رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد البلتاجى: على المترجم أن يدرس ثقافة اللغتين دراسة وافية

خالد البلتاجي
خالد البلتاجي

عن حكايته مع الترجمة٬ يقول خالد البلتاجي: أحببت الأدب العربي، وأحسب نفسي قارئًا له ومتابعًا له إلى درجة ترضيني، كانت أحيانًا تراودني فكرة الكتابة، لكني لم أجرؤ على تحقيق هذه الفكرة، وكانت محاولاتي دائمًا تتوقف وتنتهي في بدايتها، إلى أن التحقت بالجامعة وبدأت في دراسة لغة أجنبية بشكل متخصص.

وفي إطار خطة الدراسة كان لمحاضرات الترجمة من وإلى العربية مساحة كبيرة من ساعات الدراسة، وهو ما جعلني أنتبه إلى الترجمة الأدبية خاصة كوسيلة بديلة للكتابة الأدبية، بعد الدراسة بالجامعة تخصصت أثناء دراسة الماجستير في الترجمة بكلية الألسن جامعة عين شمس، ثم واصلت دراسة الدكتوراه بعدها في جامعة تشالز ببراج، ومنها بدأت أمارس الترجمة الأدبية.

التعريب أو التمصير هو محاكاة عمل أجنبي بمعايير وعناصر محلية
وعن الفارق بين التعريب والترجمة٬ يرى صاحب أجمل ترجمات أعمال «كافكا» الكاملة٬ أنه فارق كبير بالتأكيد لأن التعريب أو التمصير هو محاكاة عمل أجنبي بمعايير وعناصر محلية، يتم من خلاله تطويع الزمان والمكان والشخصيات والحكاية... إلخ، من عناصر السرد حسب بيئة ثقافية محلية ومغايرة غالبًا للعمل الأدبي الأصلي.

وهذا لا علاقة له بالترجمة، لأن الترجمة الأدبية لرواية أو شعر أو مسرح هي نقل أمين للعمل المكتوب لغة أجنبية إلى اللغة الأم وهي اللغة العربية، لا يحق للمترجم خلال عملية النقل الإضافة أو الحذف أو التغيير أو التبديل في النص على الإطلاق، بل عليه أن يقوم بنقل أمين للنص ولكل مكوناته من سياقات ثقافية وغيرها، وهذه عملية معقدة للغاية، ففضلًا عن إجادة اللغة الأصل واللغة المصدر، يجب على المترجم دراسة ثقافة اللغتين دراسة وافية ومعرفة الدلالات الثقافية لمفردات وتراكيب اللغتين بصورة تكاد تكون مطلقة، يجب أيضًا أن يكون على اتصال مباشر بواقع اللغة الأجنبية واللغة الأم، وأن تكون الرسالة المتضمنة في النص الأدبي واضحة له لأنها هي المضمون الأساسي الذي يضعه في وعاء ثقافي مختلف ألا وهو اللغة الأم التي يترجم إليها.

المترجم الأدبي لا بد أن يكون مبدعا
لا يعترف البلتاجي أنه في الترجمة الأدبية ما يمكن أن نطلق عليه مترجم مهني، رغم أن فيها شق مهني وهي التمكن من أدوات الترجمة، المترجم الأدبي مبدع ولا بد أن يكون كذلك، فلا يمكن أن يكون ناقل الإبداع فاقدًا له، ليس بالضرورة أن يكون أديبًا، فالترجمة هي عمل إبداعي تالي، ولا تقل على الإطلاق عن الإبداع الأول الذي يمارسه الأديب بلغته الأم، فالمترجم مبدع، وأدواته هي نفس أدوات الأديب، لغة تتضمن رسائل مختلفة، وتقنيات عمادها اللغة، أما المترجم المهني فهو المترجم المتخصص في فروع علوم طبيعية أو حتى إنسانية، هنا يجب أن تحقق المهنية، أي لا دور للإبداع في مجال الترجمة التخصصية، ولا تأثير للخلفيات الثقافية للغة ومتلقيها في مختلف اللغات، فاللفظ له مدلول ثابت في علم بعينه، ولا يمكن أن يختلف تأويله عند انتقاله من لغة إلى أخرى.

الكتب العلمية التخصصية بعضها ينتج لصالح مجموعة معينة من المتخصصين
وعن ندرة ترجمات الكتب العلمية٬ يقول البلتاجي: العالم العربي يعاني من مشكلة في الترجمة بصفة عامة، سواء في ترجمة الكتب العلمية أو الأدبية، والأسباب متعددة، فالكتب العلمية التخصصية بعضها ينتج لصالح مجموعة معينة من المتخصصين الذين يجدون سهولة في قراءتها بلغتها الأم نظرًا لمشكلة قائمة في تعريب العلوم والمصطلح منذ زمن، فكتب الطب أو الهندسة أو الرياضيات وعولم الحاسب وغالبية العلوم الطبيعية سهل على المتخصصين ترديد مصطلحاتها بلغتها الأم والتي غالبا ما تكون الإنجليزية أو الفرنسية لشيوعها.

أما الكتب العلمية التي لها طابع عام، أي تخاطب غير المتخصصين فأظن أنها في وضع أفضل، فأكثر من نصف إنتاج المركز القومي للترجمة هي كتب علمية ذات الطابع العام، وهذا لا يعني أن ما ينتجه العالم العربي من الكتب العلمية سواء المتخصصة أو العامة كافي، مرة أخرى أعود لأؤكد على مشكلة عدم شيوع المصطلح العربي للمقابل الأجنبي وهو ما يحد من انتشار الكتب العلمية باللغة العربية بين المتخصصين.

ليس واردا على الإطلاق أن يخون المترجم
أما عن خرافة خيانة المترجم يقول البلتاجي: ليس واردا على الإطلاق أن يخون المترجم، ولفظ الخيانة غير مناسب حتى لو أخطأ المترجم، فالترجمة هي نقل نص من مَعِين ثقافي أقصد اللغة الأجنبية إلى مَعِين ثقافي مختلف وهي اللغة الأم، فالنص كتب بلغته الأصلية لمتلقي له ثقافة معينة يخاطبه الأديب من خلالها.

وبالتالي عند نقل النص إلى ثقافة أخرى بمدلولات مختلفة لمفرداتها اللغوية ومتلقي مختلف بثقافة مختلفة يحدث التحدي الكبير، تترك هذه العناصر تأثيرها على النص المترجم، فالخيانة هنا غير وارده، يكفي المترجم أن يقف متحديّا كل هذه الاختلافات، ويجاهد نفسه كي لا يترك بصمته هو نفسه على النص لينقل رسالة النص الأصلي كما هي وبنفس التأثير من خلال لغة أخرى ولقارئ مختلف، ولا يمكن أن نطلق على أي تقصير في هذه العملية المعقدة على أنه خيانة لأنه من المستحيل عمل صورة طبق الأصل من النص الأصلي، لا أعني اللغة بل الرسالة التي تحملها اللغة، لأن هذا معناه أن أقوم بشرح النص المترجم للقارئ في هوامش وتعليقات أو دراسات ومقدمات... الخ، وحتى هذا لو حدث فلن يمنع أي نقصان قد يحدث.

30 عملًا أدبيًا بدأتها بترجمة رواية الخلود لميلان كونديرا
من أبرز ترجمات البلتاجي: أمارس الترجمة الأدبية منذ أكثر من سبعة عشر عامًا، ترجمت خلالها أكثر من ثلاثين عملًا أدبيًا في معظمها، بدأتها بترجمة رواية الخلود لميلان كونديرا، وصدرت في المركز القومي للترجمة، ترجمت بعدها أعمال لكبار الأدباء التشيك والسلوفاك، منها "قوة المستضعفين" لفاتسلاف هافل الأديب والسياسي المعروف، ومن التشيكية أيضًا ترجمة مختارات من أعمال فرانس كافكا المعروفة كرواية المسخ، وقصص أخرى. من أبرز ما ترجمت في إطار مشروع ترجمتي للأدب النسائي التشيكي والسلوفاكي رواية "ديتوكس" للأديبة التشيكية المعروفة سوزانا برابتسوفا، وأيضًا روايتها عام اللؤلؤ، ورواية كل هذا ملكي أنا للتشيكية بترا هولوفا، ورواية السفينة الخامسة للأديبة السلوفاكية مونيكا كومبانيكوفا والتي تحولت إلى عمل سينمائي.

أتمنى ترجمة "انهيار الحضارات وانبعاثها"
يتمني البلتاجي أن يترجم٬ دراسة تشيكية بعنوان "انهيار الحضارات وانبعاثها"، شارك في كتابة الدراسة العمل أكثر من ثلاثين باحثا، ما بين خبراء في العلوم الإنسانية والطبيعية، وأكاديميين، واقتصاديين وذلك لمعالجة قضية تشغل بال الخبراء في الوقت الحالي، وهي قضية "الانهيار" collapse.

يقوم فريق الباحثين بمعالجة قضية سقوط الحضارات وصعودها أو انبعاثها من المنظور المعاصر (المتعلق مثلا بالأزمات المصرفية) وكذلك من الناحية التاريخية، أهم ما يميز العمل هو التناول المفصل والجاد من قبل المؤلفين لأوقات الأزمات في تاريخ الحضارات الكبرى، وإلقاء الضوء عليها (مثل الحضارة المصرية القديمة والحضارة الصينية والرومانية الخ) وكذلك الأمر بالنسبة للإمبراطوريات كالإمبراطورية البريطانية والعثمانية.. الخ.

كما يتناول العوامل التي أدت إلى نهوضها ثم إلى سقوطها، كذلك يتضمن العمل فصولًا من التاريخ التشيكي، وتحليلا لانهيار تشيكوسلوفاكيا، يتناول الكتاب أيضًا عرضًا للأزمات الناتجة عن الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وتأثير الكوارث الطبيعية على مسار تاريخ الأمم والحضارات، أظن أن ترجمة عمل كهذا يعد إضافة جيدة للمكتبة العربية، خاصة أن مثل هذه الدراسات باللغة العربية نادرة.

لا توجد نقابة للمترجمين في مصر
وعن تفاوت أجور المترجم في العالم العربي عنها في العالم٬ يقول البلتاجي: من معروف أنه لا توجد نقابة للمترجمين في مصر، والنقابة الوحيدة توجد في لبنان، النقابة منوط أمور كثيرة من بينها الدفاع عن الحقوق المالية للمترجم وضبط معدلات الأجور حفاظًا على حياة كريمة للمترجم وتشجيع الترجمة كمصدر دخل يمكن الاعتماد عليه، وهذا بالطبع لا وجود له.

تتفاوت أجور المترجمين في العالم العربي بشكل كبير، وكلها تقريبًا متدنية ولا تسمح للمترجم بمواصلة عمله في مجال الترجمة، باستثناء بعض المؤسسات الكبيرة التي تمنح المترجم مكافأة مناسبة نسيبًا على ترجماته مثل المركز القومي للترجمة في مصر ومشروع كلمة في أبو ظبي، وبسبب ارتفاع أسعار الكتب ومشاكل توزيع الكتاب وجودته نجد أن اهتمام دور النشر الخاصة بدعم الكتب المترجمة ضعيف، ولولا دعم الأجهزة الثقافية في كثير من دول العالم للمترجم من أجل نقل أدبها إلى اللغات أجنبية ومنها العربية لتوقفت كثير من مشروعات الترجمة الحالية التي تتولاها دور النشر الخاصة المعنية بالربح بصورة أساسية، وتستفيد هي الأخرى من برامج الدعم التي أتحدث عنها.

يري البلتاجي أن: الترجمة هي وجهة نظر كما ذكرنا، وجودة الترجمة تتوقف على عناصر كثيرة قد لا يتوفر بعضها بالضرورة. لذلك أرى أن ترجمة عمل واحد لأكثر من مرة شيء بديهي وطبيعي، وربما يكون ضروريا. لأن هذا له أكثر من فائدة، أولًا يسمح برؤية العمل من منظور آخر يختلف حسب اختلاف المترجم ومدى تمكنه من عناصر عملية الترجمة شديدة التعقيد، ثانيًا هذا يدفع إلى التنافس على إنتاج نص جيد تحت تأثير القراء وخاصة في عصر انتشرت فيه وسائل التواصل وإبداء الآراء في الأعمال الأدبية من قبل القراء وليس النقاد فقط.

الترجمة من لغة وسيطة.. ومن العربية إلى غيرها
عن الاختلاف بين الترجمة من لغة وسيطة٬ واللغة الأصلية مباشرة٬ يقول: بالطبع تختلف بدرجات متفاوتة، فلو كانت اللغة الوسيطة من نفس فصيلة اللغة الأصلية فالاختلاف سيكون محدودًا، مثلًا لو أني أترجم نصًا تشيكي الأصل من اللغة البولندية ستكون الاختلافات محدودة نظرًا لوجود مشترك ثقافي بين اللغة التشيكية واللغة البولندية، أما لو كانت اللغة الوسيطة مختلفة بأن تكون ترجمة هذا النص التشيكي الأصل عن طريق اللغة الإنجليزية فمن المؤكد أن المشتركات الثقافية أقل، ومن المؤكد أيضًا أن اللغة الإنجليزية قد تركت أثرها على النص بالزيادة أو النقصان، ناهيك عن دور المترجم في صياغة النص ومدى امتلاكه وتمكنه من عناصر دورة انتقال النص إلى لغة أجنبية.

وعن الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى٬ يشير البلتاجي إلى أن المترجم هو من يترجم إلى لغته الأم، والترجمة إلى لغة أجنبية تحتاج بالضرورة مراجع من هذه اللغة كشريك في عملية الترجمة ليمنح اللغة روحها، ويضعها ضمن سياقها الثقافي على نحو صحيح وطبيعي.

أين منح تفرغ المترجمين
أهم الصعوبات التي تواجه البلتاجي في عمله٬ غياب الجهات المحلية التي تدعم المترجم، فلا توجد مثلًا منح تفرغ للمترجم أو أي دعم له في مصر، لذلك أمارس الترجمة بالتوازي مع عملي في الجامعة الذي يؤمن احتياجاتي الأساسية أو كان كذلك قبل عام 2017 وقبل انخفاض قيمة الجنيه بالتوازي مع الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات، الأمر الثاني هي مشاكل صناعة الكتاب فانخفاض جودة الكتاب من حيث الإخراج والمراجعة، وارتفاع سعره يؤثر على إقبال القارئ عليه، وبالتالي يؤثر على استمرارية حركة الترجمة.

كذلك ضعف التوزيع يؤثر على وصوله إلى قارئه، وبالتالي يجعل حماس بعض الناشرين يفتر، فبعض دور النشر في الآونة الأخيرة تعتبر الكتاب المترجم وخاصة المدعوم من جهة أجنبية مصدرًا للدخل وليس منتجًا ثقافيًا يحتل مكانة في المكتبة العربية، فيكتفي بما يجنيه من برامج الدعم ولا يبذل ما يكفي لإنتاج الكتاب على نحو جيد كي يجني أرباحا من تسويقه وتوزيعه.