رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دار الأوبرا المصرية تنهب إبداع الخميسى




المقصود بالإبداع المنهوب، هو «التراث الفنى لوالدى الشاعر والفنان المعروف عبدالرحمن الخميسى، مكتشف النجمة الرائعة سعاد حسنى، وأول من فتح الأبواب للكاتب العظيم يوسف إدريس فى جريدة المصرى قبل الثورة».. أما المادة المنهوبة علنًا وجهارًا نهارًا، فهى أوبريت «الأرملة الطروب» التى قام الخميسى بتعريبها، وعُرضت فى أكتوبر ١٩٦١ فى دار الأوبرا القديمة بكوكبة من النجوم، ضمت رتيبة الحفنى وحسين رياض ونوال أبوالفتوح، وآخرين.
وقد دأبت دار الأوبرا فى السنوات الأخيرة على عرض الأوبريت، وحشو جيوب موظفيها من أرباحه، ويعود الفضل فيها لصاحب النص، لكن دون أن تضع فى إعلاناتها اسم عبدالرحمن الخميسى، صاحب النص والفضل فيما تجنيه الدار من كسب مادى وتألق أدبى.. يختفى بقدرة قادر اسم الخميسى، الذى عَّرب الأوبريت، من كل الأوراق حتى من دفاتر الشئون القانونية للأوبرا التى لا تدرى فى جملة تعاقداتها مع الفنانين العاملين منْ أين جاءها نص بلا مؤلف ولا تعاقد ولا ضرائب ولا أى شىء؟. نص هبط على الدار بأجنحة بيضاء، ووجهه يشع بالنور، فلم يسأل أحد: مَنْ مؤلفه؟!.
وقد قامت دار الأوبرا فى السنوات الأخيرة بعرض «الأرملة الطروب» فى ديسمبر ٢٠٠٧، وعرضتها فى مايو ٢٠١٣ على مسرح سيد درويش فى الإسكندرية وقدمتها فى فبراير الحالى ٢٠١٨، دون اسم الخميسى مبدع العمل! وفى النشرة التى توزع مع البطاقات سنقرأ كلمة الدكتورة إيمان مصطفى وكلمة أخرى للدكتورة رشا طمطوم، ومع أن اختصاص الاثنتين هو الأوبرا، لكنهما لا تدريان منْ هو مؤلف العمل الذى تكتبان له مقدمة وتعريفًا! الأخطر من ذلك أن تتجاهل المطبوعات حقيقة تمس تاريخ المسرح الغنائى، وهى أن «الأرملة الطروب» عُرضت لأول مرة فى أكتوبر ١٩٦١! وبذلك يتم الاعتداء ليس فقط على حق المؤلف، بل والاعتداء على حق الثقافة المصرية فى تاريخ مسرحها. تأكل دار الأوبرا كل هذه الحقائق مع أن كل القائمين على العمل بمن فى ذلك مدير دار الأوبرا متعلمون، ودكاترة ولله الحمد، واختصاصهم هو «الأوبرا والباليه»! لكنهم فى صميم اختصاصهم لا يعلمون- ويا للعجب- أن تعريب «الأرملة الطروب» تجربة تمت مرة واحدة فقط فى تاريخ المسرح الغنائى، مرة واحدة، لصعوبة ترجمة الكلمات بحيث تُطابق المعنى من ناحية، وتُطابق أيضًا اللحن، وهى المعجزة التى قام بها عبدالرحمن الخميسى لأنه كان شاعرًا وموسيقيًا فى وقت واحد. بهذا الصدد كتب الناقد الكبير فرج العنترى فى مجلة الشهر عدد نوفمبر ١٩٦١ بعد عرض الأوبريت يقول: «وآية المعجزات فى هذا الأوبريت مجهود عبدالرحمن الخميسى باعتباره همزة الوصل العربية لإيصال مضمون القصة الأوروبية إلى سمع المواطنين.. كانت عليه مسئولية تفصيل الكلمات العربية على مقياس ما لحنه فرانز ليهار الموسيقى المجرى وكان عليه أن يقص الحكاية. وقد نجح الخميسى واحتل عندنا مقام الصدارة بين رواد ترجمة الروائع فاستحق التهنئة مثنى وثلاث ورباع، ولعله يواصل». نحن إذن أمام عمل غنائى فريد لم يتكرر، وقد تحدثت كوكب الشرق أم كلثوم عن الأوبريت مع الشاعر الكبير صلاح جاهين، الذى كتب فى مجلة صباح الخير يقول: «شاهدت أم كلثوم فى أحد بناوير الأوبرا تتابعها باهتمام، فتقدمت إليها بعد انتهاء الحفل أسألها بخبث: «بينى وبينك كده.. ماحدش سامعنا.. كان تصفيقك ده تشجيع للفنانين بس.. ولا إعجاب؟»، فقالت لى: «إعجاب يا أخى طبعًا.. كنت فرحانة إن تجربة زى دى نجحت.. عجبتنى زى ما يعجبنى موديل أى حاجة.. يعنى المهم أنها كانت (قالب قدام ملحنينا ومؤلفينا يمكن يصبوا فيه إللى هم عاوزينه).. الحقيقة مجهود عظيم ونتيجة مشرفة».
وقد التقيت مدير دار الأوبرا د. مجدى صابر لتصحيح خطأ الدار الجسيم بإغفالها سنوات طوال اسم الخميسى، فأحال القضية للشئون القانونية لكى تبت فى مسألة «من هو صاحب النص»! الاستنتاج الوحيد أن دار الأوبرا تعرض نصًا لا تدرى لمَن؟! أو أنها وجدت نص الأوبريت دون توقيع بجوار مطعم فأعجبها وعرضته؟! وهل يصل التهريج إلى هذا الحد لدى المسئولين عن المراكز الثقافية فى مصر؟ أم أن الذى أغراكم بإغفال اسم الخميسى هو تنحية حقوقه المادية؟ لصالح مَن؟.
كانت حياة عبدالرحمن الخميسى طويلة وغنية وحافلة بشتى أنواع الإبداع، كتب خلالها القصة والقصيدة والمسرحية والمقال، وكان ممثلًا ومخرجًا إذاعيًا وسينمائيًا ومؤلف أغنيات من أشهرها «ماتزوقينى يا ماما»، وترك بصمة بصفته ممثلًا بالقيام بدور الشيخ يوسف فى فيلم «الأرض»، وشمل المسرح الغنائى باهتمامه فكتب أوبريت «مهر العروسة»، وأوبريت «الزفة».
وفى عام ١٩٦٠ قام بتعريب «الأرملة الطروب»، ولم يكرر أحد تجربته فى التعريب إلى الآن، ورغم مسيرة عبدالرحمن الخميسى الطويلة فإنه لم يتم تكريمه مرة، ولا حظى بجائزة من الدولة مرة، ولا أعيدت طباعة أعماله مرة، ثم تأتى دار الأوبرا الآن وتنهب تراثه وإبداعه بإعلانات تنهب حق المؤلف فى وضح النهار، وخلال ذلك تتباهى دار الأوبرا بما أنجزه الخميسى كأنه إنجازها وتحصد المال من ورائه لكن مع إنكار اسمه ومحو إبداعه وحقوقه وعرقه!.. أهذه هى إذن المؤسسات الثقافية التى تقود الثقافة فى بلادنا؟ والتى يفترض بنا أن نعتمد عليها فى معارك التنوير وغيره؟ أهذه هى؟!.