رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب.. ناجح ومنقول إلى «كى جى2» رئاسة




أعاد ترتيب الأرقام من الأصغر إلى الأكبر والعكس، وحدد أسماء الحيوانات الموجودة فى الصور، ورسم ساعة ووضع كل أرقامها فى مكانها، قبل أن يحدد عقاربها على توقيت معين.. هذا هو تقريبًا الاختبار الذى خاضه زعيم الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب لقياس قوة إدراكه، بعد أن أصبح ملايين البشر يتشككون فى قدرته على إدراك المعانى والكلمات التى نطق بها خلال العام الأول لرئاسته.
وفى النهاية خرجوا يزفّون البشرى للعالم أن ترامب اجتاز الامتحان أو تقييم مونتريال المعرفى، ونال ٣٠ من ٣٠، وأنه جاهز وأصبح مؤهلًا لـ«كى جى ٢» رئاسة فى البيت الأبيض.
إنه تقريبًا نفس الاختبار الذى خضعت له ابنتى، قبل أن يتم قبولها فى «كى جى ١»، وربما كان أيضًا نفس الاختبار الذى خاضه «المعزول» قبل تعيينه فى «ناسا»، واضح أن الدنيا تغيرت وأننا قد هرمنا.
وقد ذكرنى خبر نجاح ترامب بتفوق بواحدة من أغرب التغريدات التى أطلقها على صفحته بموقع «تويتر» والتى قال فيها: آسف يا أيها الفاشلون والحاقدون، نسبة ذكائى هى الأعلى وأنتم تعرفون ذلك، رجاء لا تشهروا الغباء وعدم الأمان، هذا ليس ذنبكم.
الرئيس قوى الإدراك غرد أيضًا قائلًا: لماذا أهاننى كيم جونج أون من خلال وصفى بالعجوز، بينما أنا لم أدعه بالقصير والسمين. حسنًا، لقد حاولت جاهدًا أن أكون صديقه.. وربما ذلك سيحصل يومًا ما.
أما التغريدة الأروع فكانت: تم إنشاء مفهوم الاحتباس الحرارى العالمى من قبل الصينيين، وذلك بهدف جعل الصناعة الأمريكية غير قادرة على المنافسة.
ترامب المبهر الأول على «تويتر»، نشر تغريدة كتب فيها كلمة غير معروفة لكل المتحدثين بالإنجليزية، فأثار موجة عالمية من السخرية.. التغريدة كانت تهاجم الصحافة وقال فيها: «رغم السلبية المستمرة للـcovfefe الصحفى»، وتوقف الجميع عند كلمة covfefe، فمنهم من سخر قائلا إن ترامب قد كشف كلمة سر الصواريخ النووية، التى لا يعرفها أحد غير رؤساء أمريكا المتعاقبين، ونشر أحد المغرّدين الساخرين صورة رسالة من ابنة ترامب إلى والدها تقول فيها «والدى، إليك كلمة سر النظام النووى، لا تستخدمها إلا فى حالة الطوارئ أو إذا طلب منك بوتين ذلك».
وكتب الأمريكى جيمى كاميل، وهو مقدم برامج تليفزيونى ساخر «إننى حزين لأننى لن أستطيع كتابة عبارة أكثر إضحاكًا من كلمة ترامب هذه»، أما القناة الرابعة البريطانية فقد نشرت صورة لكوب قهوة مع اسم دونالد عليها، وافترضت أن هذا ما كان الرئيس يقصده بعبارة covfefe.
لقد كان عامًا رئاسيًا مليئًا بمشاهدة التليفزيون والتغريدات الغبية، هذا الذى قضاه ترامب فى البيت الأبيض، فهو يشاهد التليفزيون لمدة ثمانى ساعات يوميًا، ولا يسمح لأحد غيره بأن يلمس تليفزيوناته وأجهزة الريموت سوى التقنيين.
المقربون من ترامب يشيعون أنه لا يشرب الخمور، لكنه فى المقابل يشرب ١٢ عبوة كوكا كولا بشكل يومى، ولديه زر أحمر على مكتبه، ليس لإطلاق الأسلحة النووية، لكنه فى الواقع لطلب الكوكا كولا، وربما كان هذا هو الذى تباهى به على كيم جونج أون وقال له «زرّى أكبر وأقوى من زرّك»!.
وترامب الناجح فى اختبار الإدراك لديه هوس النظافة، ولذلك يغسل يديه كثيرًا ويتجنب المصافحة، وربما كان هذا أيضًا سبب رفضه مصافحة واحدة من أهم زعماء العالم وهى أنجيلا ميركل فى أول لقاءاتهما، وهو أيضًا مهووس بدورات المياه فى البيت الأبيض ويحرص على أن يريها لزواره.
وإذا أردت أن تتأكد من عبقرية ترامب وقوة إدراكه التى أهلته لنيل ٣٠ من ٣٠ فأرجو أن تراجع معى بعض تصريحاته العاقلة جدًا، فهو أول سياسى يصف دول إفريقيا بـ«بالوعات المجارى القذرة» فى سياق حديثه عن خوفه من استمرار موجات الهجرة من إفريقيا، وعندما جاء دور الحديث عن مهاجرى هاييتى قال «إنهم مصابون بالإيدز»!
وهو أيضا أول سياسى يهاجمه مؤلف كتاب «النار والغضب» ويشكك فى قواه العقلية، فيخرج على الناس قائلًا: «أنا عبقرى راجح العقل» و«ذكى للغاية».
ترامب الذى رحب به الملايين فى عالمنا العربى، لشدة كراهيتهم لمهندسى الربيع العربى باراك أوباما وهيلارى كلينتون، نجح فى أن يحصد كراهية العرب جميعًا فى نهاية أول عام رئاسى له بعد قراره الصادم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وهذا قرار لا يصدر إلا عن شخص لا يؤهله عقله لإدراك أن هناك حقائق يفرضها التاريخ والجغرافيا وتفرضها إرادة الشعوب، وأنه ليس من السهل أن تغير التاريخ وإمبراطوريتك توشك على أن تودع المجد وتفسح الطريق للقادمين للزعامة فى العقد المقبل.
بإدراكى المتواضع لا أعتقد أن السيد ترامب اجتاز اختبار سلامة الإدراك، ولا أعترف بدرجاته النهائية، ولا أستبعد أن يكون طبيب البيت الأبيض سرب له الاختبار فى الليلة السابقة مع صورة من الإجابات النموذجية، وربما يكون الطبيب الذى أجرى الاختبار قد شرب الشاى بالياسمين الأمريكانى قبل دخول اللجنة.
الشىء الوحيد الذى أصدقه أننا أمام أغرب رئيس دولة فى العالم، رئيس يمتلك نرجسية هتلر وحماقة عيدى أمين، زعيم أوغندا السابق، الذى دعا أحد خصومه السياسيين لمباراة فى الملاكمة، ويملك اندفاع بوريس يلتسين عقب تجرع زجاجتين من الفودكا.. كما أنه فاق غباء سلفه جورج بوش الابن الذى قتل عشرات الآلاف فى غزوه أفغانستان والعراق، وقال إنه ينتظر هبوط يسوع المسيح عليه ليكافئه على أعماله! رئاسة ترامب أكبر دولة فى العالم محنة من محن التاريخ، التى اعتدنا وقوعها من آن لآخر، وها نحن قد انتهينا من السنة الأولى للمحنة، وعلينا الصبر ثلاث سنوات أخرى.
ولن أجد وصفًا للعام الأول للمحنة أفضل مما قالته صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية التى كتبت عنوانًا يقول: «عام من الضجة لكن النتائج هزيلة»، أما صحيفة «٢٠ دقيقة» المجانية الفرنسية فكتبت: «إن وصول ترامب إلى الرئاسة أشبه بالزلزال الذى غالبًا ما تصل ارتداداته إلى أماكن بعيدة فى العالم».
عزيزى الرئيس الأمريكى: مبروك عليك درجاتك النهائية، وأعاننا الله عليك.