رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. صوت الجرس والأذان


ترتفع أصوات أجراس الكنائس مع الصلوات والترانيم «لله المجد فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة»، ويختلط الرنين بصوت الأذان فيرتفع عاليا من مآذن المساجد المجاورة الله أكبر وحى على الصلاة، ترتفع الأيادى تناجى ربها وتردد الألسنة الأدعية بالخير والسلام وتتمتم الشفاه بالأمنيات فى استقبال عام جديد.

هذه هى مصر التى قال عنها الدستور فى مقدمته «هذه مصر وطن خالد للمصريين ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب. هذه مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية. فى أرضها شب كليم الله موسى، عليه السلام، وتجلى له النور الإلهى، وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين. وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح، عليه السلام. وحين بُعث خاتم المرسلين محمد، عليه الصلاة والسلام، للناس كافة، ليتمم مكارم الأخلاق، انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام فكنا خير أجناد الأرض جهادا فى سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين. هذه مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا».

أبى عام ٢٠١٧ أن يمر بسلام، أبى أن ينتهى دون ترويعنا بحادث إرهابى بغيض استهدف كنيسة الشهيد مار مينا بحلوان، فانقلب النور إلى ظلام وانقلبت فرحة استقبال العام الجديد إلى دموع وأحزان واختلطت المشاعر بدماء الأبرياء وحسرة القلب على فراق الأحباء وارتوت الأرض بالدماء الطاهرة للشهيدات والشهداء. اعتاد الإرهاب فى نهاية كل عام ارتكاب جرائمه الخسيسة منذ الاعتداء على كنيسة القديسين بالإسكندرية فى نهاية عام ٢٠١٠ وحتى الآن مرورا بالكنيسة البطرسية بالعباسية وكنيستى طنطا والإسكندرية.
فى صباح يوم لم تسطع فيه شمس يوم الجمعة ٢٩ ديسمبر عام ٢٠١٧ استيقظنا على حادث إرهابى بشع استهدف الكنيسة ومحلا يملكه مواطن مصرى مسيحى الديانة ويقع فى الجهة المقابلة للكنيسة واستشهد عدد من المصريين والمصريات وأصيب عدد آخر برصاص الإرهاب الغادر، وسطر المصريون أروع تلاحم فى صد ومواجهة الإرهابيين، وساعد ذلك على تقليل الخسائر البشرية، مما يعتبر بداية حقيقية لمشاركة شعبية فى مواجهة الإرهاب.
دعونى أكرر وأعِد كتابة ما تناولته من قبل حول دور الثقافة فى مواجهة الإرهاب. سأقول وأعيد دون كلل أو ملل حتى يتم تحويل الأقوال التى تنطلق من حناجر المسئولين إلى أفعال، وحتى تتحول الأشكال التى ولدت صامتة من مؤسسات ومجالس إلى كيانات حية تنبض وتتنفس وتعمل ليلا ونهارا لتجفيف منابع الإرهاب، وفى مقدمتها مواجهة الفكر الظلامى الرجعى الوهابى الذى يتم تلقينه لأولادنا مع بداية عمرهم على يد عتاة المتطرفين المتشددين من الإخوان والسلفيين ليعشش فى عقولهم ويتحول إلى مفرخة للأعمال الإرهابية المجرمة.

والبداية الحقيقية هى إيمان المسئولين فى مراكز صنع القرار بدور وأهمية مشاركة المجتمع المدنى فى النهوض وبناء الدولة وحل الأزمات ووضع خطة بالتشارك مع الأحزاب والنقابات والروابط والجمعيات والمراكز الثقافية للعمل معا من أجل تجفيف منابع الإرهاب الفكرية. بجانب حرص الدولة على تفعيل وتنفيذ ما نص عليه الدستور من حرية الفكر والرأى والعقيدة وحرية البحث العلمى وحرية الإبداع الفنى والأدبى وحق الحصول على المعلومات وتداولها وحرية الصحافة والطباعة والنشر وحرية التعبير عن الرأى بكافة الوسائل السلمية وتفعيل ما جاء فى المادة ٥٣ من تجريم التمييز بين المواطنين لأى سبب سواء بسبب النوع أو الجنس أو الفكر أو الدين، مع الإسراع بإنشاء مفوضية عدم التمييز.
وعلى الدولة حل الأحزاب الدينية التى يحظر الدستور قيامها فى المادة ٧٤، تلك الأحزاب التى ينشر قادتها وشيوخها فتاوى التكفير ويقومون بالتحريض على الفتن الطائفية والمذهبية والقتل ويبثون أفكارهم الخاطئة التى تسمم عقول الشباب، وكل ذلك باسم الدين. والبداية الحقيقية أيضا من توافر الإرادة السياسية لدى مؤسسات وأجهزة الدولة للعمل على نشر الثقافة كعامل أساسى بجانب التنمية الإنتاجية والمواجهة الأمنية للقضاء على الإرهاب.
والبداية يا سادة يا كرام بتغيير مناهج التعليم التى تقوم على الحفظ والتلقين فتخلق شخصيات تقوم على السمع والطاعة ويسهل قبولها الأفكار المتطرفة. ولتقرأوا معى ما جاء فى الدستور المادة ١٩ «التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز». إن الدولة التى تؤمن حقا بأهمية الثقافة عليها زيادة ميزانية وزارة الثقافة لتستطيع القيام بدورها الحيوى والأساسى فى مواجهة الإرهاب.