رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام المرئى فى زمن المقروء




دائمًا، ما يوجه شيوخ الصحافة وحرفيوها مراسليهم من الشباب بأهمية الصورة فى تحقيق الخبر ومتابعة الأحداث، بل حتى فى مجال إجراء المقابلات الصحفية لرصد وقع ما طرحه الصحفى على ملامح وجه ضيفه، وكثيرًا ما يكررون عبارة «الصورة أحيانًا يمكن أن تغنينا عن مقال أو سرد تقليدى مُمل لتفاصيل أى حدث».
ويظل ذلك المفهوم حتى عصرنا هذا مع وجود كل وسائط الإعلام المرئى بكل تقنياته المبهرة، فمع ظهور تلك الوسائط التى جعلت من كل حامل «موبايل» مشروع صحفى وإعلامى جاهزًا فى التو واللحظة لتوثيق الحدث ونقله إلى الآلاف والملايين بسرعة التقاط الصورة أو تسجيل الفيديو، ووضعه على شبكات التواصل المختلفة فى بث حى عبقرى.
وعبر تاريخ الصحافة المصرية، نكتشف أهمية توجه أصحاب إصدار مثل مجلة «المصور» منذ ٩٣ سنة لتقديم الصورة الصحفية الموثقة للأحداث، بتفرد رائع وبإمكانيات بسيطة وخبرات أولية فى عالم التصوير، حتى بات لدينا فى مؤسسة دار الهلال أرشيف رائع يوثق للوطن والمواطن أهم محطات التواجد الإنسانى فى ملف الحياة العريضة الممتدة عبر السنين.. لقد أتيحت لى فرصة رائعة بلقاء الروائى والكاتب الصحفى «عادل سعد»، مدير مركز تراث دار الهلال والاقتراب من رصيد ذلك المركز الفريد الذى يضم كنوزًا من إبداعات أهل الدار وإصداراته، وفى المقدمة «المصور» الذى نحتفل مع أسرة تحريره بمرور ٩ حقب من التنوير والإبداع المهنى. وأدعوك عزيزى القارئ بمناسبة تلك الاحتفالية للاطلاع على بعض نماذج من صفحات وأغلفة «المصور» فى العشرينيات من القرن الماضى.
ففى عدد أكتوبر ١٩٢٥ وعلى غلافه كان العنوان «بدء عهد جديد فى حياة مصر العلمية: افتتاح الجامعة المصرية»، مع صورة مهمة تجمع الحضور فى حفل الافتتاح وأسفل الصورة كان التعليق التالى «فى الساعة الخامسة من مساء الخميس ١٠ أكتوبر الجارى، احتفل بافتتاح كلية الآداب فى الجامعة المصرية برئاسة أحمد لطفى السيد بك مدير الجامعة، وقد حضر هذا الاحتفال «العائلى» كما وصفه جناب المدير أكثر من ٢٥٠ شخصًا بينهم ١٧٠ من طلبة كلية الآداب، وعدد غير قليل من أهل الثقافة الذين حضروا هذه الحفلة حفاوة بهذا اليوم المبارك..»، وهو ما يشير إلى الاهتمام الرائع بما أسمته «حياة مصر العلمية» وبهجة الاحتفاء بوجود أول جامعة مصرية. وفى نفس هذا الإطار من الاهتمام بتطوير المنظومة العلمية والتعليمية والفرحة بتعليم البنات المصريات، وابتعاثهن للتعليم فى الخارج، كان ذلك الخبر الجميل بالعدد ٩٩ بتاريخ ٣ سبتمبر ١٩٢٦: «فى يوم الخميس الماضى قصدت طائفة كبيرة من الفتيات المنتهيات من المدرسة السنية إلى وزارة المعارف، حيث قابلن صاحب المعالى وزير المعارف، وكان قد تقرر إيفاد هذه الطائفة إلى إنجلترا، لتلقى العلوم وقد خطبهن الوزير وحضّهن على الاجتهاد ومما قاله لهن «يهمنى جدًا أن ألفت نظركن إلى أمر مهم وهو الوقوف على سر تقدم تلك الأمة التى ستعشن بين أفرادها، وذلك بدرس النظام العائلى والعناية بالأخلاق، وليكن فى علمكن أن العلوم وحدها ليست كل شىء إنما هى الأخلاق».. والصورة أخذت بمحطة مصر قبل قيام القطار الذى أقلّهن إلى الإسكندرية للإبحار منها إلى إنجلترا». وعلى غلاف العدد ٧٨ بتاريخ ٩ أبريل ١٩٢٦ وبعنوان «نهضة التمثيل وتشجيعه».. حائزو جائزة الامتياز وتحت صور الفنانين «يوسف بك وهبى» و«جورج أفندى أبيض» و«منيرة المهدية» و«روز اليوسف»، كان الخبر التالى «من أجل الأعمال التى أقرها البرلمان المصرى، تشجيع التمثيل العربى بمكافأة المجيدين من مديرى المراسح والممثلين وكُتّاب الروايات التمثيلية، وللمرة الثانية وزعت لجنة تشجيع التمثيل جوائزها فحاز جائزة الامتياز ثلاثة من أركان التمثيل وواحدة من أركان الغناء المسرحى فى مصر وهم: الأستاذ يوسف بك وهبى، وهو صاحب ومدير مرسح رمسيس والأستاذ جورج أفندى أبيض والسيدة روز اليوسف التى تركت التمثيل إلى حين، لاشتغالها بالصحافة والسيدة منيرة المهدية كبيرة مغنيات المراسح.. و«المصور» تقدم اليوم التهنئة وتتمنى أن يوفقوا فى رفع المرسح المصرى إلى المستوى الذى يتمناه كل محب للفن غيور عليه..».. ومتابعة «المصور» هنا لإنجاز مستنير لبرلمان رائع يرى فيه ممثلو الشعب المصرى ضرورة دعم أهل الفن والإبداع وتقدير رسالتهم الوطنية يشير لأهمية ذلك الإصدار التنويرى البديع.
وفى مقال افتتاحى للضاحك الباكى فكرى أباظة، رصد بعدد أكتوبر ١٩٢٥ معركة عنون لها «الحرب الطاحنة بين الطربوش والعِمّة».. كتب رئيس التحرير: «فى القاهرة الآن حرب طاحنة نشبت بين الطربوش والعِمّة.. تتولى مدرسة «دار العلوم» الآن القيادة، وستصل العدوى بالطبيعة إلى القضاء الشرعى. فالأزهر، فالجامع الأحمدى، فمعهد الزقازيق، ثم تصل إلى مدارس المعلمين والمكاتب الأولية ولا نعلم لمن سيكتب النصر: أللطربوش أم للعمة؟.. يقول «الأساتذة» رافعو علم الثورة ـ وهم من طلبة دار العلوم ـ إن الزى ما كان فى وقت من الأوقات أصلًا من أصول الشرائع وإنما هو مظهر من مظاهر الذوق. فتفسيره لا علاقة له بالشرع، وإنما علاقته بالذوق فقط، ولو سُئلت رأيى لمِلْت إلى الثائرين على العِمّة والجبة والقفطان، والمركوب أيضًا.. وإن كان يعز علىّ أن أحرم من مشاهدة العِمّة «المقلوظة» والقفطان «المزهر» والمركوب الخطير الشأن.. وقال أهل العلم والدراية. إن زى العمامة والجِبّة يرجع إلى أصل يهودى لا علاقة للإسلام به، ويرفع النظر عن هذا. فمن واجب العدالة أن تتكلم بصراحة أن الزى الذى يريد الثائرون أن يتحرروا منه، هو فى الواقع عقبة فى طريق المستقبل، هم يعتقدون أن الزى عقبة من عقبات الترقى والتقدم فى الوظائف والأعمال الحرة. هم ينظرون إلى جميع الدوائر الحكومية، فيرون أن الأغلبية الساحقة للطرابيش، لا وزير بعِمّة ولا وكيل وزارة بعِمّة ولا رئيس مصلحة.. وهناك أيضًا ناحية من نواحى البحث جديرة بإمعان النظر: الأستاذ المعمم المجيب مخلوق ككل المخلوقات، له مزاج وله عواطف، فهو إن تناول كأسًا من الويسكى تساقطت عليه اللعنات.. إن انحرف ذات اليمين أو اليسار كان محل اللمزات والغمزات».