رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى 7 سنوات على ربيع باراك أوباما


سبع سنوات مرت على ما سميت ثورات الربيع العربى، وما زلنا منقسمين إلى فريقين فى تفسير ما حدث، بعضنا لا يزال مصدقًا أنها ثورات شعبية من أجل الحرية والديمقراطية وضد أنظمة مستبدة، والبعض الآخر يرى أنها جزء من خطة- أو مؤامرة- لتقسيم دول الشرق الأوسط، أو أنه ربيع باراك أوباما كما وصفه مايكل لينش فى مجلة «فورين بوليسى» يوم ٦ يناير ٢٠١١ أى بعد يومين فقط من وفاة الشاب التونسى محمد البوعزيزى الذى قيل إن الثورة فى تونس تفجرت بسببه، كما اندلعت ثورة أخرى عندنا فى مصر بسبب «ديلر» أى بائع مخدرات حولوه إلى أيقونة لثورة تدربوا على كيفية تحريكها بين واشنطن وصربيا وأكاديمية التغيير فى الدوحة.
هل كان من قبيل المصادفة أن تهب الثورات الشعبية فجأة فى ٧ دول عربية لديها أنظمة أمنية قوية، بطريقة مسرحية، حيث يتم الإعلان مسبقًا فى وسائل التواصل عن موعد الثورة ومكانها؟!، وهل كان من محاسن الصدف أن تتحول هذه الاحتجاجات الشعبية ذات الشعارات الليبرالية إلى مطية لجماعات الإسلام السياسى؟، وأن تقوم ما عرفت بدولة داعش بعد ثلاث سنوات من انطلاق هذا الربيع فى العراق والشام، ويصبح لها علم وعاصمة وعملة خاصة بها، وتتعامل معها دول كبيرة فتشترى منها النفط وتبيع لها أرتالا من السيارات الفاخرة والأسلحة المتطورة، وتقوم بتدريب مقاتليها (إرهابييها) وتنقلهم بالطائرات والسفن من سوريا إلى مصر وليبيا ومن العراق إلى مالى؟!.
هل كان من قبيل المصادفة أيضا أن يتم منح الجوائز العالمية لنجوم مجهولين فى بلاد هذه الثورات، فتمنح صحفية مجهولة فى اليمن اسمها توكل كرمان، جائزة نوبل للسلام(؟!)، وتمنح المدعوة إسراء عبدالفتاح جائزة سيدة العالم (آه والله سيدة العالم) حيث قامت الممثلة كيرى واشنطن بتسليمها الجائزة، فى حفل حضرته أهم نجمات هوليوود من بينهن جنيفر أنيستون وجيسيكا ألبا وجنيفر لوبيز وجين فوندا وغيرهن؟!.
أما أسماء محفوظ فقد منحوها جائزة سخاروف العالمية لحرية الفكر، هذا طبعا غير جائزة جون كيندى للمخطوف المجهول (خلال أحداث يناير ٢٠١١) وائل غنيم الذى عرفنا فيما بعد أنه مبتكر صفحة «كلنا الديلر» أو كلنا خالد سعيد.
ألم يكن غريبا أن تتم ٧ ثورات بنفس السيناريو، تجمع فى أكبر ميدان فى العاصمة وخيام اعتصام منذ اليوم الأول، وعمليات قتل لعناصر من المتظاهرين لتسخين الأجواء وتمهيدا للهجوم على رجال الشرطة ومراكزهم، ثم ترديد نفس الهتافات رغم اختلاف اللهجات من تونس إلى مصر إلى البحرين.. ثم الوقوف أمام شاشات التليفزيون وترديد هتاف «سلمية.. سلمية» وتقديم الورود لرجال الشرطة، ثم فجأة تغلق الكاميرات، فتختفى الورود ويبدأ السلميون فى سب ولعن رجال الشرطة.
كل هذه لم تكن مصادفات، كما لم يكن من قبيل المصادفة أيضا أن يظهر اليهودى الفرنسى برنارد ليفى، فى ميدان التحرير وفى طبرق بليبيا وعدة عواصم أخرى من عواصم الربيع المزعوم، وهو الذى لقبه الإعلام العالمى بالأب الروحى (أو عراب) ثورات الربيع العربى، ولقبه آخرون بشيطان الثورات العربية، وقد كان أمله أن تمتد هذه الثورات إلى الجزائر وهى موطن عائلته الأصلى.
يقول تشى جيفارا، أشهر ثائر فى تاريخ أمريكا اللاتينية، إن «الثورة يصنعها الشرفاء ويقودها الشجعان ثم يسرقها الجبناء»، لذلك فإذا سلمنا جدلًا أن كل عوامل الثورة كانت متوافرة فى بلدان الربيع العربى منذ سنوات طويلة، إلا أن شيئا لم يحدث لأسباب كثيرة أولها الخوف، وآخرها عدم ظهور من يحرك الجماهير، وهذه الأسباب معروفة بالتأكيد لخبراء السياسة والأمن والمخابرات، ولذلك كان لا بد من تمهيد الأجواء لانطلاق هذه الثورات، وتحديد الكوادر «المارقة» التى ستعمل على التسخين والتمويل، وكانت مهمة تكفلت بها أجهزة مخابرات دول كبرى، وقد رأينا الاستقبال الحافل لهؤلاء «المارقين» من وزيرة الخارجية الأمريكية والمرشحة الرئاسية السابقة هيلارى كلينتون.
ثم رأينا كيف توالت التكريمات السخية لهؤلاء المارقين الذين أصبح بعضهم يقضى صيفه فى باريس بعد أن كان يحلم بأسبوع أو يومين فى جمصة.
سمّوه الربيع العربى على غرار ربيع أوروبا الشرقية، الذى فتت دولها بعد سقوط الاتحاد السوفييتى وانهيار حلف وارسو، فتحولت أكبر دول شرق أوروبا مثل يوغسلافيا إلى خمس دول، وانقسمت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين، وهكذا.. وكان الهدف أيضا تقسيم العالم العربى مرة أخرى بعد ٩٠ سنة من اتفاقية سايكس بيكو، وقد نشرت خرائط لمشروع تقسيم منطقة الشرق الأوسط.
وعلى ذكر جريمة سايكس بيكو التى قسمت الكعكة العربية بين بريطانيا وفرنسا، فقد وقعت هذه الجريمة مباشرة عقب ما سمى الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن على، والتى قاتل فيها بإخلاص هو ورجاله الأشداء فى كل مكان من أجل طرد الاحتلال العثمانى من بلاد العرب، ثم اكتشف الثوار أنهم عملوا كخدام للأطماع الاستعمارية البريطانية الفرنسية.
قد يكون هناك ملايين المخلصين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين أيام الربيع المزعوم، لكن كثيرين منهم أدركوا أن براءتهم وطهارتهم جعلتهم لا يرون أو يدركون الشياطين المختفية فى الكواليس، والتى كانت تدبر وتخطط وتمول، لذلك سقط أكثر من مليون قتيل أو شهيد وشرد أكثر من تسعة ملايين سورى، وما زالت ليبيا غارقة فى الفوضى، وما زالت سوريا تواجه مؤامرة تقاسم النفوذ بين موسكو وواشنطن وأنقرة بعد أن تراجع مخطط التقسيم.
٧ سنوات عجاف بعد الربيع المزعوم، أو ربيع باراك أوباما الذى لم نحصد فيه وردة واحدة، بل حصدنا الشوك والشوك فقط، ولا يزال بعض الغافلين يقولون «الثورة مستمرة».