رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يواجه السلطان الحائر أردوغان نهاية صدام؟




سيذكر المؤرخون المنصفون، أن صدام حسين رجل العراق القوى، قتلته أمريكا وحطمت بلاده، دون أن ترأف به، لأنه قدم لها خدمات جليلة، حيث خاض حربًا غير مبررة لمدة ثمانية أعوام ضد إيران وجيشها، بعد أن اكتشف الأمريكيون خطأهم بالسماح بسقوط شاه إيران على يد الخُمينى ونظامه، الذى ألحق بهم العار واحتل سفارتهم فى طهران وحول ٥٢ دبلوماسيًا أمريكيًا إلى رهائن على مدى ٤٤٤ يومًا.
خاض صدام حسين حربًا بالوكالة ضد جيش الخُمينى الذى ورث أكبر ترسانة للأسلحة اشتراها الشاه من الأمريكيين، وحقق هدفهم فى تحطيم هذه الترسانة، وعندما جاءت اللحظة التى اعتقد أنه سينال مكافأته على هذه الحرب، بالسماح له باحتلال الكويت، هاجموه وحاربوه ثم حاصروه وغزوا بلاده وحطموها.. وفى النهاية شنقوه.
واليوم نرى «السلطان الحائر» رجب طيب أردوغان، يقوم بنفس الدور فى خدمة السيد الأمريكى، الذى يرتدى أفخم الثياب، ولكنه يتصرف بأخلاقيات راعى البقر، ويعرف كيف يسخر خدمه لإطاعة أوامره، ونتساءل: هل سيواجه السلطان الحالم بالعرش العثمانى، نفس مصير زعيم حلم بكرسى الخلافة فى بغداد؟!.
هناك العديد من السمات المشتركة بين صدام وأردوغان، بدءًا من الطموح السياسى الجامح، والبراجماتية الشديدة، والكاريزما المحلية القادرة على جمع مصفقين لا يُعملون عقولهم كثيرًا.. خاصة عندما يوهمهم بأنهم شعب عظيم يحتاج إلى من يضعه فى سياقه التاريخى الصحيح.
كل الحقائق على الأرض تؤكد أن أردوغان يخوض منذ سنوات حروبًا عدة بالوكالة لصالح السيد الأمريكى.. وأنه فى المرات القليلة التى حاول فيها أن يشق عصا الطاعة، فإن السيد القوى أعاده مرغمًا إلى الطريق المرسوم له.
وإذا أيقنا أن تنظيم داعش هو أكبر كذبة فى التاريخ الحديث، قائمة على فكرة بسيطة مفادها جمع وتجنيد مجموعة من المتطرفين الحقيقيين يهتفون ويصرخون أمام كاميرات الإعلام، بينما هناك مقاتلون حقيقيون مدربون على أعلى مستوى ومجهزون بمعرفة الـ«سى آى إيه»، لخوض المعارك على الأرض، من أجل ابتزاز دول المنطقة والاستيلاء على ملياراتها بزعم محاربة جماعة داعش والقضاء على تنظيمها، لتحقق هدفها الحقيقى وهو دخول القوات الأمريكية واحتلال مناطق استراتيجية لتنفيذ سيناريوهاتها المدمرة.
حروب أردوغان لصالح الولايات المتحدة، تدعم وتروج لكذبة «داعش» الكبرى، فتجنيد الراغبين للانضمام لهذا التنظيم يتم على أرضه، وتدريب المقاتلين الحقيقيين يتم على أرضه، وانتقالهم إلى سوريا والعراق يتم من خلال منافذه الحدودية.. وقد عرف الجميع أنه اشترى النفط من عملاء داعش، ليؤكد أنهم فعلًا المسيطرون عليه.
ولا بد أن نعترف بأن أردوغان حاول فى البداية التملص من هذه الحرب، وأعلن أنه لن يشارك فى الحرب ضد داعش، فما كان من السيد الأمريكى، إلا أن دبر عملية مهاجمة ضباط أتراك عند الحدود التركية - السورية، بالإضافة لتفجير شهدته مدينة سوروج التركية أودى بحياة العشرات من المواطنين، ونسب العملية لداعش، فخضع أردوغان لسيده، وأعلن عن السماح لقوات التحالف الدولى باستخدام القواعد الجوية التركية للهجوم على داعش، ثم استمات فى المشاركة بكل السبل فى هذه العمليات.
ومنذ بداية سيناريو تقسيم سوريا لصالح الولايات المتحدة، يلعب أردوغان دور المقاتل لصالح سيده، فهو الذى يدعم التنظيمات المقاتلة ضد بشار الأسد، وهو الذى فتح الأبواب للمهاجرين السوريين للمساعدة فى تدويل الأزمة، وهو الذى منح الضوء الأخضر للتقدم فى عفرين، بزعم منع تكوين جيش من المقاتلين الأكراد على حدوده، وهى الكذبة التى رددتها واشنطن بعد أن بدأت الحرب تحسم لصالح الأسد وحليفيه روسيا وإيران، ويوحى أردوغان من خلال تصريحاته بأنه يستعد لمعارك طويلة، فيقول إنه سيحارب فى إدلب بعد عفرين، وبعدها سيصل إلى حدود سوريا مع العراق.
وبين الحرب بالوكالة لتدعيم كذبة داعش، والحرب بالوكالة لتقسيم سوريا.. يخوض أردوغان معارك جانبية لصالح السيد الأمريكى أيضًا، فى قطر من خلال إقامة قاعدة تحمى النظام القطرى بشكل مباشر، وتؤجج النار بينها وبين جاراتها من دول الخليج.. ومعارك أخرى ضد مصر التى تخوض تحديات مصيرية من أجل استقلالية إرادتها واستعادة مكانتها ودورها الإقليمى، فهو يعلن دعمه للإخوان ويستضيف قيادات التنظيم وقنواته التليفزيونية على أرضه، بل يفتعل معارك وهمية عندما يعلن وزير خارجيته أن تركيا لن تعترف باتفاقية ترسيم الحدود المصرية القبرصية، وهى معارك يعتقد من يحركه ويوجهه إليها أنها يمكن أن تؤثر على القرار المصرى. وهو لا يزال يشارك فى نقل عناصر داعش المقاتلة إلى ليبيا، ويواصل نقل الأسلحة والمتفجرات إليهم لتشكيل ضغط على مصر من الجهة الغربية.
معارك كثيرة يخوضها أردوغان لصالح سيده الأمريكى بمنطق «المملوك» أو التابع الذى يعرف سيده كيف يخضعه.
ولا أعرف إلى متى سينجح أردوغان فى الاستمرار فى حكم بلاده، وهو الذى مرر التعديلات الدستورية لتحويل الحكم فى تركيا من النظام البرلمانى إلى الرئاسى بأغلبية ضئيلة لم تتجاوز ٥١٪ بكثير، كيف سيحقق أردوغان وسط هذه الظروف حلمه بأن يكون سلطانًا، وهو فى الحقيقة مجرد «مملوك» يتلاعب به السيد الأمريكى؟.
ذكرتنى هذه المعضلة بمسرحية «السلطان الحائر» للكاتب الراحل توفيق الحكيم، والتى تدور أحداثها الخيالية الرمزية فى عصر المماليك، عندما يعرف السلطان أن الناس فى مدينته يسخرون منه، لأنه لم يزل عبدًا، وأن سيده السابق لم يعتقه، ولهذا لا يحق له أن يكون سلطانًا، ويتحيّر بين اللجوء إلى القوة لإخضاع الناس كما نصحه وزيره، أو الاحتكام إلى القانون بأن يعرض نفسه فى مزاد، ليشتريه من يشتريه ثم يعتقه، وكان هذا رأى قاضى القضاة، وبعد حيرة طويلة قرر السلطان (المملوك) اللجوء للرأى الثانى.
الفرق بين سلطان توفيق الحكيم «الحائر»، والسلطان المزعوم أردوغان، أن الأول سعى لأن يفك أغلاله كمملوك ويصبح حرًا، أما أردوغان فهو حريص على أن يظل مملوكًا يفعل ما يريده السيد الأمريكى.