رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى حفيدى حمزة.. وليلة الدويقة والسلعوة


هنا سمعت ضحكات ليلى ويارا، وقالت ليلى «فسحوكى يا كوكى» نعم وكانت ليلة ليلاء سار بنا الميكروباص حتى مدينة 15 مايو وهى على طريق جنوب القاهرة بعد حلوان ثم تركونا فأخذنا تاكسى إلى القاهرة بعد اتصالنا بزملائنا الذين تجمعوا عند نقابة الصحفيين للمطالبة بالإفراج عنا وإلا الاعتصام.

بعد عودتى من تونس ذهبت إلى منزل رشاد وحاتم وحمزة.. وجاءت ابنتى نسرين وزوجها تامر والحفيدتان ليلى ويارا ليجتمع شمل الأسرة وبعد السلامات والتحيات والأحضان والقبلات باغتتنى ليلى: كوكى إنتى وعدتينا لما ترجعى من تونس تحكى لنا عن السلعوة.. فكرتينى يا ليلى بدأت الحكاية ولم أكملها فى المرة السابقة سأحكى لكم.. كان يا مكان ولا يحلى الكلام إلى بذكر النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبد الحكاية من العامرية بالعراق إلى الدويقة بمصر، فالجريمة والمأساة متشابهة عندما زرت العراق قبل العدوان الأمريكى الغاشم فى 20 مارس 2003 كنت ضمن وفد مصرى من 150 من القوى الوطنية والسياسية والفنانين والشعراء والقوى الشعبية الواقفة ضد الحرب على العراق.

وفى الوقت نفسه كانت الوفود الشعبية من كل دول العالم تتدفق على العراق كطوفان من البشر تحت شعار «دروع بشرية ضد الحرب» وكانت هذه الزيارة فى 21 فبراير حتى 25 فبراير 2003 وكان من ضمن برنامج الزيارة الذهاب إلى مدينة العامرية، قالت لى الفنانة المناضلة العظيمة محسنة توفيق: لا تذهبى لن تحتملى المشهد قلت لها: سأذهب فأنا لم أذهب من قبل لمشاهدة هذه الجريمة التى اقترفتها أمريكا فى هذه المدينة، سار بنا الأتوبيس إلى المدينة ثم إلى الملجأ الشاهد على جريمة حرب ضد الإنسانية، كان الملجأ يسكن فيه عدد كبير من الأسر العراقية والمصرية يبيتون فيه فى الليل هرباً من القصف الأمريكى، وكان هذا الملجأ معروفاً لدى الجميع ويتبع وكالة الإغاثة بالأمم المتحدة، وبالرغم من ذلك قصفت الطائرات الأمريكية الملجأ المكتظ بالعشرات من البشر كباراً وصغاراً نساءً وشيوخاً.. أطفالاً وصبية وصبايا، قصفته بصاروخ دمر وفجر الملجأ ومن شدة الانفجار طارت أشلاء الجثث والتحمت بالجدران وانصهرت داخل الجدران لتشهد البشرية لوحة من اللحم البشرى تحكى لنا عبر السنين ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

وتحكى لنا عن جريمة نكراء الصور على الجدران لتوثيق المأساة هذه عروسة مصرية وعريسها العراقى، هذه أسرة تزوج فيها مصري من عراقية وأطفالهم وجدتنى أصرخ من بين دموعى وأهتف، كل الشعوب العربية ضد مجازر صهيونية ضد مذابح أمريكية، ضد الظلم وضد القهر، ضد أنظمة استبدادية.. يا شهيد نام وارتاح وإحنا نكمل الكفاح.. رجعنا فى الأتوبيس حزانى صامتين لم ننم الليلة من هول المشهد، كان عندك حق يا فنانة يا أستاذة محسنة لن يتحمل القلب ولا العقل أن يرى هذا المشهد مرتين.. كانت الجريمة بيد القوى الاستعمارية الرأسمالية المتوحشة.

ولكن لم أكن أدرى أنه بعد بضع سنوات سيتكرر المشهد فى مصر وفى جبل المقطم ليرسم لنا جريمة إهمال وفساد واستبداد نظام تخلى عن أن تقوم الدولة بدورها فى توفير مساكن لفقراء هذا الشعب تأويهم وتحميهم، جريمة ترك أسر مصرية تعيش تحت صخرة المقطم الذى قال عنه علماء الجيولوجيا إن بناء مدينة سكنية فوق المقطم سيؤدى الصرف الصحى إلى انهيار بعض الصخور.

وكانت الطامة الكبرى تصحو مصر على سقوط صخرة المقطم على سكان حى الدويقة لتدفنهم أحياء ببيوتهم وذكرياتهم وآلامهم المئات تم دفنهم أحياء، رغم كل التحذيرات ورغم المساكن التى بنيت بالقرب منهم حتى ينتقلوا إليها ويعيشوا سالمين لكن البيروقراطية المصرية الفاسدة من الرأس وحتى القدم لم تسلمهم الشقق وتاجرت فى هذه الشقق وسلمتها لأحبائها وأقربائها.

فكانت النتيجة جريمة الدويقة بأيدى النظام المصرى ضد مواطنين مصريين.. من هول المأساة جرينا جميعاً لنواسى لنساعد لنؤازر لنقف بجوار الأحياء لتحقيق مطلبهم فى مسكن آمن وكنت أنا وزملائى وزميلاتى فى حركة «كفاية» اتفقنا على أن يسبقنا المناضل المهندس محمد الأشقر إلى هناك عن طريق رجل يعرفه من الدويقة لينتظرنا ويأخذنا إلى قلب المأساة أنا وزميلتى شيرين المنيرى الكاتبة فى جريدة «الأهرام» والمصور عيد خليل ومن نشطاء كفاية وقيادتها أحمد أبو ستيت وعدد من الشباب وما إن وطئت أقدامنا الأرض فى طريق الأوتوستراد أمام الدويقة إذ بعدد كبير من جنود وضباط الشرطة ولواءات فى انتظارنا «طبعاً أنتو عارفين إن التليفونات متراقبة» والجميع من عصابة وزارة الداخلية التى تحمى العصابة الحاكمة من آل مبارك وشركاه يطاردوننا حتى لا نتضامن مع أهالى الكوارث التى تنزل على رؤوسهم يوماً بعد يوم.

فجأة اعترضنا عدد من الضباط ورفضوا أن نتحرك أو نذهب إلى سكان الدويقة وحملونا إلى عدد 2 ميكروباص أنا وأحمد أبو ستيت وعيد خليل فى أحدهما وبقية الزملاء والزميلات فى الآخر وطبعاً الميكروباص به جنود وضباط شرطة ومباحث وأمن دولة عددهم كبير يحجز عنك الهواء والرؤية.

هنا سمعت ضحكات ليلى ويارا، وقالت ليلى «فسحوكى يا كوكى» نعم وكانت ليلة ليلاء سار بنا الميكروباص حتى مدينة 15 مايو وهى على طريق جنوب القاهرة بعد حلوان ثم تركونا فأخذنا تاكسى إلى القاهرة بعد اتصالنا بزملائنا الذين تجمعوا عند نقابة الصحفيين للمطالبة بالإفراج عنا وإلا الاعتصام.

وأنا فى طريقى مع عيد خليل وأحمد إلى نقابة الصحفيين اتصل بى أحد شباب كفاية ليقول لى إن عدداً من أهالى الدويقة أمام محافظة القاهرة لحل مأساتهم والحصول على شقق، لأنهم يبيتون فى خيام رغم مرور أكثر من أسبوع على المأساة، طبعاً قلت له أنا جاية على المحافظة، ضحكت يارا «يا كوكى التليفونات متراقبة زى ما قلتى لنا» نعم ولكن ما حدث كان الفصل الثانى من المسرحية التى يمكن أن نطلق عليها الكوميديا السوداء عندما فتحت باب التاكسى.

وبدأت هنا أنزل قدمى إذ بلواء كبير محاط بضباطه وجنوده يستلمنى من التاكسى أنا وأحمد وعيد ليضعونا فى ميكروباص آخر ويشير له بالانطلاق طبعاً مشهد جعلنى أضحك فإذا بهذا اللواء الذى لا أعرف اسمه ينطق بصوت عال وبعصبية وغضب شديد «هو مفيش غيرك مدوخانا من أول اليوم هو الواحد ميعرفش يقعد فى بيته هو إنتى ما بتتهديش.. بتضحكى على إيه يا ختى؟! فإذا بى وبكل هدوء أقول له وبصوت يدل على السخرية لا والله خوفتنى فإذا به ينتفض ويقول «دا إنتى تخوفى بلد يا مفترية» طبعاً لكم أن تتخيلوا المشهد الكوميدى أنا بطبيعتى جسمى قليل وقصيرة وهو كان طويل القامة ويزن ثلاثة أضعاف وزنى.

المهم ركبنا الميكروباص وبدأت الليلة من التاسعة والنصف مساءً حتى فجر اليوم التالى يتمخطر بنا الميكروباص فى طريق جنوب القاهرة، ولكن على بعد أكثر من سبعين كيلو فى منطقة الصف وأطفيح شرق النيل إلى أن أنزلونا فى منطقة جبلية منطقة المحاجر لا تسمع فيها صوتاً غير صوت الديابة وعندما أنزلنا ضابط أمن الدولة الذى لم ينطق حرفاً طوال الرحلة إذا بى ابتسم وأقول له يعنى هتسيبونا للسلعوة، فضحك زملائى.

وللحديث بقية.

■ ناشطة سياسية