقوى من أى قانون.
وشدد سعيد على أن أهل المتوفى لا يسمحون بالعبث، من وجهة نظرهم، فى أجساد ذويهم المتوفين، لذا نلجأ إلى استيرادها من الخارج سواء من الولايات المتحدة أو الصين، مشيرًا إلى أن تكلفتها عالية للغاية، ولا يتحملها المريض العادى، لذا نلجأ إلى التأمين الصحى، وبالتالى يوضع المريض على قوائم الانتظار.
وأضاف أن عملية زرع القرنية لا تستغرق ساعة، وقد يكون الزرع بشكل كلى، إذا احتاج المريض هذا، أو بشكل جزئى، عبر استبدال الجزء المريض فقط بغيره من قرنية أخرى، ويتم هذا بقطع دائرى للجزء المعتم للقرنية بمساحة ٧.٥ إلى ٨ مم من القرنية الجديدة باستخدام خيوط رفيعة مصنوعة من مادة النايلون قطرها أقل من «رمش العين» باستخدام الميكروسكوب المجهرى.
بدوره، قال الدكتور أحمد ربيع، إخصائى القرنية، مدير بنك القرنيات بمستشفى الحسين الجامعى، إنه قد يحدث تلاعب فى القرنية المستوردة بأن تكون مدة صلاحيتها ١٤ يومًا، فتستوردها بعض المراكز بعد أن يكون بقى عليها يوم واحد وتفسد فيكون سعرها أقل، وهى لن تؤذى المريض فى شىء لكنه لن يتمكن من الرؤية جيدًا أو يرفضها الجسم وكأنه لم يجر العملية من الأساس.
ولفت ربيع إلى أن العلاج على نفقة الدولة لا يوفر للمريض أكثر من ٨ آلاف جنيه، مضيفًا أن حل أزمة توفير القرنيات سيكون واحدا من اثنين، إما أن نأخذها من المتوفين المصريين أو يتكفل قرار نفقة الدولة بكافة التكاليف بعد السعر الجديد للدولار، وتعميم هذا القرار على كافة المستشفيات الحكومية والجامعية.
وأشار إلى أن العملية التى يتم إجراؤها فى مستشفى الحسين الجامعى توفر على المريض ما يقرب من ٧ آلاف جنيه، لكن إذا وجد قرار بالعلاج على نفقة الدولة فلن يضطر المريض إلى دفع أى مبلغ.
من جهته، قال الدكتور محمد جمعة، إخصائى جراحات القرنية بجامعة الإسكندرية، أحد أعضاء جمعية «أصدقاء مرضى القرنية» إن الجمعية تهدف لمساعدة الحالات غير القادرة على سداد مبلغ عملية زراعة القرنية عبر جمع التبرعات اللازمة.
وأضاف جمعة أن الاستيراد يعتمد بشكل أساسى على الولايات المتحدة الأمريكية، ويتضمن قرار السماح بالاستيراد تقريرا من بنك العيون المستوردة منه، وصلاحيتها أسبوعان بداية من تاريخ وفاة المتبرع، ولا نضعها فى مريض قبل التأكد من أن صلاحيتها لم تتخطَ هذه المدة.
ولفت إلى أن هناك محاولات من قبل الدكتور علاء غيث، المشرف على الجمعية، والدكتور أسامة إبراهيم، وهما من أكبر أساتذة قسم الرمد بجامعة الإسكندرية، لإحياء فكرة وجود بنك عيون بالجامعة، لكن لم نتمكن من استكمال الأمر رغم حصولنا على موافقات من الأزهر لعدم وجود ثقافة التبرع لدى المصريين.

محامٍ: الاستئصال دون موافقة مخالف للقانون
يقول المحامى، محمود العمدة، إن بنوك العيون فى المستشفيات الحكومية من المفترض أن توفر ما تحتاج إليه المستشفيات فيما يتعلق بالعيون، ولديها أكثر من مصدر هى عيون الأشخاص الذين يوصون، ويتبرعون بها أو عيون الأشخاص التى يتقرر استئصالها طبيًا، وعيون الموتى أو قتلى الحوادث الذين تُشرح جثثهم، وعيون من ينفذ فيهم حكم الإعدام، كذلك عيون الموتى مجهولى الهوية، وذلك طبقًا لقانون تنظيم بنوك العيون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦٢.
ونفى العمدة أن يكون هذا القانون ساريًا على كافة المتوفين خارج الحالات التى ذكرها، وبالتالى فإن استئصال القرنيات دون وجود وصية من المتوفى أو موافقة من ذويه يعتبر مخالفًا للقانون.