رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زى إمبارح كانت ثورة




يقول من يقول وكيف ما شاء له أن يقول عن ثورة ٢٥ يناير باتهامها أنها وحدها سبب كل بلاء حلّ بالبلاد والعباد، ولا أعرف فى هذا الصدد كيف يصل الأمر بنائبة تدعى أنها مؤرخة، ويعدها البسطاء «جبرتى» الدراما، رغم أنها لم تقدم سوى عمل واحد، أن تسب وتلعن ثورة ٢٥ يناير مرددة بعض أوصاف للثورة منقولة عن العامة أن اسمها «٢٥ خساير».
ولأن علامها اللى تلقته فى عهد الملك كان غريب حبتين، فهى لم تدرك أن الدستور الذى أقسم على احترامه والالتزام بما جاء فيه الجميع أسماها ثورة، وأن دماء الشهداء فى ميادين تحرير مصر باتت تؤكد أن للثورة أبطالًا دفعوا مهرها فداء تحررنا من رق أنظمة الثبات المرضى والجمود الرذيل، بل والانتحار المعنوى على أبواب موصدة فى وجه كل سبل تطبيقات الديمقراطية والشفافية والمساءلة، وأيضًا التوهان بعيدًا بل والحرمان من ممارسة حلم العيش بكرامة إنسانية فى ظل عدالة اجتماعية تُتاح بموجبها كل الحقوق، وتُطلب فيها كل الواجبات من كل الناس دونما تفرقة أو أى تمييز.
نعم، تم الإجهاز على الحلم الجميل من قبل قوى خارجية وجماعة إرهابية وائتلافات شبابية انتهازية، وغباوة نخبة باعوا وطنهم بريالات يهوذا.. نعم كان الثمن فادحًا والخسائر على الأرض لا تُعد ولا تُحصى على المستوى المادى الاقتصادى والمعنوى الإنسانى، ولكن كانت هناك حقيقة مؤكدة أن التغيير كان طلبًا شعبيًا ملحًا بعد أن شاخ الحاكم على كرسيه، وفقدانه كل صلاحيات وجاهزية إصدار القرار باستقلالية ورؤية صائبة فى أمر إدارة حكم البلاد التى باتت معظم مؤسساتها تعانى حالة تدهور وتراجع إدارى، وانتشار الفساد فى دواوينها إلى حد وصف البعض لها بأنها باتت مؤسسات لإدارة الفساد.
وعليه، أتعجب من أمثال تلك النائبة وغيرها، من لم يدركوا حقيقة أن ثورة يناير وحدها حققت للشعب الحلم الأهم فى أن يكتب دستوره الذى أكد على مبدأ تداول السلطة بعد حقب من الزمان كان فيها حكامنا لا يغادرون كراسيهم إلا بالوفاة أو الاغتيال.
وعلى جانب آخر يخرج علينا إعلامى شهير عبر نافذة برنامجه، ليقول لنا ما معناه أن ثورات شعبنا كانت دائمًا بسبب المعاناة من الفقر، وعليه فهو يرى أن السادات هو أعظم رئيس حكم البلاد تفاهم مع شعبه حول قضايا الفقر، لأنه رجل سياسى مارس العمل السياسى ردحًا من الزمان عبر مواقع مختلفة، وأيضًا نجاحه فى اختيار معاونيه، واستشهد بوزراء تتلمذوا فى «منظمة الشباب»، وينسى ذلك الإعلامى أنه الرئيس الأكثر فشلًا على المستوى الداخلى فى المجال الاقتصادى بالذات، بعد أن مسح بأستيكة كل مكتسبات ثورة يوليو ١٩٥٢ بنظم اقتصادية فاشلة.
كما يبدو أن ذلك الإعلامى لم يُلم بكل جوانب وأبعاد تعامل الرئيس السيسى لتمرير القرارات الاقتصادية الأصعب فى تبعاتها المعيشية على الجماهير عبر خطاب شفاف مقنع ومقدر لتضحيات الناس، ورأينا كيف طلب من الحضور فى المؤتمر الأخير تحية الجماهير الصابرة الرائعة، وقوفًا فى بداية إلقاء خطابه الذى استهله بعبارة بليغة كنت أظن أن يجد فيها محررو المانشيتات الساخنة والعناوين الجريئة فرصة عرض حرفية، قال فى وصفه للشعب المصرى عبر تحديه للصعاب الاقتصادية «إنهم يأكلون الجوع، ويشربون العطش»، ليؤكد مدى إدراكه حجم معاناة الناس، رغم ما يبدو من مؤشرات لتحسن الأوضاع الاقتصادية كان يمكن الاكتفاء بسردها لاكتساب شعبية فى مجال دعم حملته الانتخابية، مثل بداية التعافى النسبى للنشاط السياحى، واكتشافات حقول الغاز، وعودة الاحتياطى النقدى لسابق حالته، بل وارتفاعه إلى رقم غير مسبوق، وغيرها من المؤشرات المطمئنة إلى حد كبير.
نعم، أمر مهم أن نتعرف ونُعرف بإخفاقات ثورة يناير، ولكن الأهم من النقد الذاتى الذهاب إلى استشراف المستقبل عبر استخلاص الدروس من طبيعة تلك الإخفاقات، وهى إخفاقات لثورة خلت من رأس قائد يدير الدفة وأجهزة تتابع وتضع برامج التحرك وتشير إلى سبل التصعيد عبر إطارات زمنية دقيقة وفاعلة أمام قوة تلك العصابة الإرهابية المنظمة والمدعومة من الداخل والخارج ماديًا ومعنويًا، عبر خطط تنفذ بدقة. لقد افتقدت رموز النخب الخايبة فى ميدان الثورة حالة التحام حقيقية مع الجماهير فى المصانع والمزارع ودواوين الحكومة لتقترب من أحلامهم وهمومهم الحقيقية.
أرى، وكأننا نعيش أجواء ٩ و١٠ يونيو ١٩٦٧عندما خرجت الجماهير رافضة تنحى «ناصر» رغم اعترافه بمسئولية الهزيمة، ليكمل مشواره نحو إزالة آثار العدوان، مع الفارق أن الرئيس «السيسى» هنا غير مهزوم، وهو الذى انتصر على جماعة الشر واضعًا خطة طريق لمستقبل البلاد بعد الثورة، وأنجز من المشروعات العملاقة ما ينبغى استكماله بنفس آلية التنفيذ السريع والمُراقب لتحقيق الجودة المأمولة واستبعاد فرص انتهازية أهل الفساد والإفساد، وأيضًا مواصلة الجهود نحو إصلاح الخطاب الثقافى والدينى التى أعلن منذ اليوم الأول لحكمه أنه معنى بمتابعتها، وهى للأسف لا تلقى من الجهات المعنية والمنوط بها الإصلاح الجهود الكافية، وأرى أن انتخاب الرئيس لمدة ثانية هو استفتاء على نجاح تجربته، وبنجاحه سيتجدد الأمل فى تسريع الخطى، ولو كان هناك من المتنافسين على كرسى الرئاسة من يحقق كتلًا تصويتية منافسة أكون سعيدًا، حتى لو فاز الرئيس بأى نسبة يقررها الشعب لنغادر بشعبنا حدوتة ٩٩.٩٩٩٪ التى لم تعد تليق بشعب قرر فى ثورة ٢٥ يناير ضرورة تداول السلطة، حيث قاعدة الكرسى صارت «تيفال» ضد اللصق البغيض.