رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المختلون فكرياً والاعتداء على الكنائس «1-3»


بسبب التعصب المقيت من بعض المتطرفين قرأت وسمعت فى مصرنا المحروسة عن قرى لم أسمع عنها من قبل وليس لها مكان على الخريطة وهذه القرى أصبحت مشهورة ومعروفة عالمياً لا لأنها قرى سياحية ولكن بسبب الاعتداءات التى حدثت لكنائسها ومسيحييها.

منذ عدة أيام قامت مجموعات من متطرفى قرية تابعة للفيوم «92 كم جنوب غرب القاهرة»، بإشعال النيران بكنيسة مارجرجس بالقرية، وقذفها بالطوب، مما أسفر عن هدم جزء من قبتها، وكسر صليب أعلى القبة، وتدمير أجزاء بداخلها، وذلك بعد أن اعترض أحد السلفيين على وجود الكنيسة بجوار منزل مسلم، وقيامه بتحريض الأهالى للهجوم على الكنيسة، رجال الأمن الذين كانوا يتفاوضون مع مسلمى القرية فى وجود كاهن الكنيسة قبل بدء الهجوم, وهذه الكنيسة تم بناؤها فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى، وتخدم ما يزيد على 180 أسرة مسيحية، وهى ملاصقة لمنزل أسرة مسلمة، وقد سبق أن قام بعض المتطرفين بكسر جزء من جدارها وفتح ثقب به منذ 3 أشهر لمراقبة ما يحدث داخلها، وتم عقد جلسة «صلح» عرفية، طالب المسلمون فيها بعدم ضم مساحة فضاء لا تزيد مساحتها على 50 متراً داخل الكنيسة إلى مبنى الكنيسة وتعهد الكاهن بذلك، وعندما طالب الكاهن بإقامة حضانة للأطفال رفضوا، واستمر وجود الثقب فى جدار الكنيسة كما هو، حتى بدأ أحد السلفيين فى تحريض المسلمين على الكنيسة بقوله إنها «جار غير شرعى للمسلمين ولا يجوز وجودها»، كما أنه اعترض على أن يكون عداد الكهرباء باسم أسقف الفيوم، معتبرا أن ذلك «غير شرعى» ومن اللافت للنظر أنه أثناء انعقاد جلسة عرفية للصلح، ترك المسلمون الجلسة قبل انتهاء الحديث، وبدأوا فى قذف الكنيسة بالطوب، فى وجود رجال الأمن الذين لم يفعلوا شيئاً، وتزايد عدد المعتدين على الكنيسة ليشمل المئات من أهالى القرية، حيث صعد بعضهم فوق أعلى القبة وبدأوا فى هدمها، ثم قاموا بإشعال النيران بالقبة المصنوعة من الأخشاب، وقاموا بإلقاء الطوب من هذا الجزء المنهار إلى داخل الكنيسة لتدمير الهيكل، كما حاولوا الاعتداء على كاهن القرية الذى أُصيب إصابة طفيفة فى يده، كان هذا الحادث المؤلم هو آخر حادث اعتداء على كنيسة وبالطبع لن يكون الأخير، فمنذ سبعينيات القرن العشرين وفى عهد الرئيس المؤمن محمد أنور السادات الذى أطلق على مصر دولة العلم والإيمان تزايدت أحداث الاعتداءات على المسيحيين ومحالهم وبيوتهم وكنائسهم، وحتى بعد 25 يناير 2011 خدعنا بعض المحللين فى وسائل الإعلام بالقول: إن النظام السابق هو السبب الرئيسى فى كل ما جرى للمسيحيين وإنه بعد الآن لن يحدث أعمال عنف ضد المسيحيين، ولكن دارت الأيام وثبت كذب هذا التحليل وحدثت أحداث كنيسة المريناب والعامرية وأحداث دهشور التى لن تكون الأخيرة، هذا فضلاً عما يحدث لبعض المسيحيين من تهجير قسرى وإجبارهم على ترك بيوتهم، ويعوزنى الوقت إن تحدثت عن الاعتداء على محال المسيحيين وتخريبها ونهبها وسلبها .

هذه الأحداث اعتاد الإعلام أن يسميها بـ«الفتنة الطائفية» وفى حقيقة الأمر هذه التسمية خاطئة حيث إن التوصيف السليم لها هو «أعمال إجرامية»، أو «اعتداءات دينية» حيث إن بعض المضارين يتعرضون للاعتداءات لا لشىء إلا لأنهم مسيحيون وليس لأنهم طرف فى مشاجرة أو نزاع.

وفى المجتمعات التى ترتفع فيها نسبة الأمية الأبجدية والثقافية بكثافة من الطبيعى أن يحدث هذا من أى أغلبية تجاه أى أقلية، وحتى إذا تلاشت الأمية وانتشر التعصب ورفض الآخر، فمن البدهى أن تحدث مثل هذه الأعمال الإجرامية على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الثقافة، ولكن الفرق بين دولة المواطنة ودولة الأهل والعشيرة هو تطبيق القانون على المخطئ ومحاسبته دون اعتبار لدينه أو انتمائه للأغلبية.

وبسبب التعصب المقيت من بعض المتطرفين قرأت وسمعت فى مصرنا المحروسة عن قرى لم أسمع عنها من قبل وليس لها مكان على الخريطة وهذه القرى أصبحت مشهورة ومعروفة عالمياً لا لأنها قرى سياحية، ولا لأن أحد أبنائها حصل على جائزة نوبل، ولكن بسبب الاعتداءات التى حدثت لكنائسها ولمسيحييها، فمنذ أن قام المتطرفون بحرق كنيسة «الخانكة» فى صبيحة يوم 6 نوفمبر 1972 ومسلسل حرق الكنائس والاعتداء عليها وعلى المسيحيين المصلين لا يزال مستمراً فى أماكن ليست بقليلة فى بقاع مصر, فالتاريخ خير شاهد على الاعتداء على كنيسة أبو قرقاص والكشح وبنى ولمس والعديسات والعياط ومحرم بك والفقاعى وعزبة باسيليوس وميت القرشى وعزبة جرجس وعزبة بشرى وغيرها وغيرها الكثير، ومن المؤكد أن المعتدين على الكنائس مختلون فكرياً وليس عقلياً كما يروج البعض، فالمتطرفون يظنون أنهم بمفردهم فى هذا العالم الذين يملكون الحقيقة المطلقة.

وفى تقديرى أن سبب الهجوم على الكنائس ورفض بعض المتطرفين لوجود كنيسة بالقرب منهم يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية:- أولا فتاوى دينية منغلقة ومتعصبة، ثانيا:- أسباب قانونية بالية، ثالثاً أسباب تعليمية متخلفة، وفى هذا المقال سأتناول واحدة من الفتاوى الدينية المتعصبة على أن أرجئ الأسباب القانونية والتعليمية لمقالات قادمة، أما من ناحية الفتاوى الدينية المتعصبة فحدث ولا حرج ولعل أشهرها فتوى جماعة «الإخوان المسلمين» فقد نشرت مجلة «الدعوة» فى إصدارها الثانى وفى العدد رقم 56 والصادر فى شهر ديسمبر عام 1980 إجابة الشيخ محمد عبد الله الخطيب -مفتى الجماعة وعضو مكتب الإرشاد- عن سؤال حول حكم بناء الكنائس فى ديار الإسلام فقال سيادته ما نصه «إن حكم بناء تلك الأشياء – على حد تعبيره – فى ديار الإسلام على ثلاثة أقسام: الأول بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادى والعاشر من رمضان وحلوان وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة والثانى ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية وهذه أيضاً لا يجوز بناء هذه «الأشياء» فيها – بل إن الشيخ يؤكد أن بعض العلماء طالب بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين – والقسم الثالث ما فتح صلحاً بين المسلمين وبين سكانه والمختار هو إبقاء ما وجد فيها من كنائس وبيع على ماهى عليه فى وقت الفتح على أن يمنع بناء أو إعادة ما تهدم منها».

والمفهوم من هذه الفتوى فى غير لبث أن البلاد التى أحدثها المسلمون وأقاموها لا تتسع لغير المسلمين، وهناك سؤال يطرح نفسه أين يذهب المصرى المسيحى المقيم فى الإسكندرية عندما تهدم الكنائس هناك بحسب الفتوى؟! النتيجة المنطقية إنه سيذهب إلى الأماكن التى يسمح الإخوان ببناء الكنائس فيها والتنازل الوحيد الذى يقدمه الإخوان هو الإبقاء على ما كان موجوداً من كنائس ولكنهم يجعلون من هذا التنازل سراباً عندما يمنعون بناء ما تهدم منها ولابد أن الزمن كفيل بتحقيق أغراض الجماعة!! والمحصلة النهائية المستخلصة من فتوى الإخوان هى حتمية غياب الكنائس فى ديار الإسلام ويترتب على ذلك منطقياً أنه لا مكان لغير المسلمين فى مصر ففضيلة الشيخ ينهى فتواه مشدداً بوضوح على أنه لا يجوز إحداث كنيسة فى ديار الإسلام .

وبسبب هذه الثقافة الظلامية تحولت جماعات بشرية لا حصر لها إلى جيوش من المختلين فكرياً يهذون ليلاً نهاراً سراً وعلانية وينضحون بثقافة الكراهية والاستعداء والبغضاء، وللحديث المؤلم بقية.

■ راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.