رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا رفض «يحيى حقي» جائزة «صدام» الأدبية؟

«يحيى حقي»
«يحيى حقي»

رغم ما قدمه الكثير من الأدباء من أعمال قيمة استحقت الخلود، إلا أن الكثير منهم إذا ما تقدم به العمر، انزوى جانبًا وبعدت عنه الاضواء، فلا يعلم عنهم أحد شيئا، ولا يسأل أحد كيف يحيا هذا الإنسان الذي قدم للبشرية منجزًا أدبيًّا ساهم في إسعادها، ولم يفنِ عمره في كنز الأموال التي تعينه على تقلبات الزمن.

من بين هؤلاء كان الكاتب الكبير «يحيى حقي»، والذي تمر اليوم ذكرى ميلاده الـ 113، فعلى ما قدم من منجز أدبي تنوع ما بين القصة والرواية والترجمة والمقال، إلا أنه عانى كثيرًا في آخر حياته، نظرًا لكون مصدر دخله الوحيد في تلك الفترة كان معاشه الضئيل، إلا أنه آثر أن يصمت ولا يشكو وظل معتدًّا بشخصيته راضيًا كعادته.

فعاش يحيى حقي حتى بلغ الثامنة والثمانين، وكان من أكثر الكتاب موهبة وفقرًا معًا، حتى إن صحيفة «المساء» في عددها الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 1989، وجهت دعوة للاحتفال بالعيد الخامس والثمانين لميلاد الكاتب الكبير يحيى حقي، ولكن جاءت الدعوة مصحوبة بتحقيق أجراه الناقد «فاروق عبد القادر»، داعيًا إلى ضرورة تحقيق الاكتفاء المادي للكاتب قبل تكريمه.

قال عبد القادر: «يجب أن لا نجعله - يحيى حقي - محتاجًا، قبل أن نطالب بتكريمه، خاصة أن المسؤولين عن الثقافة لا يدركون أنه يحيا حياة مادية متواضعة بالقياس إلى مستوى الحياة التي يحياها أي كاتب لمسلسلات تلفزيونية».

وأشار عبد القادر في تحقيقه إلى أن يحيى حقي لا يحصل إلا على معاشه، وهو معاش ضئيل للغاية، ولم يكن فاروق عبد القادر يقصد الإساءة مطلقًا إلى يحيى حقي، فقد كان يحمل له إجلالًا وتقديرًا لمكانته الأدبية، إلا أن يحيى حقي بشخصيته المعهودة واعتداده بنفسه أغضبه ذلك كثيرًا، حتى أنه كتب في نهاية إحدى رسائله التي كان يرسلها إلى ابنته نهى، قائلًا: «أرسل لك مع هذا ما نشرته صحيفة المساء وقد غمني أشد غم ما قاله فاروق عبد القادر، عشان الناس شايفاني ما عنديش عربية وأركب ساعات المترو، فاكريني محتاج لحسنة أو معونة مش عارف أودي وشي فين».

ورغم ذلك، وطبقًا لما ورد في كتاب إبراهيم عبد العزيز «رسائل يحيى حقي إلى ابنته نهى»، كان يحيى حقي قد رفض ترشيحه لجائزة «صدام» الأدبية، وحين سألته ابنته عن السبب، قال إن الأمر في ظاهره أنني مرشح لجائزة صدام الأدبية، ولكنها تحمل في الحقيقة ورائها أسبابًا سياسية، وأنا لا أستطيع أن أضع يدي في يد صدام الملوثة بدماء المسلمين في بلده وجيرانه.

وقبل رحيله بأربع سنوات فقط حصل على جائزة فيصل العالمية، وهي المكافأة المادية الوحيدة التي حصل عليها ووفرت له علاجًا واستقرارًا مناسبًا يستحقه، بل أقل مما يستحقه، فهو رجل كتب 28 مجلدًا من القصص والروايات والنقد والمتابعات والتأملات، كما كتب عن الموسيقى والعمارة والتاريخ والحضارة والإنسان، بل ترجم سبعة كتب أخرى.

وتوفي يحيى حقي في 9 ديسمبر 1992 عن عمر ناهز الـ 88 عامًا.