رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أين لهم هذا؟


القرار الذى اتخذه «المجلس الفيدرالى السويسرى»، يوم ٢٠ ديسمبر الماضى، والقاضى بإلغاء تجميد الأموال المصرية المتحفظ عليها، والعائدة إلى الرئيس الأسبق، «حسنى مبارك»، وعدد من رموز عهده، وأقطاب أسرته، والتى كانت ٧٠٠ مليون فرنك سويسرى، (الفرنك السويسرى يساوى تقريبًا دولارًا أمريكيًا واحدًا)، وأصبحت ٤٣٠ مليونًا، بعد شطب جانب منها، فى أعقاب «تصالح أصحابها» مع الدولة المصرية(!)-لابد أن يفتح الباب، مجددًا، حول «ذمة» الرئيس الأسبق، وأسرته، وحاشيته، أو لنقل «زبانيته» إذا أردنا الدقة!.
٧٠٠ مليون دولار، وما خفى كان أعظم، أى حوالى ١٢ مليار جنيه مصرى، تم التحفظ عليها فى بلد واحد، نُهبت من اعتصار دماء وأعصاب وعرق ودموع عشرات الملايين من فقراء المصريين، ومن الذين افترسهم الجوع، وعذّبهم المرض، ودمرهم الجهل، وأطاح باستقرار حياتهم بؤس الواقع، ورماهم يتلطمون وسط الأمواج الهائجة، فى مراكب اليأس، بحثًا عن مرفأ وعن ملاذ، فلا يجدون سوى بطون البحار مهربًا، وأعماق المحيطات، مأوى لهم!.
٧٠٠ مليون دولار، بعض ما هربه «مبارك» وأشياعه، ومع هذا تم تخليصهم من كل الاتهامات التى حاصرتهم، ومن الجرائم التى نُسبت إلى عصرهم.. لا لأنهم أبرياء حقًا، ولا لأن التهم المنسوبة إليهم ملفقة، أو عارية من الصحة، أو مجافية للحقيقة، وإنما لأن «هندسة» القضايا التى حُولوا إليها، وبمهارة يُحسد عليها من فعلها، تعمدت تزييف الوقائع، وإخفاء القرائن، والتلاعب فى الإثباتات!.
ما نريد أن نقوله، وهو ما حاول «أيتام وثكالى مبارك»، والمستفيدون من ترهل عهده وفساد إدارته، تحقيقه، بتبرئته من كل الكوارث، ومن جميع الأخطاء والخطايا، مقابل شيطنة الثورة التى قامت ضده، وانفجرت على نظامه، فى ٢٥ يناير ٢٠١١، ورميها بكل نقيصة- أن هذا القرار السويسرى الأخير يُعيد القضية إلى المربع صفر، ويُثبت مُجددًا صحة الاتهام بالفساد، الموجه إلى «مبارك»، وأسرته، ونظامه، ومحاسيبه، ويجعلنا مُجددًا نصيح بكل عزمنا، وأصابعنا تشير إلى المجرمين فى أحداق عيونهم: «من أين لكم هذا؟!».. وهو اتهام صريح لن يمكنهم الإفلات من عاره، حتى لو عادت وجوههم القبيحة للإطلال علينا من برامج كل الشاشات، وسودت مئات الصفحات، وكتبت آلاف المقالات، للتهرب من الجريمة وتوابعها!.
فإذا كانوا قد تلاعبوا، أمس، بالأمور، ونجحوا فى التشويش على الحقيقة مؤقتًا، فإن التاريخ سوف يُدينهم، ذات يوم ليس بالبعيد، حتمًا.. أقولها بنفس اليقين الذى جعل الثورى الكوبى الراحل، «فيدل كاسترو»، يقول فى محاكمته عام ١٩٥٦، لجلاديه، بعد إحباط محاولته الثورية الأولى: «سينصفنا التاريخ»، وكان أن تحققت «نبوءته»، فسقط أعداء الشعب، وانتصرت إرادة الحياة!.
انظر حولك يا صديقى، وسترى فى كل ركن من أركان بلادنا أثرًا بائسًا من آثار حكم «مبارك» الطويل: العشوائيات والتخلف، والانهيار الثقافى والأخلاقى، والجهل والبطالة، والمرض وبؤس الأحوال، والإرهاب وجرائمه، وأزمتنا مع محيطنا الحيوى، وبالذات فى إفريقيا، وتأثيراتها السلبية فى استقرارنا ومستقبل الأجيال!.
إذًا لولا ثلاثة عقود من الفشل والإهمال والتهميش والفساد، والتكالب على التربح من التواجد على قمة السلطة، ومن الفساد والاستبداد، لما وصل الحال بنا إلى ما وصلنا إليه، إلى الحد الذى دفع رئيس الدولة إلى أن يصفه، مُتلطفًا، بوضع «شبه الدولة».. وآه مما يعنيه هذا الوصف لو كنتم تعلمون!.