رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العجلة من الإخوان


أقول لك يا محمد يا بديع ما أنت إلا عبد من عباد الله، فلا تظن أنك تملك أقدارنا، فخالق القدرة يختبرك وجماعتك، لا تظن أن الحكم الذى آل إليك منحة، ومكافأة، ولكنه محنة لو كنتم تفقهون.

حاجة غريبة والله، وما أكثر الغرائب فى بلادنا، وما أغرب الألغاز التى تواجهنا فتوقعنا فى حيص بيص، ولكى نحل لوغارتماتها نضرب أخماسا لأسداس، ومن تلك الألغاز وهذه اللوغارتمات تلك العجلة التى يصر عليها الإخوان لإخراج قانون السلطة القضائية، وقديما كانوا يقولون «العجلة من الشيطان» والآن يصح لنا أن نقول «العجلة من الإخوان».

قانون السلطة القضائية من القوانين التى لها أهمية قصوى، وهى من القوانين التى ترتبط بالدستور، وهى لطبيعتها تحتاج أن نتأنى فى مناقشتها، ونتريث فى خوض غمارها، وندقق فى تفصيلاتها، نعرضها أولا على القضاء ورجاله ولجانه ومجلسه، ثم نعرضها للمناقشة المجتمعية من خلال المتخصصين، والذى يجهله البعض الإخوان طبعا أن كل قانون يجب أن يكون له منطق لإصداره، ومنطق الإصدار ينطلق من حاجة المجتمع لهذا القانون، فإذا لم يكن القانون موجودا من الأصل، وقامت حاجة المجتمع إلى إصداره، وجب وضع مفاهيمه وأطره ومضامينه ثم مناقشتها من خلال البرلمان الذى هو صاحب الاختصاص الأصيل فى التشريع، ثم يأخذ القانون مجراه الشكلى إلى أن يصدر ويوقع من رئيس الدولة وينشر فى الجريدة الرسمية، وحاجة المجتمع للقانون تظهر من خلال الأحداث التى تمر به والواقع الذى يعيشه، فمثلا ونحن الآن أمام واقع أمنى مترد وانفلات أخلاقى وجرائم متتالية، منظمة وفردية، تظهر حاجتنا إلى تعديل قوانين الشرطة أولا، فهى الأولى بالتعديل، ثم تنهض حاجتنا لتعديل القوانين العقابية لتشديد العقاب على بعض الجرائم ومواجهة جرائم أخرى مستحدثة، وتعديل فلسفة العقاب لتتناسب مع الظرف الواقعى الذى نعيشه، ومع ذلك فقد وقف مجلس الشورى موقف المتجاهل لتعديل قوانين الشرطة وإعادة هيكلتها، وأصم أذنه عن تعديل قوانين الشرطة وغفل عنها عامدا مع حاجة المجتمع الضرورية لها، ثم إذا بمجلس التشريع المؤقت هذا يفتح عيونه فقط على قانون السلطة القضائية رغم عدم حاجتنا العاجلة إلى تعديله.

وليصوروا لنا أهمية إصدار هذا القانون وضعوا لنا «صورة وهمية» وقالوا إن هذا القانون ضرورى لمواجهة الفساد الذى استشرى فى القضاء، ثم يرفعون فى وجوهنا أحكام البراءات التى حصل عليها بعض رموز النظام السابق ورجال الشرطة ليوهمونا أن القضاء قد فسد، وما فسد ولكنهم كانوا يتقولون، والحقيقة التى لا يعرفها العامة الذى يتم التدليس عليهم هو أن سبب البراءات هو جهات البحث الجنائى وجمع الاستدلالات وتحصيل الأدلة، وتلك الجهات تابعة للشرطة، ومهمتها هى التى يتوقف عليها نتيجة الحكم القضائى، فالقاضى وفقا للقواعد العدلية لا يحكم وفقا لرأيه الخاص، ولكن يجب أن يحكم وفقا للأدلة المطروحة عليه، وقواعد القانون توجب الحكم بالبراءة فى حالة عدم وجود دليل يقينى، أو حتى فى حالة وجود دليل تحيطه الشبهات لأن الدليل الذى يتطرق له الاحتمال يسقط به الاستدلال، كما أن هذه المحاكم ليست محاكم ثورة، ولا تستند إلى الشرعية الدستورية، ذلك أن الإخوان ومن يقفون معهم الآن رفضوا بكل قوتهم بعد الثورة إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة رموز النظام السابق والمتهمين فى جرائم الثورة، وبرروا ذلك وقتها أن العالم الغربى لا يعترف بمحاكم الثورة، وأننا بهذه المحاكم سنعجز عن استعادة أموالنا المنهوبة، ولما بح صوتنا وقتها أن محاكم الثورة ضرورية وهى التى سترهب المتهمين وتجبرهم جبرا على إعادة الأموال المنهوبة سخروا منا واتهمونا بأننا سنضيع على مصر أموالها التى هربت للخارج إن صممنا على محاكم الثورة، حسنا، فما الذى حدث، ارتكنوا إلى محاكم القانون التى تستند إلى الدستور والقانون، وهذه المحاكم لا تملك إلا الحكم وفقا للأدلة، وجهات الشرطة هى التى تقدم الأدلة، وتلك الجهات لم تقدم الأدلة الكافية فكان من المنطقى أن تصدر أحكام البراءات، وأذكر أننى وقتها كتبت هذا الأمر المتوقع، وقلت إن أحكام المحاكم الجنائية العادية ستميل إلى البراءات لعجز الأدلة عن الإثبات، وقلت وقتها: لا تلوموا القضاء ولوموا أنفسكم، ولكنهم صنعوا لأنفسهم أذنا من طين وأذنا من عجين، ثم جاءوا فى أيامنا النكدات هذه وقالوا «نريد تطهير القضاء من الفساد» فوضعوا قانونا لا يوجد فيه أى تطهير ولا علاقة له بالتطهير من قريب أو بعيد، هو فقط يحدد سن الخروج على المعاش لينزل به إلى الستين الأمر الذى سيترتب عليه أن يخرج على المعاش عدد يقترب من الأربعة آلاف قاض، وبالتالى ستتاح الفرصة لكى يدخل أربعة آلاف غيرهم من المحامين، وطبعا لن يكون هناك أفضل من محامى الإخوان الذين لا يعرف الواحد منهم «الألف من كوز الذرة» ولكنهم يعرفون السمع والطاعة المطلقة للمرشد ومكتب الإرشاد، وبذلك يتم أخونة القضاء، فإذا جاءت انتخابات برلمانية، كان هؤلاء هم من سيشرفون عليها وأبشر بطول رئاسة يا مرسى، لذلك فإن أغرب ما يمارسه من يرفعون رايات الدين والثورة والفضيلة فى هذه الأيام هو مواجهة الفساد بالفساد، اعتقادا منهم أنه لا يفل الفساد إلا الفساد الأنكى منه، وطبعا أخفت تلك الشرذمة عن الرأى العام أن قانون السلطة القضائية الحالى به الوسائل المنضبطة لمواجهة الفساد سواء من خلال التفتيش القضائى أو سلطات المجلس الأعلى للقضاء، وتفتيش النيابات، وكل هذه الأقسام والجهات تقوم بدورها بشكل مستمر، بما يعنى أن القضاء هو الذى ينقى نفسه من الفساد كالنهر الجارى الذى يقذف مع أمواجه الأدران.

ولا يبقى لى إلا أن أقسم قائلا : وعهد الله وعهد الله لقد أعيانى الفهم!! منهم لله من أشاروا عليهم بهذا، حكومة موحولة لشوشتها فى أزمة البوتاجاز والبنزين، والتضخم وزيادة الأسعار وانقطاع الكهرباء، وقرب جفاف مياه النيل، وإرهاب فى سيناء، وأمن منفلت، وأخطار خارجية، وأمن قومى مهدد، ومع ذلك فإن مجلس شورانا «السودة» منشغل بقانون القضاء!! ضائقة مالية تضرب بأطنابها فى البلاد ومولانا رئيس الشورى وأتباعه ومواليه يشغله ويقض مضجعه قانون السلطة القضائية، حلمك يا دكتور فهمى أو بشندى هذا القانون لن يحل أزمة الضائقة المالية ويجعلنا نعيش على أنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من عسل مُصفّى، يا خلق هوو ما وجه العجلة والاستعجال، ما وجه الصربعة فى الموافقة على القانون، أليست سلطة التشريع للشورى مؤقتة؟ إذا كان ذلك كذلك فماله بقوانين مستدامة، ما علاقته وايم الله بقوانين تنظم سلطة القضاء لعقود طويلة؟ لماذا نرهن المستقبل بأفكار مجلس استلب التشريع مؤقتا، وعليه أن يسلم المهمة قريبا للبرلمان، والبرلمان أولى بالتشريع من غيره إلا إذا كانت المسألة فيها إن، أو إن وأخواتها!!

أليست العجلة من الشيطان كما يقول علماء الدين، يا مولانا محمد بديع حنانيك يا رجل، اذبحنا برفق، تمهل عند الذبح، اشرب دماءنا بعد أن نغمض عيوننا حتى لا نراك وأنت تتلذذ بمص الدماء، ألم يقل الله (خُلِق الإنسان من عجل) ثم قال (فلا تستعجلون) ولكنه سبحانه هو أعلم بمن خلق فقد قال (وكان الإنسان عجولا) يا مرشد الإخوان، والكلمة الأولى فى الدولة لك لا لتابعك محمد مرسى، وأنت تعلم هذا وتعلم أننى أعلم هذا، أليس حريا بك أن تتريث وتعرض المشروع الذى كتبه أتباعك على البرلمان لا الشورى.

الأسئلة تترى على خاطرى يا مرشد الإخوان، ولكننى أنصحك لوجه الله، وأقول لك يا محمد يا بديع ما أنت إلا عبد من عباد الله، فلا تظن أنك تملك أقدارنا، فخالق القدرة يختبرك وجماعتك، لا تظن أن الحكم الذى آل إليك منحة، ومكافأة، ولكنه محنة لو كنتم تفقهون.

■ قيادى سابق فى جماعة الإخوان المسلمين