رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلق الإنسان.. حقائق قرآنية وأدلة علمية


دائمًا ما يواجهنا أولادنا بالسؤال المحرج: كيف أتينا إلى الدنيا؟ وماذا كنا قبل أن نولد؟.. الإجابة: كنت مجرد حيوان منوى يسبح ليبحث عن بويضة يخصبها.
ولنستعرض الآن سويًا كيف لخص علم الأجنة حياتنا الجينية.. وكيف لخصها لنا القرآن الكريم منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة؟.
بعدما يقذف الرجل السائل المنوى فى رحم المرأة.. يكون السائل المنوى وقتها لزجًا جدًا، يشبهه العلماء بـ«الجيلى»، وبعد مرور ما يقرب من نصف ساعة يفقد لزوجته ويتحول إلى لزوجة الماء الصافى، كى يسمح للحيوانات المنوية الموجودة فيه بالسباحة والحركة، وإلا فلن لن تحدث عملية الإخصاب، وهو ما يعانى منه بعض الرجال المصابين بالعقم.
يقيس الأطباء لزوجة السائل المنوى عند تفريغ عينة منه فى القطارة، فإذا تدفقت بسرعة مثل سرعة الماء؛ فالأمور على ما يرام، أما إذا أحدثت وراءها خيطًا من السائل يربطها بالقطارة، وكأنها نقطة من العسل فهناك مشكلة لزوجة عالية تستلزم العلاج.
«أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَىٰ*»، فنحن لم نخلق من المنى مباشرة، وإنما بعدما تحولت لزوجة المنى إلى لزوجة الماء الصافى، وكلمة نطفة فى المعجم تعنى الماء الصافى.
بعدما تتحول لزوجة السائل المنوى فى رحم المرأة إلى لزوجة الماء الصافى، تسبح وتسلك طريقها إلى قناة «فالوب»، حيث تتعلق من رأسها، لدرجة أنها تستطيع أن تظل معلقة لمدة خمسة أيام بعد عملية الجماع.
وهذا أقوى دليل يستند إليه الطب الشرعى فى إثبات ادعاء المرأة باغتصابها، حتى ولو بعد مرور أربعة أو خمسة أيام، ويفسر أيضًا لماذا قد يحدث إخصاب للبويضة بعد ثلاثة أو خمسة أيام من عملية الجماع؛ حيث يستطيع الحيوان المنوى أن يظل معلقًا من رأسه فى انتظار نزول البويضة لإخصابها.
هل يعنى هذا أن الحيوانات المنوية هى «لاصقة مثل العلق»؟.. نعم، فالدكتور دايفيد ميلر، دكتور الـmolecular andrology بجامعة لييدز ببريطانيا، قال إن طريقة عملها أصلًا معتمدة على كونها تستطيع أن تلصق مثل «لاصقة شريط الفلكرو»، الذى يربط لسانى الحذاء الرياضى «الكوتشى»، لأن عند رأس الحيوان المنوى يوجد ما يسمى «البروتين ذو قابلية الاتحاد مع الكربوهيدرات»، وهذا يجعله متشبثًا ومعلقًا فى قناة «فالوب».
وبعد أن تظل الحيوانات المنوية معلقة من رأسها فى أهداب قناة «فالوب» حتى ميعاد التبويض، يحدث فى تلك الأثناء سقوط لبعض الحيوانات المنوية الضعيفة، بينما تظل القوية معلقة، كما هى، وكأنه عملية اصطفاء، لتبقى الحيوانات المنوية القوية فقط هى المتشبثة والمعلقة من رأسها، أما الضعيفة فتسقط وتفقد فرصتها فى تخصيب البويضة.
وفى اللحظة، التى تنزل فيها بويضة الأنثى، تتحرر الحيوانات المنوية من كونها معلقة، وتسبح مرة أخرى، لكن هذه المرة ناحية البويضة، ثم تتعلق مرة أخرى من رأسها أيضًا، ولكن هذه المرة فى البويضة.
«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ»، علق تعنى كل ما يعلق، كل ما له القدرة على التشبث بالشىء.
وظيفة الحيوانات المنوية معتمدة أصلًا على كونها لها القدرة على أن تلصق مثل العلق، ومن رأسها بالتحديد، تظل معلقة وملتصقة بالبويضة إلى أن يربح حيوان منوى واحد فقط السباق وينجح منفردًا فى تخصيب البويضة، ذلك هو أنت.
«أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى* أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِىَ الْمَوْتَى»، الإنسان خلق من علق، أى من شىء له القدرة على أن يعلق، هذه هى طريقة عمل الحيوان المنوى أصلًا مثلما قال العلم.
فالعلقة هى «الحيوان المنوى»، والعلق هو «الحيوانات المنوية»، قال القرآن «علقة»، وقال العلم: «حيوان منوى، لولا أن تشبثت وتعلقت نطفة المنى كلاصقة العلق فى الجهاز التناسلى للمرأة، لخرجت كما دخلت ولم تكن أنت».
هل تعلم أن الملى الواحد من السائل المنوى به ما يقرب من ١٠٠ مليون حيوان منوى، أو ١٠٠ مليون علقة؟، ولو افترضنا مجازًا أن كل حيوان منوى منها سينتج واحدًا من البشر، وبافتراض أن عدد سكان العالم ٧.٥ مليار نسمة، فهم ما مجموع ٧٥ ملى فقط من السائل المنوى، أى ثلث كوب.. «أَلَمْ نَخْلُقكم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ»، يعنى قليل القدر.
إذن كيف تتم عملية التلقيح أو الإخصاب وتكوين الجنين؟
يظل الحيوان المنوى، الذى ربح السباق معلقًا من رأسه فى البويضة، إلى أن ينجح فى تخصيب البويضة، عند ذلك تتحفز البويضة وتقوم بعملية سماها العلماء عملية الالتهام الخلوى، أو «الفاجوسيتوزيس»، بحيث تقوم البويضة بعملية التهام لرأس الحيوان المنوى فقط، تكون المادة الوراثية للحيوان المنوى فى رأسه فقط، ثم تبلعها داخلها وتفتتها وتخلطها وتمزجها بمادتها الوراثية، فيتكون بذلك مركب جديد مختلف تمامًا، هو مزيج بين المادة الوراثية للأب والمادة الوراثية للأم، هذا هو الجنين، أو أول خلية جنينية أو كما يسمى علميًا «الزيجوت»، فالبويضة هى أكبر خلية فى جسم الإنسان، أما الحيوان المنوى فهو أصغر خلية فى جسم الإنسان.
عملية «الالتهام الخلوى»، هى من أشهر المصطلحات فى مجال الفسيولوجيا والمناعة والطب، والدكتورة جانيس إيفانس، الأستاذة بقسم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية بجامعة «جونز هوبكينز» بالولايات المتحدة، فى بحثها المنشور فى يوليو ٢٠٠١ بمجلة «بيو إيسيس»، والدكتور بيارد ستورى، أستاذ الولادة وأمراض النساء بكلية الطب جامعة بنسلفانيا، فى بحثه المنشور سنة ١٩٩٥ فى مجلة reproduction fertility and development.. كل منهما قد وصف عملية التلقيح بعملية الالتهام الخلوى أو «الفاجوسيتوزيس».
وقال العالم باول تيرانوفا، فى كتاب الفسيولوجيا الطبية الجزء الثانى فى ٢٠٠٣، إنه بعد أن تلتهم البويضة رأس الحيوان المنوى، يذوب ويتفتت الغشاء النووى لرأس الحيوان المنوى وتتفتت وتذوب بروتيناته مع بروتينات البويضة وتختلط بذلك المادة الوراثية للحيوان المنوى المسماة DNA مع المادة الوراثية للبويضة المسماة DNA أيضًا، ويكونان بذلك مزيجًا جديدًا هو أول خلية جنينية (الزيجوت أو الجنين)؛ ولذلك يحمل أى فرد منا نصف مادته الوراثية من أبيه والنصف الثانى من أمه.
فعملية «الفاجوسيتوزيس» تعنى ثلاث خطوات: الالتهام والتفتيت والخلط، فالبويضة تلتهم قطعة من الحيوان المنوى، وهى رأس الحيوان المنوى كطعام لها، ثم تفتتها داخلها وتخلطها مع مادتها الوراثية فيتكون مزيج جديد هو الزيجوت أو الجنين.
فيتكون مزيج جديد هو «المضغة»، وهو ما يسميه العلماء «فاجوسيتوسيس» أو «الالتهام الخلوى»، وسماها القرآن مضغة، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ»، والمضغة فى المعجم: القطعةُ التى تُمْضَغُ من طعام.
فالمضغة هى بالتأكيد الجنين أو الزيجوت، الذى نتج نتيجة عملية واحدة جمعت سلوك الالتهام والتفتيت والخلط، بعد أن تتكون أول خلية جنينية (الزيجوت) تبدأ فى الانقسام بحيث تترتب خلاياها فى تكتلين: تكتل خارجى وتكتل داخلى، تكتل الخلايا الخارجية يحدث له أول عملية تمييز أو differentiation فى حياة الجنين، حيث تتميز خلاياه، كى تكون أنسجة المشيمة لتغذية الجنين بالدم من جدار الرحم.
هذا هو ما قاله الدكتور سكوت جيلبرت، الأستاذ بجامعة «سواث مور» بالولايات المتحدة، الأستاذ بجامعة «هلسنكى» بفنلندا، ونشره فى الإصدار السادس من كتابه developmental biology لسنة ٢٠٠٠.
أما تكتل الخلايا الداخلية، فيظل كما هو.. غير متميز.. غير مخلق، يسميه العلم undifferentiated cells، وهذه الخلايا لها القدرة على أن تشكل أى عضو من أعضاء الجنين، وأى نسيج من أنسجته.. الأذنين.. العينين.. الشعر.. الطحال.. الكبد.. البنكرياس.. الأمعاء، تتشكل مثلما تتشكل.. فهى فى الأصل خلايا غير مميزة.undifferentiated cells
أعتقد أنك الآن فهمت ما هو المقصود بهذه الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا».