رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه


وإنك إذ تسمعه تتيقن أننا فى كوكب الطراوة، بينما رجالنا فى ساحة القتال يواجهون الصعاب وحدهم، لدرجة أنهم لم ينتظروا منك ولا منّى تحية إجلال أو تقدير فصنعوها لأنفسهم.
عن نشيد «قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه»، الذى هزّ ربوع مصر ووجدانها أحدثكم.
فبعد استشهاد المنسى ورفاقه الأبطال فى منطقة البرث جنوب مدينة رفح فى ٧ يوليو ٢٠١٧، شعرت الكتيبة «١٠٣ صاعقة» بالحزن يكاد يسيطر على أبطالها الشجعان، فالفراق صعب ولحظات الاستشهاد التى عايشوها مع رفاقهم تؤلم قلوبهم، فهنا كانوا يضحكون، وعلى تلك التبة كانوا يطلقون رصاصهم على العدو، وخلف كل صخرة كبيرة أو صغيرة تناوبوا الحراسة والضحكات وأكواب الشاى الساخنة، والعقيدة العسكرية لا تعرف الضعف ولا البكاء مهما كان الألم، لذا بحث الرجال عن كلمات تستنهض الهمّة والعزيمة مصنوعة من قلب الوجع على الرفاق الذين استشهدوا أمام أعينهم، فطلبوا من رفيقهم الرائد محمد الوديع، الذى تقاعد عقب استشهاد المنسى والمعروف بينهم بكتابة الشعر، كتابة كلمات يهتفون بها فى التدريبات، فأرسل إليهم الرجل الكلمات، لكنهم جربوها فى تدريباتهم ولم يشعروا بقوتها، فقرر الوديع الذهاب بنفسه لترديد الشعار بطريقته، وجمع عددًا من أفراد الكتيبة وانطلق صوته هادرًا وخلفه جبهة قتال بحنجرة أبطال لا يهابون الأهوال، ورددوا هذا النشيد العفوى الجميل الذى يحكى فى سطور غنائية قليلة أسطورة وملحمة سيتوقف عندها المؤرخون طويلًا، جاء النشيد تفوح منه رائحة المنسى وحسانين وشبراوى وعلى وخالد مغربى، ولكل منهم قصة وحكاية تستنهض همم الرجال وتُطلق صرخاتهم قوية هادرة ممتلئة ومشحونة بالرغبة فى تمزيق العدو، فالمنسى «الذى بَأه أسطورة من أسوان للمعمورة» هو أيقونة هذا الجيل فى تاريخ العسكرية المصرية، هو الامتداد الطبيعى لأسطورة إبراهيم الرفاعى ابن هذا السلاح وقائد «المجموعة ٣٩ قتال»، التى نفذت عشرات العمليات ضد إسرائيل فى حرب الاستنزاف، أما شبراوى وحسانين العرسان، فهما الشهيد أحمد شبراوى قائد السرية ١٠٣، والنقيب الشهيد أحمد محمد حسانين شاهين «٢٢ سنة» ابن قرية الخضرة بمدينة الباجور، وخالد مغربى الدبابة «واللى إحنا جنبه غلابة»، هو الملازم خالد المغربى ابن مدينة طوخ الذى كان يفيض قوة وحيوية والملقب بـ«الدبابة» لما عُرف عنه من إقدام جعل اسمه معروفًا بين عناصر الإرهابيين وهدفًا لغدرهم، أما «على» فقد عرفناه جيدًا قبل ظهور هذا النشيد بفترة قليلة وتحديدًا فى مؤتمر «حكاية وطن» عندما تحدث عنه بطلاقة ولباقة واحترام وتقدير الملازم أول أحمد فهيم فايد، أحد مقاتلى القوات الخاصة الذى حكى كيف واجه المجند «على على» الإرهابيين فى سيناء، وكيف تلقى فى ظهره أكثر من ٦٠ رصاصة لكى يحمى زملاءه.
وإنك إذ تسمع الأغنية تخطف روحك، تهز وجدانك، تأخذك الحناجر الهادرة إلى الجبهة فترى جنودك وتراقب الأهوال التى جعلتهم وحوشًا يخوضون الصعاب وسط الصخور والرمال والكهوف، ستشعر وقتها بالتقصير وتأنيب الضمير لأنك مفصول عما يدور على حدود وطنك، غارق فى تفاهات صغيرة، بينما رجال فى نفس عمرك أو أقل يواجهون عدوك بصدور مفتوحة.
وإنك إذا تسمعها بقلبك تشعر بالعجز فجأة، وقد تنهمر دموعك ويقشعر بدنك، فمنذ زمن بعيد لم تأخذنا الأغانى ولا الأناشيد إلى روح البطولات وأهوالها وهدير رجالها الذى يُلقى الرعب فى قلوب عدو الله وعدوكم، منذ زمن بعيد لم يهتز الوجدان بمعنى الوطن والأرض والشباب الذين حملوا أرواحهم فداء للتراب ودفاعًا عنه، «قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه، مش سامع حاااجة»، أى قوة وأى عزيمة يحملها هؤلاء الأبطال بين جوانحهم، وأى تقصير ذاك الذى نعيش فيه بعيدًا عنهم، فلا نكتب ولا نغنى ولا نساند ولا نفعل شيئًا كأن أبطالنا فى رحلة وليسوا فى معركة شرسة ضد عدو مأجور يعيش فى الظلام وبين الكهوف.
سيمضى زمن طويل حتى نقترب من صورة الأبطال ونتعرف على بطولاتهم، فالشكر والتحية والتقدير لكل جندى مصرى على جبهة القتال، والتحية خالصة للرائد محمد الوديع الذى كتب الله له أن يكون رسالة جديدة تصل ما انقطع بين كوكب الطراوة وأسطورة الأبطال.